العبور من الجحيم ـ سيرة ذاتية لمعتقل*

Hussein Jelebi

 

تستغرق عملية التواليت من بدايتها حتى نهايتها، حوالي دقيقة ونصف، عليّ استغلال كل ثانية للقيام بما هو ضروري بأقصى سرعة، وإذا نَفِدَ الوقت، عليّ التوقف والخروج مهما كان وضعي، لكي أعود مع مجموعتي، فإن لم أكن غسلت يديّ مثلاً، عليّ عدم غسلهما، لأن عدم الالتزام بالزمن المحدد، الذي ينتهي بالقرع على الباب المفتوح أصلاً، يكلف المخالف خمساً وعشرين ضربة فلقة. سأشرب قليلاً من الماء، كيلا أشعر بالحاجة إلى التبول، لأنهم لا يفتحون باب الزنزانة سوى للذهاب جماعياً إلى التواليت، لمرتين وأحياناً لثلاث حسبما أُخبرت به، والتبول في الزنزانة سيتسبب بكارثة إضافية، خاصةً أن معنا مريض بالسكري، زودوه بقنينة للتبول فيها، سيقوم بإفراغها عندما يخرجوننا.

صدر الأمر بالذهاب إلى التواليت، طلب منا صوتٌ من أمام باب الزنزانة تجهيز أنفسنا، فسارع الجميع إلى خلع ثيابهم دون تردد، أصبحت مثلهم عارياً تماماً. انقسمنا إلى ثلاث مجموعات، انتظمت في ثلاثة صفوف، وجلسنا القرفصاء ننتظر. عندما فتحوا الباب، أمسك رفيقنا الأقرب إليه بعصا السجّان، ومد يده الأُخرى لمن يليه من مجموعته، فأمسكها ومد بدوره يده الأُخرى إلى آخر يليه، وهكذا بالنسبة للمجموعتين الأُخريين. خرجنا عراة في سلاسل، نتقدم مقرفصين، منحنيْ الظهر ومطأطيء الرؤوس.

أصبحت حلقة في سلسلة عراة، لا يرون سوى أقدامهم، يقودنا سجّانٌ في ممرٍ يصل طوله إلى حوالي عشرين متراً، وسط سجّانين واقفين على طرفيه، يضربوننا بهراواتهم بضراوة ويشتموننا، لحثنا على التقدم بسرعة. تزحلقنا عدة مرات، فسقطنا على الأرض المبللة، الأرجح من المياه التي عادت مع أجسام من سبقنا، لكننا عدنا إلى وضعيتنا في كل مرة وتابعنا التقدم، تحت وقع الضرب والشتائم والصراخ.

دخلت إلى كابينة مفتوحة، تم توجيهي إليها، صدمتني قذارة المكان فخرجت سريعاً، أشعر بالغثيان، ووقفت إلى مغسلة أمامها، مددت يدي إلى قطعة صابون فقدت لونها وشكلها، فوجدتها متحجرة، تركتها وسارعت إلى غسل يديّ ووجهي وأنفي، وقمت بالمضمضة فبصقت دماءً. استجبت لأمر العودة مع مجموعتي، بطريقة الذهاب نفسها.

*مقتطف من رواية « العبور من الجحيم ـ سيرة ذاتية لمعتقل» للكاتب حسين جلبي*

 

https://www.facebook.com/hussein.jelebi/posts/pfbid02oepc7CqLdwpK6MtxKcFd36jESQpGjwsbHBj5soCWZpeS31fLKDxmhHe8cYdbWoqTl

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…

نظام مير محمدي* في الغالب، فإن النظام الإيراني يبدو في حالة لا تمکنه من أن يصر على إن أوضاعه على ما يرام وإن ما حدث خلال العامين الماضيين الى جانب ما يحدث له حاليا على الاصعدة الداخلية والاقليمية والدولية، لم يٶثر عليه سلبا، ذلك إن الامر قد تعدى وتجاوز ذلك بکثير ولاسيما بعد أن تناقلت…