الاتهام بـ”الدعدشة”: قراءة متأنية في واقع الحكومة السورية الجديدة وتحولات المشهد

أحمد خليف
 
في سورية الجديدة، حيث يقف الوطن على أعتاب مرحلة تاريخية مفصلية، تطفو على السطح اتهامات خطيرة تُطلق جزافاً ضد الحكومة السورية الجديدة، أبرزها اتهامها بما يُعرف بـ”الدعدشة”، أي محاولة ربطها بنهج ديني متطرف يشبه الأساليب التي تبنتها الجماعات المتشددة، وبينما تتصاعد هذه الأصوات، تبرز تحولات لافتة في شخصيات وأطراف لعبت أدواراً بارزة في المشهد السوري، ومن بينهم أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام.
التحول في نهج هيئة تحرير الشام: رؤية جديدة أم تغيير تكتيكي؟
منذ بداية الثورة السورية، برزت الجماعات المسلحة كأطراف رئيسية على الساحة، بعضها حمل راية الثورة الحقيقية، وبعضها الآخر تبنى أيديولوجيات متشددة أثارت الانقسام والخوف، هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، كانت واحدة من أكثر الجماعات إثارة للجدل بسبب انتمائها في البداية إلى تنظيم القاعدة، الذي يحذو نهجاً متشدداً و اتسم بالصرامة الفكرية والعمليات العسكرية التي اتخذت طابعاً عقائدياً.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأ الجولاني بإعادة صياغة نهج الهيئة، محاولاً تقديمها كطرف أكثر براغماتية، وكمكون محلي يسعى للمشاركة في إدارة المناطق المحررة بدلاً من تصدير الأيديولوجيا المتطرفة، هذا التحول لم يكن مجرد قرار عابر، بل جاء نتيجة عوامل عدة، أهمها وعي هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقاً و قياداتها بخطر داعش و القاعدة و خطر النهج المتشدد الذي تحاول نشره في المنطقة، و ربما بسبب الضغوط الدولية والإقليمية، وتغير المزاج الشعبي في المناطق التي تسيطر عليها الهيئة، حيث بات الناس يبحثون عن الاستقرار والخدمات بدلاً من الشعارات الدينية التي تستغل الدين لمآرب و منافع شخصية.
الجولاني والحكومة السورية الجديدة: نقاط الالتقاء والافتراق
ما يثير الاهتمام هو موقف أحمد الشرع وطريقته في إعادة تقديم نفسه وقيادته للهيئة في سياق حكومة سورية جديدة تسعى لتحقيق الاستقرار وبناء دولة مدنية حديثة، الجولاني أدرك أن الاستمرار في النهج المتشدد سيؤدي إلى عزله محلياً ودولياً، لذلك بدأ بتغيير سياساته وخطابه، و لا أرى من الغلط أن يقوم الشخص سياساته و يحسنها، فكلنا قد نخطئ و من الجيد أن نصحح مسارنا و نعود إلى رشدنا و فطرتنا السليمة.
أولاً، عمل على فصل الهيئة عن تنظيم القاعدة، مؤكداً أن الهيئة تسعى لحماية الشعب السوري، وليس لفرض أيديولوجيا خارجية عليه.
ثانياً، بدأ في التركيز على الإدارة المدنية للمناطق التي يسيطر عليها، حيث أنشأ مؤسسات خدمية، وحاول تحسين صورة الهيئة من خلال تقديم خدمات تعليمية وصحية، وإن كانت هذه الجهود لا تخلو من الانتقادات بسبب تداخل الأيديولوجيا مع العمل المدني.
رغم هذه التغيرات، يبقى التساؤل قائماً:
هل هذا التحول حقيقي أم مجرد تكتيك لضمان البقاء في المشهد السوري؟
الكثيرون يشككون في نوايا الجولاني، ويرون أن التغيير في خطاب الهيئة لا يعني بالضرورة تغييراً حقيقياً في أيديولوجيتها الأساسية.
لهذا إذا أردنا الحديث بصراحة وبدون تسرّع، فإن ربط الجولاني بتنظيم داعش ليس دقيقًا ويمثل نوعًا من المبالغة، الفارق واضح بين منهج هيئة تحرير الشام ومنهج داعش، خصوصًا في طريقة التعامل مع الناس وفهم الأولويات.
الهيئة تحاول أن تطرح نموذجًا محليًا أكثر مرونة يتماشى مع طبيعة المجتمع السوري، بخلاف داعش التي فرضت كل شيء بالقوة وخلقت كوارث اجتماعية.
أما فيما يتعلق بالحكم الإسلامي، فإن تطبيقه بشكل صحيح وعادل يمكن أن يكون النموذج الأمثل للحكم، الإسلام قائم على الشورى، العدل، والمساواة، ويضع حقوق الناس فوق أي اعتبار، تاريخنا يوضح هذا الأمر جليًا؛ فقد كانت الخلافة الراشدة مثالًا واضحًا على كيف يمكن للإسلام أن يحقق نهضة ويحافظ على كرامة الإنسان.
الفرق بين الحكم الإسلامي الصحيح والطريقة التي اتبعتها داعش واضح: الإسلام قائم على العدل، بينما اعتمدت داعش على القمع والتكفير لفرض سلطتها، لذا، التسرّع في الحكم على أي طرف دون فهم الصورة الكاملة لا يخدم أحدًا.
يمكنني أن أقول إنه إذا لم يطبق الإسلام فعليًا، فهو يقع في دائرة التشدد مثل داعش، ولكننا متفائلون أن هناك خيرًا للجميع .
ماضي الجولاني و ارتباطه بالزرقاوي
الشكوك حول ماضي الجولاني وتخوّف الناس من ارتباطه بالزرقاوي في فترة القاعدة أمر مفهوم تمامًا، ولا يمكن إنكار أن الماضي قد يُثير الريبة ويجعل البعض يتوجّس، لكن إذا نظرنا إلى الموضوع بموضوعية، فمن المهم أن نُفرّق بين شخص يسعى لتطوير نهجه وبين آخر يظل متمسكًا بماضيه بشكل كامل.
الجولاني أظهر تغييرات واضحة في منهجه السياسي والعسكري، ويبدو أنه يحاول الابتعاد عن التطرف المطلق الذي كانت القاعدة وداعش تمثله، التخوّف الذي يشعر به الناس طبيعي تمامًا، خاصة بعد التجربة المريرة مع داعش، التي ظهرت بمظهر معين ثم انقلبت على الجميع، ومع ذلك، يجب أن نسأل أنفسنا: هل هناك مؤشرات فعلية اليوم تدل على إمكانية العودة إلى هذا النهج؟
الحكومة الجديدة في مواجهة الاتهامات والواقع المعقد
حتى الآن، تبدو الهيئة تعمل بطريقة مختلفة، مركزةً على إدارة المناطق والسيطرة المحلية بدلاً من نشر الفوضى، الأهم في هذا السياق هو الاستمرار في المتابعة والوعي، لأن الثقة لا تُبنى على الأقوال فقط، بل على الأفعال المستمرة، إذا استمرت الهيئة في نهجها الحالي وتمكنت من بناء نظام يحترم حقوق الناس ويحافظ على توازن المجتمع، فإن التخوّف من العودة إلى نهج القاعدة سيقل بشكل كبير.
أما إذا ظهرت تصرفات أو خطوات تشير إلى العودة إلى التطرف أو الفكر التكفيري، فسيكون من حق الناس تمامًا أن يتوقفوا ويُعيدوا النظر في مواقفهم، لا يجب أن ننسى أيضًا أن المواقف تتغير، وأن الإنسان قد يُخطئ لكنه قد يستيقظ ويُصحح مساره. وبالنسبة لما قاله الجولاني في مقابلته، يبدو كلامه منطقيًا وموضوعيًا ويعكس شفافية في الطرح.
كما ذكرت، علينا أن لا نستعجل في إصدار الأحكام، وأن نكون متفائلين بإمكانية تحقيق حكم إسلامي حقيقي يعتمد على العدل والشورى و المساواة بين جميع مكونات البلد الواحد، لا حكم قائم على نهج داعشي متشدد، لكن هذا الموضوع يستحق النقاش بروية وتأنٍ.
نحو بناء سورية جديدة بلا تشدد أو استقطاب
اتهام الحكومة بالدعدشة، لا يخدم سوى من يسعى لإفشال مشروع سورية الجديدة، ما تحتاجه البلاد اليوم هو التكاتف والعمل على بناء دولة تتسع للجميع، مع محاسبة من يستحق المحاسبة، ودمج من أبدى استعداداً حقيقياً للتغيير.
تحولات أحمد الشرع ونهج الهيئة هي جزء من المشهد الذي يجب التعامل معه بوعي وحنكة، التحدي الأكبر هو ضمان أن تكون سورية الجديدة دولة تعتمد على القانون والعدالة، دون السماح لأي جهة بأن تفرض أيديولوجيتها أو مصالحها الضيقة على الشعب.
الحكومة السورية الجديدة، بما أظهرته من نوايا حسنة وإرادة للعمل، لديها الفرصة لتجاوز هذه الاتهامات وبناء مشروع وطني حقيقي يعيد الثقة بين الشعب ومؤسساته، سورية اليوم بحاجة إلى قيادة تحافظ على توازنها، وتفتح المجال للحوار، وتبني المستقبل بعيداً عن التشدد والاستقطاب.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…