الأحزاب الكردية في سوريا: بين الوحدة التفاوضية والانقسامات الإقليمية

إبراهيم كابان
لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل التي تعيق هذا التوحيد؟
الخلافات بين الأطراف الكردية
تنقسم الأحزاب الكردية السورية إلى تيارين رئيسيين:
  1. حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وحلفاؤه: يشكّل هذا التيار العمود الفقري للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وهو متأثر بأيديولوجية حزب العمال الكردستاني (PKK)، ما يجعله على خلاف مع تركيا، ويمنحه في الوقت نفسه دعمًا من بعض القوى الدولية مثل الولايات المتحدة.
  2. المجلس الوطني الكردي (ENKS): يضم عدة أحزاب كردية سورية، ويحظى بدعم من إقليم كردستان العراق وتركيا، ويرى أن PYD يمارس سياسة إقصائية تجاه القوى الأخرى في المنطقة.
الخلافات بين الطرفين لا تقتصر فقط على الرؤية السياسية، بل تشمل طريقة الحكم، والعلاقة مع القوى الإقليمية، والتصور المستقبلي للوضع الكردي في سوريا. فبينما يسعى PYD لتعزيز الإدارة الذاتية كأمر واقع، يرى ENKS أن المفاوضات مع دمشق يجب أن تتم ضمن إطار يضمن حضورها كطرف دون قطع الصلات مع المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
التأثيرات الإقليمية على القرار الكردي
تلعب العوامل الإقليمية دورًا جوهريًا في تعميق الانقسامات بين الأحزاب الكردية السورية، حيث:
تركيا تعارض أي كيان كردي مستقل أو شبه مستقل على حدودها، وتعتبر PYD امتدادًا لـ PKK، مما يجعلها داعمة لENKS ومعارضة للإدارة الذاتية.
إقليم كردستان العراق يحاول لعب دور الوسيط بين الأطراف الكردية، لكنه يرتبط بعلاقات اقتصادية وأمنية مع تركيا، مما يجعله يميل لدعم ENKS.
الولايات المتحدة والدول الأوروبية تدعم بشكل أساسي قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، التي يقودها PYD، لكنها لا تتدخل بشكل فعّال لحل الخلافات الكردية الداخلية.
دمشق والواقع الكردي: احتواء أم تهميش؟
دمشق تدرك أن الكرد يمثلون ورقة تفاوضية مهمة في المشهد السوري، لكنها تسعى لاستغلال الانقسامات بينهم بدلاً من التعامل معهم ككتلة واحدة. يمكن لدمشق اتباع أحد النهجين التاليين:
  1. التفاوض مع طرف واحد وإقصاء الآخر: قد تميل الحكومة السورية إلى عقد صفقات مع ENKS باعتباره أقل تصادمًا مع رؤيتها، أو قد تفضّل التعامل مع PYD إذا قدم تنازلات تتعلق بسيادة الدولة المركزية.
  2. استراتيجية الاحتواء التدريجي: عبر التفاوض مع مختلف الأطراف، وإضعاف الإدارة الذاتية بوسائل سياسية واقتصادية وأمنية، بهدف إعادة سيطرة دمشق الكاملة على مناطق الكرد دون تقديم تنازلات كبيرة.
الاستراتيجية الصحيحة للرد في التعامل مع دمشق
في ظل التحديات والخلافات، فإن النهج الأمثل للأحزاب الكردية في سوريا يتطلب:
  1. توحيد الموقف التفاوضي: يجب على PYD وENKS العمل على إطار مشترك يحدد الحد الأدنى من الحقوق الكردية، بما في ذلك الاعتراف بالهوية الكردية والحقوق الثقافية والإدارية.
  2. الاستفادة من التوازنات الإقليمية والدولية: بدلاً من الوقوع في لعبة المصالح الإقليمية، على الكرد استغلال الدعم الأمريكي – الأوروبي والضغط الدولي لضمان تحقيق مكاسب سياسية في أي تفاوض مع دمشق.
  3. عدم التفريط بالمكتسبات السياسية والعسكرية: يجب عدم تقديم تنازلات كبرى دون ضمانات دستورية تحمي حقوق الكرد مستقبلًا.
  4. الانفتاح على الحوار الوطني السوري: كي لا يتم عزل الكرد عن مستقبل سوريا، عليهم تقديم أنفسهم كشريك وطني يسعى لحل شامل لا يخدم فقط المصالح الكردية بل يعزز الاستقرار في سوريا.
المحصلة
توحيد الأحزاب الكردية في سوريا في إطار تفاوضي واحد لا يزال تحديًا معقدًا، نظرًا للخلافات الداخلية والتأثيرات الإقليمية. لكن في ظل استمرار الصراع السوري، فإن الكرد أمام لحظة حاسمة؛ إما أن يوحدوا صفوفهم لضمان حقوقهم عبر التفاوض، أو أن يستمروا في الانقسامات التي قد تستغلها دمشق لتفكيك مكاسبهم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…