الفيدرالية نموذج للحكم العادل في سوريا

اكرم حسين
الفيدرالية لا تعني فقط اقامة نظام حكم إداري أو سياسي ، بل هي فلسفة ترتكز على مفهوم المشاركة الحقيقية في السلطة والموارد، بما يضمن العدالة والتوازن بين مختلف المكونات. ففي سوريا ، حيث يفرض التنوع القومي والديني والجغرافي تحديات عديدة ، تكون  الفيدرالية حلاً واقعياً لبناء دولة وطنية حديثة ومستقرة، لا سيما في المناطق الكردية التي عانت تاريخياً من التهميش والاضطهاد والاقصاء ، وهي تعني  في جوهرها المشاركة في كل شيء، بما فيها القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتقوم على توزيع مهام السلطة بين الحكومة المركزية في دمشق والوحدات الإدارية الأخرى ، بحيث يتمكن كل إقليم من إدارة شؤونه الداخلية بحرية مع الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها ، و يشكل التنوع القومي والديني  أحد أبرز سمات المجتمع السوري ، في الوقت الذي يعتبر فيه الكرد أحد المكونات الرئيسية التي تسعى  إلى تحقيق حقوقها ضمن إطار وطني شامل و سوري ، وتقدم الفيدرالية في هذه الحال إحدى نماذج حل القضية الكردية في سوريا بما يعني الاعتراف  بهوية الكرد القومية وضمان حقوقهم في المشاركة الفاعلة في إدارة الدولة ، عبر منح  سكان المنطقة الكردية الحق في تشكيل برلمان وحكومة محلية لإدارة شؤونهم الداخلية، بما يشمل التعليم والثقافة واللغة، وتقاسم القوة السياسية ويكون لهم دور فاعل في الحكومة المركزية بما يعكس حجمهم ومكانتهم في إطار الوطن السوري ، وتؤدي الفيدرالية إلى توزيع عادل للثروات والموارد بين المركز والأقاليم ، وخاصة أن المناطق الكردية غنية بالموارد الطبيعية كالنفط والغاز التي يجب أن تستفيد من هذه الثروات لتطوير بنيتها التحتية وتحقيق التنمية المستدامة، بما يضمن أن تبقى مصلحة الجميع مرتبطة بوحدة الدولة.
 وتقوم  الفيدرالية على بناء منظومة أمنية مشتركة، حيث تشارك الأقاليم في القرارات الأمنية بما يحمي مصالحها مع وجود جيش موحد يحمي السيادة الوطنية، على أن يتم السماح للأقاليم بتشكيل قوى أمنية محلية لحفظ الأمن الداخلي ، ولكن ، تواجه الفيدرالية في سوريا تحديات عديدة مثل غياب الثقة بين المكونات، وخاصة العلاقة المتوترة بين الكرد  وبعض المكونات الأخرى التي تحتاج إلى حوار ومصالحة وطنية حقيقية، نتيجة التدخلات الخارجية التي تخشى تأثير الفيدرالية على أوضاعها الداخلية، أضف إلى ذلك  ضعف المؤسسات الوطنية ، ومخاوف البعض من أن تكون الفيدرالية مقدمة لتقسيم البلاد. لكن الفهم الصحيح للفيدرالية يؤكد أنها ضمان للوحدة الوطنية وليست تهديداً لها.
 لاشك ان الفدرالية لو طبقت في سوريا ستكون ، بداية الطريق لتحقيق العدالة والمساواة والتنمية في بلد مزقته الصراعات، رغم أنها تحتاج إلى إرادة سياسية مشتركة وحوار وطني شامل يضع مصلحة الشعب السوري بكل مكوناته فوق اي اعتبار.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…