شادي حاجي
إحدى تلك المصطلحات هي المواطنة التى يلوكونها، ويطرحونها بهدف معاقبة من يرفضها لأنه يرفض فكرة الجسد الواحد للشعب الواحد كأن المواطنة وحق المواطنة والإكتفاء بهذا الحق هو حل لكافة القضايا القومية والدينية والطائفية التي تعاني منها الدولة السورية دون أن يدركوا أن هذا الأمر يدمّر كل أمل فى تحقيق ديمقراطية حقيقية ويمنع معنى المشاركة لأن المشاركة تعتبر مقوماً أساسياً من مقومات المواطنة، وهنا سوف لن أتناول موضوع المواطنة من حيث تعريفها ومفهومها من جوانب فلسفية واجتماعية وسياسية وقانونية .
لماذا؟
لأن مفهوم المواطنة مايزال مفهوم خلافي وضبابي وموضع نقاش واسع وخاصة في العالم العربي والشرق أوسطي عموماً، وبين المثقفين القوميين العرب السوريين والكرد والمكونات غير العربية، ومازالت الهوة أوسع من أن تردم بين يوم وليلة.
المواطنة عنوانٌ مهمٌّ وخاصة في خضم الجدل الشائك بين السوريين بجميع مكوناتهم، وبين مسؤولي سلطة الأمر الواقع الحاليين في دمشق وبعض المثقفين العرب فالمسألة ليست بسيطة ولا تحل برأي أو تصريح هنا أو مقال هناك .
لذلك سأدخل مباشرة في الموضوع من وجهة نظري كإنسان كردي أنتمي إلى شعب كردي مضطهد ومحروم من أبسط الحقوق الانسانية والقومية في سوريا، وتعرض إلى أبشع أنواع الظلم والإنكار والصهر القومي والتهجير من مناطقه الكردية ومازال.
المواطنة التي أريدها لا ينبغي أن تختزل في مجرد الحصول على بطاقة تعريف (الهوية الشخصية) أو جواز سفر أو انتسابي الجغرافي للوطن (الدولة) بغياب هويتي وانتسابي القومي والثقافي، فالهوية بالنسبة لي كإنسان كردي متلازمة مع المواطنة:
لأن المواطنين لابد لهم من نظام سياسي ديمقراطي وعلاقات ثقافية واقتصادية واجتماعية وقوانين تضبط هذه العلاقات، التي تبنى على معتقدات وقيم ومعايير ديمقراطية حقيقية أي على هوية معينة ليس الوطن الذي ينسب إليه المواطنون هو الذي يحدّد لهم نوع الهوية التي إليها ينتسبون، فالروس كانوا مواطنين روساً حين كانوا ينتمون الى الاتحاد السوفييتي وهم الآ ن مواطنون روس بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وكذلك البوسنيين والصربيين كانوا مواطنين بوسنيين وصربيين حين كانوا ينتمون الى يوغسلافيا وكذلك التشيك والسلوفاك فإذا اختلفت الهويات اختلفت الرؤى في النظرة الى الوطن.
المواطنون مهما كان إخلاصهم لوطنهم وحرصهم على مصلحته لا يمكن أن ينظروا الى تلك المصلحة باعتبارهم مواطنين فقط بل لابد أن ينظروا إليها بحسب هوياتهم القومية والثقافية واللغوية والتاريخية بالإضافة الى الفلوكلور والعادات والتقاليد والأرض التي يعيشون عليها.
يتوهّم من يقول أنه بإمكان المواطنين في بلد ما أن يحلوا مشكلاتهم بمجرد انتمائهم الوطني فيقولون مثلاً:
لماذا لا نجلس باعتبارنا سوريين ، وننسى انتماءاتنا الأثنية والدينية والطائفية لنحل مشكلاتنا ؟
نعم قد تكون هناك مشكلات يمكن حلها باعتبارنا بشراً، ولكن ما كل المشكلات كذلك وإلا ماانتمى الناس أصلاً الى شعوب وأقليات وأديان وطوائف والى ثقافة من الثقافات، فمفهوم المواطنة ووحدة المواطنة لدي ككردي سوري لا تنحصر في حمل جنسية الدولة أو الوطن فقط بل تعني لي الكثير:
تعني لي الشراكة لأن المشاركة تعتبر مقوماً أساسياً من مقومات المواطنة التي تشتمل على معاني ومفاهيم قانونية ، فالمواطن هنا ليس مجرد فرد له حضور مادي لكن هو شخص قانوني بمعنى أنه يمتلك حقوقاً مدنية وسياسية، ويتمتع بالحريات الشخصية، وهي حرية العقيدة والتعبير وحرية التنقل والزواج والحق فى الدفاع عن نفسه إذا مثل أمام العدالة كذلك له حق الحياة السياسية بالمشاركة كأفراد وكمجموعة إذ له حق الانتخاب والتصويت والترشُّح لتولي كلّ الوظائف السيادية والعمومية وحرية تأسيس الأحزاب والنقابات.
والمواطنة كذلك لها معنى متصل بما يمكن أن نسميها الشرعية السياسية، فالمواطن ليس شخصاً قانونياً باعتباره فرداً فقط لكنه أيضاً يتمتع بنصيب من السيادة السياسية باختياره لممثليه، والذي يختصر هدف الدولة في «تحقيق الحرية».
فلكي يكون دستور الدولة حقيقياً وصحيحاً وشفافاً وصادقاً يجب أن يُعبر عن الإرادة والروح العامة لكل المكونات القومية والدينية وإحساس الجميع بالقيمة الانسانية والأخلاقية والثقافية والاقتصادية وكذلك عن تقاليدهم وطموحاتهم وتطلعاتهم المستقبلية ولذلك أصبح هذا المبدأ أهم أسس الديمقراطية الحديثة، ومفهوم الحكومة المعاصرة.
لما سبق ذكره من حقائق ووقائع أقول مفهوم الدولة الوطنية لدي ليس على أساس (كلنا مواطنون وكلنا أخوة وكلنا سوريون ولا اكثرية ولا أقلية ) فإن هذا المفهوم لا يختلف كثيراً عن مفهوم الدولة الوطنية لدى دولة البعث والفكر البعثي العفلقي السوري والعراقي سابقاً الذي قام على أساس صهر جميع الأقليات والقوميات الأخرى غير العربية في بوتقة القومية العربية والتي أثبتت الوقائع التاريخية فشلها، وأهمُّها انهيار الاتحاد السوفييتي والاتحاد اليوغسلافي، وحتى حكم البعث السابق في العراق وسوريا ، وهذا يدل على أن مفهوم الدولة الوطنية والاستقرار القائم على أساس الاضطهاد وكبح حق تقرير المصير للشعوب ليس إلا استقراراً مزيفاً.
بناءً على ما ذكر أعلاه يجب أن تكون الجنسية السورية هي جنسية الفرد والدولة وليس الجنسية العربية السورية كما كان وكما هو الآن وهذا ما يذكّرنا بالنظرة الأتاتوركية التي تتميز بتبجيل وتعظيم الذات وإنكار الآخر والذي يقوم على منطق (تركي + كردي= تركيين) فإذا كانت المواطنة على هذا الشكل وقياساً عليها ووفق النظرة البعثية (عربي سوري + كردي سوري= عربيين سوريين) هذا منطق مرفوض وغير مقبول ومردود عليه، وتضرب أسس التعايش السلمي بعرض الحائط ولا تحمي، ولا تحفظ، ولا تحترم خصوصيات كافة مكوّنات المجتمع، وتخل باستتباب أمن واستقرار البلد .