الكرد وحق الاستقلال و مواجهة مخططات الإبادة

إبراهيم اليوسف

 

اتهامات  بحق الكرد: قراءة في مواقف إعلامي الأنظمة الراعية للإبادة
تتحرك طوابير طويلة من إعلاميي البسطات عبر فضائيات ومنابر صحفية وشبكات التواصل الاجتماعي كلسان حال قوى سياسية في حكومات رسمية أو غير رسمية غاصبة، مباشرة، أو بشكل غيرمباشر، سواء أكانت موالية لأنظمة مستبدة أم داعمة لأنظمة راكعة، خاضعة لإسرائيل علناً أو سراً، أو تلك الممولة من إيران وتركيا وقطر دون أي استثناء. هؤلاء الإعلاميون، المرتبطون بمصالح تلك القوى، يتبنون خطاباً ممنهجاً لتجريد الكرد من حقوقهم وتاريخهم، عبر قذفهم اتهامات سطحية تصف الكرد بـ”مخلب إسرائيل” و”خنجر في خاصرة الوطن” أو “إسرائيل ثانية”.

تلك التوصيفات ليست مجرد كلمات جوفاء؛ بل أدوات لتشويه الحقائق وإلباس الكرد ثوب” العمالة” وهم من عداد أكثر شعوب المنطقة والعالم نزاهة وإنسانية وشجاعة، وهي اتهامات تسقط أصحابها في مستنقع التحالف مع قوى الظلام، ليس بدءاً من داعش وليس انتهاء بفصائل الاحتلال التركي في عفرين وسري كانيي وتل أبيض.  ولا تمر أية جريمة إبادة بحق الكرد، إنساناً ومكاناً، إلا وكان هؤلاء شركاء في التخطيط أو التبرير أو الصمت المدوي.

أبناء الخريطة المغتصبة:

تاريخ متجذر في المكان…….

الكرد ليسوا وافدين أو غرباء عن جغرافيا الشرق الأوسط. هم أبناء الأرض وساكنوها منذ آلاف السنين. فلا شبر من هذه الأرض إلا ودافع عنه الكرد، على مرّ الحقب التاريخية. ولا يمكن إنكار دورهم في حماية المنطقة من الغزوات. أية كانت هوياتها، وصمودهم في وجه محاولات طمس هويتهم ولغتهم وثقافتهم. هذا التاريخ المسطر بالدم والعرق يجعل من الكرد جزءاً أصيلاً من النسيج التاريخي والجغرافي للمنطقة، وليس “مشروعاً خارجياً” كما يحاول الإعلام المغرض تصويرهم.

مع ذلك، ظلت الأنظمة المسيطرة على كردستان ترفض الاعتراف بحقوق الكرد، بل وتسعى جاهدة إلى إخراجهم من دائرة تقرير المصير. تلك الأنظمة لم تكتف بالاحتلال العسكري؛ بل عملت على تذويب الهوية الكردية عبر سياسات ممنهجة تشمل منع استخدام اللغة الكردية، وتغيير التركيبة السكانية للمناطق الكردية، وفرض قوانين تعيق أي محاولة لتنظيم الصف الكردي.

حق تقرير المصير: أولوية مغيّبة

بدلاً من السعي لاحتواء الكرد كشركاء أصيلين في الوطن والتاريخ والدين، تصرّ الأنظمة المحتلة لكردستان على قمع تطلعاتهم واتهامهم بالخيانة. هذا النهج العدائي لا يضع فقط حاجزاً نفسياً بين الشعوب؛ بل يدفع الكرد إلى الشعور بالعزلة، نتيجة سياسات الإقصاء المستمرة. السؤال الذي يجب أن يُطرح على تلك الأنظمة: لماذا لا يعترفون بحق الكرد في تقرير مصيرهم؟ ولماذا لا يتحركون باتجاه تحقيق شراكة متساوية معهم؟

في ظل تجارب التاريخ المدونة، يظهر الكرد من عداد أكثر الشعوب تمسكاً بالدفاع عن مناطقهم وترابهم وجبالهم، حتى في أحلك الظروف. ومع ذلك، فإنهم يواجهون دائماً محاولات حثيثة لتهميش قضيتهم، أو حصرها ضمن نطاق “المشكلة الأمنية”، بدلاً من الاعتراف بأنها قضية شعب يطالب بحقه المشروع في الحرية والكرامة.

في زيف الخرائط التي رسمها الغرب

الغرب يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية معاناة الكرد اليوم. الاتفاقات الدولية مثل سايكس بيكو (1916) ولوزان (1923) أسهمت في تقسيم كردستان بين أربع دول، دون اعتبار لخصوصية الشعب الكردي. تلك الخرائط، التي رسمت بناءً على مصالح القوى الاستعمارية، لتجعل الكرد رهينة في يد الدول المحتلة لكردستان. ورغم مرور أكثر من مئة عام على تلك الاتفاقيات، فما زالت القوى الكبرى تتجاهل إعادة النظر فيها، ما يضع علامات استفهام حول مصداقية الخطاب الدولي المتعلق بحقوق الشعوب.

وهنا فإنه على الغرب أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية تجاه ما لحق بالكرد بسبب سياساته التاريخية. تكفير الغرب عن خطيئته يبدأ بدعم الكرد في نضالهم من أجل نيل حقوقهم، وليس عبر اتخاذ مواقف مترددة أو متناقضة تزيد من تعقيد القضية الكردية.

دعوة للإنصاف

الدول المحتلة لكردستان الواحدة منها تلو الأخرى مطالبة بمراجعة سياساتها تجاه الكرد.  إذ عليها أن تبادر إلى احتواء الكرد كشركاء لا كأعداء. الكرد ليسوا مجرد أرقام في معادلات سياسية؛ بل هم جزء لا يتجزأ من شعوب المنطقة، ارتبطوا معها بوشائج الدين والتاريخ. إن محاولات الإبادة والتهميش لن تؤدي إلا إلى تعميق الجراح، في حين أن الاعتراف بحقوق الكرد وتلبية مطالبهم المشروعة قد يكون مفتاحاً لاستقرار دائم في المنطقة. لا سيما إن استقرار المنطقة يرتبط بإنصاف الكرد، فلا يمكن تجاهل دورهم المحوري في حفظ التوازن في الشرق الأوسط.  لأن قوتهم ليست تهديداً؛ بل هي قوة للشركاء والجيران، إذا ما تم توظيفها ضمن إطار الشراكة المتكافئة والاعتراف بالحقوق.

الهوية الكردية: قوة مقاومة

رغم كل المحاولات لطمس هويتهم، فقد أثبت الكرد مراراً قدرتهم على التمسك بلغتهم وثقافتهم وأرضهم. تلك المحاولات، التي شملت حظر اللغة الكردية، وتغيير ديمغرافيا المناطق الكردية،  من دون أن تنجح في محو الحلم الكردي بالحرية. هذا الحلم، الذي ورثه  الكرد عن أجيال سابقة، يجعلهم قوة لا يمكن التغافل عنها، لا في المعادلات السياسية ولا في الحقائق التاريخية، ماضياً، وحاراً، ومستقبلاً، وعندما أشير إلى الماضي فإنني أحدد مرحلة ما بعد خيانة الغرب ونخب الدول المحتلة لخريطة كردستان  العمل على حرمان الكرد من حقوقهم، وطردهم من الجغرافيا والتاريخ، على حد سواء؟!

إن الدفاع عن الكرد ليس دفاعاً عن قومية بعينها؛ بل هو وقوف إلى جانب حق الشعوب في تقرير مصيرها. هؤلاء الإعلاميون والسياسيون الذين يروجون الاتهامات الجاهزة بحق الكرد إنما ينغمسون في سياسات الإقصاء والظلم التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من الانقسامات. الكرد، أبناء هذه الأرض، وسيظلون جزءاً أصيلاً من تاريخ المنطقة ومستقبلها. إنصاف الكرد خطوة ضرورية لاستقرار المنطقة وتحقيق شراكة حقيقية بين الشعوب.

المصادر:

حصيلة متابعات وأخبار من وسائل الإعلام المتعددة

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم تكن ثقافة العنف في سوريا وليدة لحظة أو حدث عابر، بل هي نتاج عقود من السياسات القمعية التي سعت إلى إحكام السيطرة على المجتمع من خلال ممارسات شمولية اعتمدت الترهيب والتدمير المنهجي لأي محاولة للخروج عن النص السلطوي. حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة عام 1970، أرسى قواعد نظام أمني مبني على الخوف والولاء المطلق،…

بوتان زيباري رأيتُ سوريا في المنام، تقف على تلٍ عالٍ، عيناها مغمضتان كمن ينتظر حُكم القدر. كان وجهها متعبًا، مُثقلًا بغبار الحروب، وشعرها مشعثًا تراقصه رياح الخوف. ومع ذلك، كانت في عينيها مساحات شاسعة من الأمل، كأنها تقول: “أنا باقية… ولن أنهزم.” في الحلم، لم تكن سوريا مجرد جغرافيا أو خطوطًا متشابكة على الخرائط. كانت أمًّا تضم أطفالها الذين…

إبراهيم اليوسف تمر بلادنا بمرحلة مفصلية، حيث تزداد الحاجة إلى التكاتف والتعاضد بين أبناء الشعب الكردي من جهة، وبينهم والشعب السوري عامة. في خضم هذه الأوقات الصعبة التي تتطلب جهودًا مشتركة من جميع الأطراف، يصبح من الطبيعي أن تظهر آراء متناقضة وأحيانًا متباعدة في ظل الظروف المعقدة. ولكن ما يزيد الأمور صعوبة هو تحول بعض النقاشات إلى ساحة من الشتائم…

اكرم حسين الفيدرالية لا تعني فقط اقامة نظام حكم إداري أو سياسي ، بل هي فلسفة ترتكز على مفهوم المشاركة الحقيقية في السلطة والموارد، بما يضمن العدالة والتوازن بين مختلف المكونات. ففي سوريا ، حيث يفرض التنوع القومي والديني والجغرافي تحديات عديدة ، تكون الفيدرالية حلاً واقعياً لبناء دولة وطنية حديثة ومستقرة، لا سيما في المناطق الكردية التي عانت تاريخياً…