الصراع على شرق الفرات: بين ذريعة الأمن القومي التركي وأطماع السيطرة على الموارد

أزاد خليل*
 
تعد قضية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وعلاقتها مع تركيا واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في النزاع السوري. حيث تتداخل في هذا الصراع أبعاد سياسية، اقتصادية، وجيوسياسية، ما يجعل فهمه أمرًا بالغ الأهمية. من خلال تحليل الوضع الراهن، تتكشف عدة محاور رئيسية تساهم في فهم هذا الصراع المعقد:
  1. الاتهامات التركية لقسد وعلاقتها بحزب العمال الكردستاني (PKK)
تعتبر تركيا أن قوات سوريا الديمقراطية هي امتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه منظمة إرهابية نظرًا لتاريخه الطويل في النزاع المسلح مع أنقرة. على الرغم من نفي قسد أي علاقة تنظيمية مع حزب العمال الكردستاني، مؤكدة أنها كيان سوري محلي، إلا أن تركيا تواصل استخدام هذه الاتهامات كذريعة لتبرير تدخلاتها العسكرية في شمال سوريا.
إحدى الحلول الممكنة لتقويض هذه الاتهامات قد تكون عبر تقديم قسد تسلسلها القيادي وشفافية تنظيمها لجهة دولية محايدة. لكن المشكلة تتعدى هذه النقطة؛ فوجود قوة كردية مسلحة ومستقلة بالقرب من الحدود التركية يعد مصدر قلق رئيسي لأنقرة، وهو ما يضيف تعقيدًا إضافيًا على المشهد السياسي في المنطقة.
  1. الدور الأمريكي والدولي
لقد دعمت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية في إطار الحرب ضد تنظيم داعش، غير أنها كانت حذرة في التعامل مع النزاع التركي-الكردي. في هذا السياق، قد يبدو إنشاء قوات فصل دولية أو تقديم ضمانات أمريكية لحماية الحدود التركية حلاً مناسبًا على الورق، لكن هذا الحل يصطدم بتعقيدات الواقع السياسي والعسكري في المنطقة.
تركيا، التي تعتبر ثاني أكبر قوة في حلف الناتو، تمتلك نفوذًا كبيرًا يمكنها من التأثير في قرارات الحلفاء الغربيين. في الوقت ذاته، يمكن للضغط الدولي المستمر أن يساهم في الحد من الطموحات التركية في شرق الفرات ويخلق نوعًا من التوازن في المنطقة، وهو ما يتطلب تنسيقًا دبلوماسيًا مستمرًا من القوى الكبرى.
  1. المصالح الاقتصادية التركية
الموارد الطبيعية، وخاصة النفط والغاز في شرق الفرات، تعد أحد المحركات الأساسية للصراع. تحت شعار “حماية الأمن القومي”، تسعى تركيا إلى تأمين نفوذها في هذه المنطقة الغنية بالموارد، مما يجعل السيطرة عليها هدفًا اقتصاديًا واستراتيجيًا في ذات الوقت. هذا النزاع يعكس بوضوح الصراع على المصالح الاقتصادية التي تتداخل مع الأبعاد الأمنية والسياسية، ما يجعل من الصعب الوصول إلى حل نهائي دون النظر إلى هذه العوامل.
  1. الانقسامات الداخلية
الانقسامات بين القوى السورية، سواء الكردية أو العربية، تسهم بشكل كبير في إضعاف قدرتها على مواجهة التدخلات الخارجية. الدعم المحلي لبعض الأطراف للتدخل التركي يعكس تعقيد المشهد السوري، حيث تظهر المصالح الفردية أحيانًا على حساب المصالح الوطنية. هذه الانقسامات توفر فرصة لأنقرة لاستغلال الوضع لتحقيق أهدافها، مما يزيد من تعقيد الصراع.
  1. خطاب المظلومية التركي
تركيا تعتمد خطاب “الدفاع عن النفس” في تبرير تدخلاتها في شمال سوريا، مدعيةً أن قسد تشكل تهديدًا مباشرًا لها. ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية لم تنفذ أي هجمات داخل الأراضي التركية منذ تأسيسها، فإن هذا الخطاب يستمر في استقطاب الدعم الدولي لبعض سياسات تركيا في المنطقة. هذا التناقض يستدعي ضرورة وجود خطاب دولي واضح للتصدي لهذه المزاعم وكشف الأطماع التركية في المنطقة بدلاً من تبرير تدخلاتها العسكرية.

الخلاصة:
الصراع في شمال سوريا وشرق الفرات لا يمكن اختزاله في نزاع بين قسد وتركيا فقط؛ بل هو جزء من معركة إقليمية أوسع تتعلق بالسيطرة على الموارد والنفوذ. من هنا، فإن الحلول الممكنة تكمن في:
  1. تعزيز الشفافية الدولية لقسد لتوضيح طبيعتها ككيان سوري محلي.
  2. تكثيف الجهود الدبلوماسية والضغط الدولي لردع تركيا عن المزيد من التوسع العسكري في سوريا.
  3. العمل على تحقيق وحدة داخلية بين الأطراف المحلية السورية لمواجهة التدخلات الخارجية بشكل موحد.
يبقى الهدف الأساسي هو منع تحويل شعارات “الأمن القومي” إلى ذريعة لتحقيق أطماع توسعية، وضمان استقرار المنطقة بما يخدم مصالح شعوبها بعيدًا عن المصالح الإقليمية والدولية.
*كاتب وباحث سياسي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين لا يجوز الخلط بين اجندات الأحزاب والقضية الكردية كلما تاخرنا نحن الكرد السورييون في انجاز الخطوات صوب تحقيق الاجماع ، وتوفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري المنشود للخروج بمشروعنا السياسي بجانبيه القومي والوطني ، وانتخاب فريق كفوء يتصدى للتحديات الراهنة باسم الغالبية الساحقة واولها اعلان مطالب الكرد السوريين للإدارة الجديدة بدمشق ، ولسائر الأطراف الوطنية والخارجية ، لإزالة…

شكري شيخ نبي في حقبة الإمبراطورية العثمانية، التي استمرت لأربعة قرون في حكم الشرق الأوسط وأقاليم أخرى من العالم، والتي كانت قائمة على مبدأ الخلافة الإسلامية، كانت الإمبراطورية تسيطر على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والبحر المتوسط ومضيق جبل طارق، بالإضافة إلى جزء من البحر الأسود، ومضيقي الدردنيل والبوسفور. فقد كانت الإمبراطورية العثمانية تتحكم في الطرق والممرات البحرية للتجارة العالمية،…

إبراهيم اليوسف التأسيس والبدايات تأسس “حزب البعث العربي الاشتراكي” في أربعينيات القرن الماضي بدعوى الانطلاق من فكرة قومية تستهدف توحيد “الأمة العربية” في كيان سياسي واجتماعي واحد،وإذا كان لم شعار أبناء أي شعب حقاً طبيعياً، إلا أن هذا الشعار جد فضفاض، لأن الدول التي تسمى ب” العالم العربي” تأسست في أكثرها- مشرقاً ومغرباً- على حساب خرائط شعوب أخرى كانت متعايشة…

تمرُ علينا اليوم، الذكرى السنوية الحادية عشرة لاختطاف الناشط المدني، أمير حامد من قبل آسايش حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ولا يزال مصيره مجهولاً منذ لحظة اختطافه إلى تاريخ كتابة هذا البيان. وفي الوقت الذي يحتاج فيه الشعب الكوردي في سوريا إلى الوحدة، لمواجهة التحديات المصيرية بما يخدم قضيته في سوريا المستقبل، إضافة إلى أمير حامد، لا يزال مصير العديد من…