التحدي الأكبر الذي يواجه السوريين هو في بناء مجتمع يضمن حقوق الجميع دون استثناء

أكرم حسين

 

في ظل الأزمات الوطنية المعقدة، يبرز دور الخطاب السياسي كأداة حيوية لتوجيه مسارات التغيير، لكن هذا الدور لا يتحقق إلا من خلال تبني لغة مسؤولة تتسم بالموضوعية والفهم العميق للتعقيدات المجتمعية ، فكثيراً ما نشهد في بعض الأوقات خطاباً مليئاً بالاتهامات والمواقف الإقصائية، وهو ما يؤدي إلى تعميق الانقسامات بين مختلف الأطياف في المجتمع. ففي بلد مثل سوريا، الذي يعاني من تداخل مكونات قومية وطائفية متعددة، تصبح الحاجة إلى الحوار والتفاهم بين هذه المكونات أكثر إلحاحاً ، ولذلك، فإن الخطاب الذي يستند إلى العاطفة المفرطة أو الأحكام المسبقة يقوض جهود السلام والمصالحة الوطنية ، ويزيد من تعقيد الأزمة.

ان أي تقييم للمواقف السياسية يجب أن يكون مستنداً إلى تحليل واقعي وليس إلى انطباعات شخصية أو تاريخية مجتزأة. ففي العديد من الأحيان، يتم استخدام مقارنات تاريخية غير دقيقة لتفسير الوضع الحالي، كما ان من يحاول مقارنة الوضع السوري مع تجارب تاريخية أخرى يفتقد إلى الوعي بالظروف المختلفة بين الحالتين وهو تبسيط مفرط للمشاكل المعقدة.

واستنادا إلى ما سبق . فإن الواقع السوري لا يحتمل السطحية في الطرح، لأن كل طرف من أطراف الصراع يتأثر بمجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية التي تشكل قراراته.

النقد البناء هو ذلك الذي يعتمد الفهم العميق والموضوعي للمواقف المختلفة بدلاً من الانجراف وراء الاتهامات والتعميمات. بحيث يكون هذا النقد جزءاً من عملية إصلاح حقيقية تسعى لتحقيق العدالة والمساواة بين جميع مكونات الشعب السوري. ورغم وجود تباين في الرؤى السياسية، إلا أن المصلحة الوطنية تتطلب من الجميع الانفتاح على الآخر ، والتعامل مع قضاياه ومطالبه بجدية واحترام. وعوضاً عن إغلاق الأبواب أمام أي محاولة للحوار أو النقاش، لا بد من العمل على توفير المساحات التي تسمح بتبادل الأفكار والرؤى المختلفة من أجل التوصل إلى حلول مشتركة.

من غير الممكن أن يتحقق السلام أو الديمقراطية في سوريا إذا ظل كل طرف يعادي الآخر ويسعى لتهميشه. هذا النوع من الخطاب يقوض من إمكانية بناء وطن موحد يتعايش فيه الجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو القومية.

من هنا، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه السوريين هو في بناء مجتمع يضمن حقوق الجميع دون استثناء، ويعترف بتنوعه ، ويعمل على تحقيق شراكة حقيقية بين جميع مكوناته. ما يتطلب تجاوز لغة الإقصاء والتخوين، والتركيز على إيجاد أرضية مشتركة لبناء الثقة والتأسيس لسلامٍ دائمٍ….!

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…