إبراهيم محمود
عينان لي على الجاري حديثاً في سوريا بعد ليل ” 7-12- 2024 ” عين لا تخفي إشراقة الفرح فيها، وقد سقط نظام دكتاتوري حيث عمَّر طويلاً ” أكثر من نصف قرن ” دكتاتورية ” الأسد “، وأكثر من ذلك، وهو ممثّل بإيديولوجيا قوموية: عروبية، وعقائدية طاغية: بعثية خارج حدودها الجغرافية الفعلية، ودلالة ذلك ” التذكير بشبه الجزيرة العربية “، في إثر دكتاتورية الطاغية صدام ” 2003 “،وعين لا تخفي وميض خوفها مما يمكن أن يحصل تالياً، والتجارب المريرة في محيطنا الجغرافي كثيرة” لا أستطيع تذكّر تجربة ليست مريرة !” ورؤية هؤلاء المندرجين في نطاق الفصائل المسلحة وبشعاراتهم وهتافاتهم الإسلاموية، وفي مكوّن عقائدي فيها، دموي بتاريخه ” جبهة النصرة ” وسواها، لا أراها تعِدُ الآتي بما هو مأمول، ولا أكثر من التجارب المعبّرة عن أن الديني هكذا لا يعدو أن يكون طنجرة الضغط البخارية التي تكتم أنفاس المطبوخ، وهي تحيله إلى سائل يتنامى مع الوقت، وأي رفْع للغطاء مباشرة، يكون المنتظر انفجاراً رهيباً ومميتاً.
متردد بين عينين، وعيناي تمتدان في الاتجاهات كافة، عين كردي تحمل ذاكرتها المدمّاة وتاريخها المطارَد والمثقل بالمآسي، وفيها قلق الآتي ومخاوف الغد، وتوق المنتظر ” كيان كردي، وما يحيل إلى الكردي فعلاً “. أتراني متطرفاً في قولي هذا، وتضمني جغرافية أستشعر فيها أنفاس أسلافي” آبائي وأجدادي ” في مساحة جغرافية مترامية الأطراف؟ أتراني هابطاً من كوكب لا أرضي لأفصَل من تاريخي التاريخ وجغرافيتي الجغرافيا، ولألحق بمن يسمّيني بلغة لا تخفي عنفها الدموي والنوعي ؟
وعين كردي تنشد سلاماً وأماناً وعيشاً مشتركاً مع آخرين أخوة الوطن الواحد، ليس على طريقة دينية، لأن ثمة فصلاً قيمياً وماورائياً هنا، وإنما على طريقة التعامل وفق قانون مدني، دستور يحتفظ للجميع بالمساواة قيمياً في سوريا.
متردد بين عينين، وعيناي تغوصان في التاريخ وفي الجغرافيا. عين ترنو منطوية على وجع دفين، هو جرحها النوعي والأهلي، والحنين إلى ما يشبه الحلم، متى يكون الكرد كردياً، فيكون سلام الكردي للكردي خارج عْرف العشيرة ومذهبياتها، والتحزب وفولكلورياته، حيث يشعر الكردي بنسبه القومي والإنساني بامتياز. وعين صريحة ملحوظة بقرحتها التاريخية والاجتماعية والسياسية وما دونها، جرّاء المتخوف منه، والأمل الواهي، كما تقول تجارب الكرد المريرة، كما يُرى حاضرهم، وفي ضوئه آتيهم. وسقف ما كان وما هو كائن، منخفض جداً يحُول دون استقامة جسمه والنظر إلى السماء الممتدة إلى ما وراء الأفق، بقدر ما يحول دون رؤية الطريق الضامن له لأن يرى نفسه مطمئنة إلى ذاتها، وإلى روحه بوصفها روح إنسان، وعقل إنسان أهلٌ لأن يكون كسواه لغة وثقافة، حياة وموتاً باسمه.
تُرى هل يمكن لعينيّ أن تكفّا عن النظر في زاويتين متغايرتين، أن تنظرا معاً، وتشعّا بهجة معاً، وما يدفع بأعدائه” أي الكردي ” إلى طرح السؤال المتوارث: أيعقل أن الكردي لم يعد كما كان؟