أوتار الحرية… بين ناي الصمت وطبول النسيان

 بوتان زيباري

 

في صحراء النسيان، حيث يتلاشى الصوت في رمال السياسة المتحركة، وحيث ينبت التاريخ أشواكًا في خاصرة العدالة، تعزف أوتار الحرية لحنًا لا يسمعه إلا قلب المقهور. الكورد في سوريا ليسوا حكايةً عابرة، بل قصيدة مكتوبةٌ بمداد الجرح، وممهورةٌ بختم التهميش، كأنما الزمن يتواطأ ليبقى صدى أقدامهم معلقًا بين أرضٍ ترفض احتضانهم وسماءٍ لا تمنحهم غيث الاعتراف.

 

ألم يكن الوطن موطنًا للجميع؟ أم أن الأوطان تصير مقابر مفتوحة حين تنغلق في وجه أهلها؟ في زوايا الخرائط المسوّرة بالمؤامرات، يعبر الكوردي حدوده وهو يحمل حقيبةً من الحرمان، ينثر في طريقه حروف الهوية المسروقة، ويجمع من هواء الغربة ما يُبقي ذاكرته متقدةً على نار الفقد. أما حين يتحدث عن حقوقه، فإنه كمن ينادي في سوقٍ باع ضميره للأقوى، أو كمن يرسم حدوده بألوانٍ لا يراها إلا من امتلك ضوء العدل في روحه.

 

وحين ثارت الأرض مطالبةً بالحرية، كان الكورد في الصفوف الأولى، لكنهم ظلوا على الهامش حين قُسمت الغنائم السياسية، كأنما الحرية عُملة لا تصرف في أسواقهم، أو كأن العدالة ثوبٌ يفصل على مقاس القاهرين وحدهم. لم يكن هذا جديدًا، فمنذ أمدٍ بعيد، دُوِّنت فصولٌ من الإنكار بحبرٍ عربيٍ كثيف، نُقشت على جدران الخراب كأنها وصايا لا تُمحى، وترددت في صالات الحكم كتعويذة تمنع الاعتراف بمَن شربوا من نهر الفرات وناموا في ظلال جبالهم منذ الأزل.

 

لكن، هل يبقى الإنسان مأسورًا لقدرٍ لم يكتبه؟ أليس في طيات النسيان نفقٌ يقود إلى نور الوجود؟ إن قضية الكورد ليست صرخةً في الفراغ، ولا قصيدةً تنتهي عند حدود الورق، بل هي ميثاقٌ بين الأرض وساكنيها، حيث تعزف الأوتار لحنًا لا ينقطع، وإن كان الصوت مبحوحًا، فصداه في الروح لا يخفت. فإما أن تتصالح الأرض مع أهلها، وإما أن يظل النسيان هو الحاكم بأمره، في وطنٍ يدّعي احتضان الجميع، لكنه يضيق بأبنائه حتى الاختناق.

السويد

04.03.2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

منظمة حقوق الإنسان في عفرين أستُقبل وزير الثقافة في الحكومة الإنتقالية السورية محمد ياسين صالح و الوفد المرافق له في مدينة عفرين ، على أنغام الزرنة و الطبل من قبل أبناء المنطقة إلى جانب بعض من المواطنين العرب القاطنين منذ سنوات في المدينة ، وسط غياب أغلب رؤوساء البلديات و أعضاء منظمات و نشطاء المجتمع المدني و الأكاديميين الكُرد ،…

عزالدين ملا شهدت سوريا خلال العقد الماضي تحولات عميقة قلبت معالم المشهد السياسي والاجتماعي فيها رأساً على عقب، وأدت إلى تفكك بنية الدولة وفقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها. بعد سقوط النظام الذي حكم البلاد لعقود، توقّع الكثيرون بداية عهد جديد يعمه السلام والاستقرار، لكن سوريا دخلت في دوامة أعمق من الصراع، إذ تعقّدت الأزمة بشكل لم يسبق له…

عبدالرحمن كلو لم يكن مؤتمر قامشلو مجرّد لقاء عابر بين طرفين متخاصمين في الساحة الكوردية، بل كان خطوة نوعية تُلامس أفقًا سياسيًا أوسع بكثير من مجرد “اتفاق ثنائي”. فبرعاية أمريكية وفرنسية، وبإشراف مباشر من الرئيس مسعود البارزاني، تمكّن المؤتمر من جمع طيف متنوع من القوى، لا يقتصر على المجلس الوطني الكوردي أو الإدارة الذاتية، بل شمل شخصيات وطنية مستقلة،…

هولير (ولاتي مه) شفيق جانكير: بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقة موقع “ولاتي مه”، جرى في كافتيريا “أريزونا” بهولير (أربيل) تكريم الباحث والمحلل السياسي الأستاذ عماد باجلان. وجاء هذا التكريم تقديرا لدور باجلان البارز في الساحة الإعلامية والسياسية، وجهوده المتواصلة في الدفاع عن الحقوق والقضايا العادلة للشعب الكردي، ووقوفه في مواجهة الأصوات الشوفينية والعنصرية التي تحاول إنكار حقوق الكورد أو…