الشمس تشرق من وراء الجبل عفرين تسقط الرهان و الأقنعة.. إلى الكاتب جميل عجو

إبراهيم اليوسف

 

سبع سنوات من الظلام  تحت الاحتلال التركي ومرتزقته!

 

لم تكن عفرين ضحية حربٍ عادية، بل كانت ساحةً لأحد أبشع سيناريوهات الاحتلال الممنهج في القرن الحادي والعشرين. إذ أنه منذ اجتياحها واحتلالها عام 2018، دخلتها القوات التركية ومعها جحافل الفصائل المسلحة، الذين لم يكونوا سوى أدواتٍ رخيصة لتنفيذ أجندة أنقرة. تحت قناع “عملية غصن الزيتون”،  وقد مُورِس كل ما يندرج تحت تعريف الاحتلال: القتل الجماعي، التهجير القسري، الاستيطان، السلب والنهب، حتى تحولت المدينة إلى جغرافيا مشوّهة، لا تشبه ذاتها ولا أهلها وهويتها.

 

كانت المقاومة عظيمة من قبل البطلات والأبطال الكرد بغض النظر عن بازارات قياداتهم، سالت دماء آلاف الشابات والشباب الكردي الذين دافعوا عن عفرين ببطولة، لكن المشهد لم يُحسَم بالسلاح وحده، بل عُقدت الصفقات في الغرف المغلقة. روسيا، التي كانت “الضامن” العسكري، انسحبت في اللحظة الحاسمة، مانحة تركيا الضوء الأخضر، لتمرر مخططها في إطار الجينوسايد بحق الكرد. أمريكا، التي ترفع شعار الديمقراطية، أغمضت عينيها عن الجريمة. في المقابل، لعب النظام السوري دوره المعتا، يصرخ في العلن، لكنه يبيع المواقف سرًا. أما أردوغان، فقد ارتدى قناع المهرج، محاولًا إقناع العالم بأن احتلاله هو “تحرير”!

 

التغيير الديمغرافي والاستيطان: جريمة مكتملة الأركان

 

لم يكن الاحتلال العسكري وحده هو الهدف، بل رافقه مشروع تغييرٍ ديمغرافي واسع، أُنفِقَت عليه أموال مؤسسات في قطر والكويت وحتى من قبل فلسطينين، في مشهد عبثي يُظهر أن بعض من يدّعون نصرة القضايا العادلة، شاركوا في مسح هوية شعبٍ بأكمله.

 

ثمان عشر  مستوطنة حديثة بناها هؤلاء، بمرافق منظمة وخدمات متكاملة، وارتفعت أصواتنا احتجاجا، ضد التغيير الديمغرافي،

 فيما كان أصحاب الأرض الحقيقيون يُطردون منها قسرًا. تكرّرت سياسة الأرض المحروقة، حُرقت أشجار الزيتون التي كانت رمزًا لعفرين، جُرِّفَت البساتين، سُرِقت المحاصيل، وبيعت في الأسواق التركية. أما من رفضوا المغادرة، فقد وُضِعوا أمام خيارين: إما الرضوخ لحكم الفصائل، أو مواجهة الاتهامات الجاهزة بـ”الانتماء لحزب العمال الكردستاني”، وهو ما يعني مصيرًا مظلمًا بين السجون أو الاختفاء القسري.

 

الخطف أصبح تجارة، والإتاوات صارت قانونًا، ضمن محاولات كسر الإرادة . الفوضى كانت هي النظام، والجريمة المنظمة كانت هي الحاكم الفعلي. ولم يكن الأمر مجرد انتهاكات متفرقة، بل كان مشروعًا استيطانيًا مكتمل الأركان، يهدف إلى طمس هوية عفرين وتحويلها إلى مستعمرة تركية جديدة. إحدى محافظاتها، في ظل رفع راية تركيا، وصور أردوغان.

 

تحرير عفرين بداية مرحلة ما بعد الاحتلال

 

لكن الظلام لم يكن أبديًا. اليوم، بعد سبع سنواتٍ من الاحتلال، تشهد عفرين لحظةً استثنائية وهي تلفظ آخر فلول المرتزقة والمستوطنين. لم يكن خروجهم طوعيًا، فقد عاثوا ظلما وفسادا وجورا، بل كان نتيجة حتمية لسقوط مشروعهم، بعد أن انهارت أوهامهم وتأكدوا أن الأرض ترفضهم كما رفضهم أهلها، فلم يقول من آواه البيت العفريني:

شكرا، بل راح يسرق نوافذ البيت وأبوابه وحتى أسلاك كهربائه، بعد أن أكل مؤونته الشتوية في عام ٢٠١٨، سارقا الزرع والضرع، في إطار إبادة ذوي البيت ذاته.

وفي مشهدٍ يُلخّص حجم المأساة، عاد أحد أبناء عفرين إلى قريته قبل سنتين أو ثلاث سنوات، ليجد أن بيته كان محتلاً طوال تلك السنوات، فيما راح يعيش في خيمة على مقربة منه، ومحتل بيته يجني ثمار حقله وعرقه وتعبه. فقد كان يرى الغرباء يتمتعون بأرضه، ويتقاسمون خيراتها، فيما كان هو غريبًا في وطنه. لكن اليوم، يعود الحقّ إلى أصحابه، والمنازل إلى أهلها، والأرض إلى من زرعها وصانها.

 

ما حدث في عفرين ليس مجرد انتصار محلي، بل هو نقطة تحول لما بعد سقوط النظام البائد، ولما بعد كل أشكال الاحتلالات المفروضة على كردستان. هي رسالةٌ لكل من حاول طمس هوية هذه الأرض: التاريخ قد يُكتب بأيدي الغزاة لفترة زمنية تطول أو تقصر، لكنه في النهاية لن يحفظ سوى أسماء الذين صمدوا، ورفضوا أن يكونوا أرقامًا في قائمة الضحايا.

اليوم، عفرين تحتفل، ليس فقط بطرد المرتزقة، بل بعودة الحياة، بعودة الروح.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان كلش   سيكون مكرراً، إن قلنا أن الكرد في حاجة ماسة إلى وحدة الكلمة، وحدة الموقف، وحدة الخطاب، وحدة الحوار مع دمشق. في هذا الفضاء المقلق بالنسبة للشعب الكردي، تمر الأحداث سريعة، و الساسة الكرد في وضع قاصر، لا يستطيعون مواكبة التطورات المتلاحقة، لذلك يشعر الإنسان الكردي بأن الحل خارجي صرف، لأنه لا يبصر حملة راية النضال الكردي ينتهزون…

ريزان شيخموس مع صدور “الإعلان الدستوري” في سوريا بتاريخ 13 آذار/مارس 2025، رُوّج له على أنه نقطة انطلاق نحو دولة جديدة، ودستور مؤقت يقود مرحلة انتقالية تُخرج البلاد من أزمتها العميقة. لكنه بالنسبة لي، كمواطن كردي عايش التهميش لعقود، لا يمكن قبوله بهذه البساطة. الإعلان يعيد إنتاج منطق الإقصاء والاحتكار السياسي، ويطرح رؤية أحادية لسوريا المستقبل، تفتقر للاعتراف…

حواس محمود   إقليم كوردستان كتجربة فيدرالية حديثة العهد في العراق وفي المنطقة، ومع النمو المتزايد في مستويات البنى التحتية من عمران وشركات ومؤسسات إقتصادية وثقافية وإجتماعية، هذا الأقليم الآن بحاجة الى الإنفتاح على العوالم المحيطة به، والعوالم الأخرى على مستوى كوكبي عالمي كبير. فبعد المخاضات الصعبة والعسيرة التي خاضها الشعب الكوردي في كوردستان العراق من أنفال وكيمياوات وحلبجة ومقابر…

د. محمود عباس   من ينكر الكورد لا يستحق الوطن، سوريا لا تُبنى على جثة كوردستان، نحن الوطن ولسنا ضيوفًا عليه. كيف يمكن أن نبني وطنٍ مشترك مع من لا يعترفون أصلًا بوجودنا، لا كشعب، ولا كمكوّن أصيل في الجغرافيا التي يُطلق عليها اسم “سوريا الوطن”؟ كيف نكتب دستورًا مع من يُنكرون علينا التاريخ والجغرافيا، ويرفضون حتى معرفة الحقيقة التي…