الشرق الأوسط من سايكس بيكو (اليقظة العربية) إلى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد (الربيع العربي)

شكري شيخ نبي
في حقبة الإمبراطورية العثمانية، التي استمرت لأربعة قرون في حكم الشرق الأوسط وأقاليم أخرى من العالم، والتي كانت قائمة على مبدأ الخلافة الإسلامية، كانت الإمبراطورية تسيطر على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والبحر المتوسط ومضيق جبل طارق، بالإضافة إلى جزء من البحر الأسود، ومضيقي الدردنيل والبوسفور. فقد كانت الإمبراطورية العثمانية تتحكم في الطرق والممرات البحرية للتجارة العالمية، أي أنها كانت الوسيط التجاري بين شرق آسيا، والشرق الأوسط، وأوروبا، وتفرض الأتاوات والضرائب على كل البضائع والسفن التجارية.
في تلك الفترة، كانت أوروبا تعيش حالة من الانغلاق على نفسها بسبب السيطرة العثمانية على طرق التجارة العالمية. ولكن، بعد اكتشاف الإنجليز لرأس الرجاء الصالح عام 1498م، جنوب القارة الأفريقية، واكتشاف البرتغاليين للقارة الأمريكية عام 1492م، أو ما يسمى بالعالم الجديد، تخلصت أوروبا من تحكم الإمبراطورية العثمانية في الطرق التجارية البحرية والبرية، مثل طريق الحرير الممتد من شرق آسيا إلى أوروبا.
وبعد الهجرات الأوروبية إلى القارة الأمريكية بشمالها وجنوبها، تحررت أوروبا نسبيًا من هيمنة العثمانيين على التجارة العالمية. وقد أدت هذه الاكتشافات إلى انتعاش التجارة الأوروبية عبر رأس الرجاء الصالح إلى الهند، كما أدى تدفق الذهب بكميات ضخمة من العالم الجديد إلى أوروبا إلى تنشيط التجارة الداخلية والخارجية.
على مدى العقود اللاحقة، أصبحت أوروبا حرة من قيود الإمبراطورية العثمانية في مجال التجارة، إلى جانب الثورة الصناعية في إنجلترا بداية القرن السابع عشر، التي تمثلت باختراع المحرك البخاري، مما أعطى دفعة هائلة للاقتصاد الأوروبي.
ظهور الدولة القومية في أوروبا
مع ظهور الدولة القومية في أوروبا في بداية القرن السابع عشر، إثر صعود الطبقة البرجوازية التي اعتمدت على الإنجازات الاقتصادية والسياسية والفكرية كبديل عن النظام الإقطاعي الذي كان سائدًا في أوروبا لقرون طويلة، كانت الإمبراطورية العثمانية تعيش مرحلة التآكل من الداخل نتيجة فقدانها مصادر قوتها المتمثلة في التحكم بطرق التجارة العالمية وحصار أوروبا اقتصاديًا.
في المقابل، كانت أوروبا تنمو بدولها القومية الوليدة، وتستعمر أراضي جديدة في الأمريكيتين، وجنوب أفريقيا، وشرق آسيا، وأستراليا. أما الإمبراطورية العثمانية فكانت تتآكل من الخارج بسبب تحريض الإنجليز والفرنسيين للعرب ضدها، فيما عرف باليقظة العربية، وهو المصطلح الذي أطلقته الدول الاستعمارية على مشروعها لاستغلال مفاهيم الحرية والاستقلال في تحريض الشعوب العربية ضد العثمانيين.
الثورة العربية الكبرى وتقسيم الشرق الأوسط
بدأت الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا، في دعم الشريف حسين على كافة الأصعدة لقيادة الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين. وقد تمكن الشريف حسين من طرد العثمانيين من الحجاز، كما تمكن ابنه الأمير فيصل من دخول دمشق كفاتح وطرد العثمانيين من بلاد الشام.
بعد طرد العثمانيين، دخلت الدول الأوروبية الشرق الأوسط وتقاسمت المنطقة فيما بينها من خلال اتفاقية سايكس بيكو السرية، التي كشف عنها الجيش الأحمر بقيادة تروتسكي بعد العثور على الوثيقة في مبنى الرايخ، لتصبح علنية فيما بعد.
حتى الإمبراطورية الروسية كانت طرفًا في هذه الاتفاقية السرية، حيث نصت على دعم الروس للأكراد في السلطنة العثمانية للحصول على حقوقهم، وهو ما ورد في معاهدة سيفر. ولكن بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا، قرر البلاشفة سحب القوات الروسية من أذربيجان ووقف دعمهم للأكراد، مما حال دون تحقيق أي مكاسب للأكراد.
صراع القوى الاستعمارية والنفط
في تلك الفترة، بدأت اكتشافات النفط في أذربيجان، وإيران، والعراق، والسعودية، والجزائر، وليبيا، مما أدى إلى تصاعد التنافس بين القوى الاستعمارية للسيطرة على الموارد النفطية والأسواق.
هذا التنافس أدى إلى تقسيم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى دول تحت مسمى الانتداب، الذي تم تقنينه عبر هيئة عصبة الأمم تحت ذريعة أن هذه الشعوب غير قادرة على إدارة شؤونها بنفسها.
الربيع العربي ومشروع الشرق الأوسط الجديد
بالمقارنة بما يجري في الشرق الأوسط اليوم، وما عرف بـ”الربيع العربي”، نجد أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما هو من أطلق هذا المصطلح على التظاهرات والتحركات الشعبية التي حدثت في عدد من الدول العربية.
وليس من المصادفة أن تتلقف وسائل الإعلام هذا المصطلح، تمامًا كما حدث مع مصطلحي “اليقظة العربية” و**”الثورة العربية الكبرى”**، حيث كانت هذه المصطلحات جزءًا من مشاريع واتفاقيات سرية، أبرزها اتفاقية سايكس بيكو.
أما مشروع الشرق الأوسط الجديد، فقد تبنته الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الثمانينات من القرن الماضي، ويُنسب إلى المؤرخ البريطاني اليهودي برنارد لويس، الذي قدم رؤية لإعادة هيكلة الشرق الأوسط بما يتماشى مع مفاهيم العولمة الاقتصادية وحقوق الإنسان.
خلاصة
لا شك أن أي تغييرات في الجغرافيا السياسية لأي منطقة في العالم تقف وراءها مشاريع ومخططات مسبقة. فقد عملت بريطانيا وفرنسا على تثبيت حكم رجال الدين في إيران لمنع انتشار الشيوعية، كما دعمت العائلة المالكة في السعودية لتوطيد حكمها بالاعتماد على الوهابية.
في أفغانستان، دعمت الدول الغربية الإسلام السياسي لمواجهة النفوذ السوفييتي.
وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، كان لابد من التدخل في الشرق الأوسط لاحتواء الإسلام السياسي الذي بات يشكل تهديدًا لمصالح الدول الغربية. فجاء ما عرف بـ”الربيع العربي”، وأُديرت هذه الفوضى بهدف خلق نظام جديد يقوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة في السلطة.
ملحق: الأكراد ودورهم في مشروع الشرق الأوسط الجديد
أما فيما يتعلق بالأكراد، فإن القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تسعى لتبنيهم كشركاء استراتيجيين في مشروع الشرق الأوسط الجديد، نظرًا لكونهم مكونًا أصيلًا في المنطقة.
سيكون الأكراد بمثابة حصان طروادة لتمرير هذا المشروع وتحقيق التوازن بين القوى المختلفة، بهدف إقامة شرق أوسط جديد يتماشى مع روح العصر من حيث الحريات السياسية والدينية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين لا يجوز الخلط بين اجندات الأحزاب والقضية الكردية كلما تاخرنا نحن الكرد السورييون في انجاز الخطوات صوب تحقيق الاجماع ، وتوفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري المنشود للخروج بمشروعنا السياسي بجانبيه القومي والوطني ، وانتخاب فريق كفوء يتصدى للتحديات الراهنة باسم الغالبية الساحقة واولها اعلان مطالب الكرد السوريين للإدارة الجديدة بدمشق ، ولسائر الأطراف الوطنية والخارجية ، لإزالة…

إبراهيم اليوسف التأسيس والبدايات تأسس “حزب البعث العربي الاشتراكي” في أربعينيات القرن الماضي بدعوى الانطلاق من فكرة قومية تستهدف توحيد “الأمة العربية” في كيان سياسي واجتماعي واحد،وإذا كان لم شعار أبناء أي شعب حقاً طبيعياً، إلا أن هذا الشعار جد فضفاض، لأن الدول التي تسمى ب” العالم العربي” تأسست في أكثرها- مشرقاً ومغرباً- على حساب خرائط شعوب أخرى كانت متعايشة…

تمرُ علينا اليوم، الذكرى السنوية الحادية عشرة لاختطاف الناشط المدني، أمير حامد من قبل آسايش حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ولا يزال مصيره مجهولاً منذ لحظة اختطافه إلى تاريخ كتابة هذا البيان. وفي الوقت الذي يحتاج فيه الشعب الكوردي في سوريا إلى الوحدة، لمواجهة التحديات المصيرية بما يخدم قضيته في سوريا المستقبل، إضافة إلى أمير حامد، لا يزال مصير العديد من…

أزاد خليل* تعد قضية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وعلاقتها مع تركيا واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في النزاع السوري. حيث تتداخل في هذا الصراع أبعاد سياسية، اقتصادية، وجيوسياسية، ما يجعل فهمه أمرًا بالغ الأهمية. من خلال تحليل الوضع الراهن، تتكشف عدة محاور رئيسية تساهم في فهم هذا الصراع المعقد: الاتهامات التركية لقسد وعلاقتها بحزب العمال الكردستاني (PKK)