أكرم حسين: مستقبل سوريا يبدو مليئاً بالتحديّات، لكن في الوقت نفسه، يحمل في طياته فُرصاً قد تؤدّي إلى تحولٍ حقيقي.

حاوره: عمر كوجري

 

تحدّث المهندس أكرم حسين، رئيس الهيئة التنفيذية لتيار مستقبل كوردستان سوريا في حوار خاص مع صحيفة «كوردستان» عن حالة الانقسامات في الحركة الكردية في سوريا أنه: رغم التحدّيات المشتركة التي تواجه الحركة الكردية السورية، فإنها لا تزال تعاني من انقسامات مختلفة: منها الاختلافات الإيديولوجية والفكرية بين الأحزاب الكردية.

وفيما يخص رعاية حكومة إقليم كوردستان، وشخص الرئيس مسعود بارزاني في توحيد الرؤى الكردية في غرب كوردستان، أضاف حسين: إن تشكيل وفد كردي موحّد بدعم ومساندة من الرئيس مسعود بارزاني يتسم بأهمية كبيرة، والتأخير في تشكيله يعود إلى بعض العوامل والآليات المناسبة لهذا التوحّد، وانشغال بعض الأطراف الراعية. إضافة إلى بعض الاختلافات التي ساهمت في إبطاء عملية التوافق.

وفي سؤال عن ممارسات وانتهاكات تنظيم (جوانين شورشكر) التابعة للعمال الكردستاني قال حسين:  الانتقادات الموجهة لتنظيم «جوانين شورشكر» تستدعي القلق والاهتمام العميق. فلا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير الانتهاكات التي تطال أبناء الشعب الكردي أو أي مكون آخر، سواءً أكانت هذه الانتهاكات تتم تحت شعار الدفاع عن حقوق الشعب الكردي أو أية مسميات أخرى.

 

فيما يلي نص الحوار الشامل مع السيد أكرم حسين:

 

 * بداية، منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، شهدت سوريا تحوّلاً دراماتيكياً بسقوط النظام السابق وانتهاء عهد حزب البعث، وانهيار الدولة الأمنية الأسدية. كيف تنظرون إلى هذه اللحظة المفصلية التي صنعتها ثورة شعب امتدت لأربعة عشر عاماً؟

**يتزامنْ هذا الحوار مع الذكرى الرابعة عشرة لانطلاقة الثورة السورية العظيمة واحتفالات السوريين بها، ومع الحديث عن الإعلان المرتقب عن تشكيلة الحكومة الانتقالية الجديدة بعد صدور الاعلان الدستوري المؤقت الذي شهد مقداراً كبيراً من التحفظ الى حد الرفض نتيجة اقصاء مكونات سورية واسعة عن المشاركة في الصياغة، الأمر الذي أفقده صفة التوازن.

لقدْ جاءتْ لحظة هروب بشار الأسد من البلاد تتويجاً لنضالٍ طويلٍ خاضهُ الشعب السوري بكلِّ فئاته ومكوّناته من أجل الحرية والكرامة، فمع سقوط الأسدية في سوريا، وانتهاء عهد البعث فُتِحَت صفحةً جديدةً أمام السوريين لإعادة بناء دولتهم على أسسٍ ديمقراطيةٍ وتعدّديةٍ، بعيداً عن حكم الحزب الواحد والدولةِ الأمنيةِ التي سحقت حقوق الأفراد والجماعات.

في الوقتِ ذاتِه تحملُ المرحلة تحدياتٍ كبيرةٍ، لأن سقوط النظام البائد لا يعني بالضرورة انتصار الثورة أو تحقيق كلِّ اهدافها بل هناك خشيةٌ حقيقيةٌ من ارتداداتها ومن محاولات قوى الاعاقة تعطيل مسارها. مما يتطلبُ عملاً دؤوباً لبناء مؤسسات الدولة، وإنجاز المصالحة الوطنية، وضمان تمثيلٍ عادلٍ لجميع المكونات، وخاصة الكُرد الذين عانوا التهميش والإنكار طيلة الحقبة الأسدية.

ما تحققَ حتى الان هو انتصارٌ لإرادة الشعب السوري العظيم، لكنه ليس إلا مجرّد بداية لطريقٍ طويلٍ من أجلِ ترسيخِ نظامٍ سياسيٍ عادلٍ يضمنُ حقوق الجميع، ويؤسّس لدولةٍ تحترمُ التنوع والتعدّدية، وتحقّق العدالة والمواطنة الحقيقية.

*هل كنتم تتوقّعون هذا الانهيار السريع للنظام خلال 11 يوماً فقط؟ ما العوامل التي أدت إلى هذه النهاية السريعة وغير المتوقعة؟ وكيف تنظرون إلى تولي السيد أحمد الشرع مقاليد السلطة الانتقالية؟

**نعم ولا، فقد جاءَ انهيار النظام الأسدي نتيجةً لمجموعةٍ من الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تراكمت على مدى سنوات، وخاصةً الخسارة التي مُنِيَ بها “محور الممانعة” بأسره. فالهزائمُ التي منيت بها حركات مثل حماس وحزب الله والمليشيات الإيرانية في سوريا نتيجة القصف الإسرائيلي المتكرّر، وخاصة بعد أحداث 7 أكتوبر في غزة. كانت الضربة التي قصمت ظهر النظام الذي اعتمد بشكل كامل على دعم هذه الأطراف.

نعلم أن روسيا قد تدخّلت عسكرياً في الأزمة السورية نهاية أيلول 2015 لوقف انتصارات المعارضة العسكرية التي هددت وجود نظام الاسد في الشمال الغربي لسوريا، حيثُ بدأت حينها مرحلة جديدة من الدعم العسكري الجوي المكثّف، مما أدّى إلى استعادة الأسد لجزء واسع من الجغرافيا السورية، وبالمحصلة لم يستطع كلُّ الدعم المقدّم من حلفاء النظام على حمايته من الانهيار والسقوط، خصوصاً وانه لم يستطع ان يوقف تصاعد حالة الاحتقان الشعبي والتدهور الاقتصادي، وتفكك الجبهة الداخلية.

بناءً على ذلك، يُمكنُ القول أنَّ النظام البائد كان بحكم الساقط منذ وقت طويل لولا الدعم الروسي والإيراني، لكن حرب غزة وانعكاساتها على الصراع السوري وتأثيرات التدخلات الإقليمية والدولية جعلت نهايته أسرع مما كان متوقعاً.

*كيف تقيّمون الوضع العام في سوريا بعد ما يُقارب الأربعة أشهر من إسقاط النظام؟ ما أبرزُ التّحوّلات السياسية والمجتمعية التي رافقت هذه المرحلة؟

**تبدو سوريا في مرحلةٍ انتقاليةٍ مُعقّدةٍ، حيثُ تتداخلُ التحدّيات السياسية والأمنية والاقتصادية مع تطلُّعات السوريين لبناء مستقبل جديد. هناك شعورٌ لدى الجميع بأنَّ صفحةً طويلةً من القمع والاستبداد قد طُويت، لكن في المقابل، هناك خيبة أمل وخوف حقيقي من مسار “الانتقال” الذي تشهده سوريا خلال الأشهر الماضية، ولا يبدي البعض تفاؤلاً كبيراً للتحول الديمقراطي بالنظّر إلى ظروف سوريا الحالية، وتركيبتها القومية والإثنية والمناطقية خاصة أنها تعيشُ واقعاً صعباً يتمثّل في الانقسام العسكري والفراغ المؤسساتي، وغياب رؤية وطنية توافقية حول شكل الدولة والنظام السياسي، إضافة إلى استمرار التّدخُّلات الإقليمية والدولية، ومحاولاتها التأثير في مسار المرحلة الانتقالية.

محاولات الإدارة السورية الجديدة لإرساء قواعد إدارة انتقالية من لونٍ واحدٍ تحت مسمى “الضبط والانسجام” أدى الى ضعف الثقة وغيابِ التوافق الوطني مما جعلَ التقدّمُ بطيئاً على كافة المسارات، وسطَ تجاذبات بين سلطات الامر الواقع، والفصائل العسكرية، والقوى المحلية الفاعلة، فضلاً عن استمرار العقوبات الأمريكية.

أدّى ذلك إلى حدوثُ تحوّل كبير في الوعي العام، حيث أصبح معظم السوريين يدركون أهميةَ بناءِ الدولة على أسسِ المواطنةِ والتعدديةِ، بعيداً عن الهيمنة أو الاقصاء أو الحكم الأمني في ظل وجودْ مخاوف مشروعة لدى بعض المكوّنات من ان تستفرد الإدارة الجديدة بالسلطة.

بشكل عام، الوضعُ في سوريا مفتوحٌ على كل الاحتمالات، يحملُ في طياتهِ فُرصاً لبناءِ نظام سياسي جديدٍ يعكسُ تطلعات الشعب، لكنه في الوقت ذاته مليء بالتحدّيات والمخاوف المشروعة، فالمسار القادم يتوقف على مدى قدرة السلطة الجديدة على إدارة المرحلة الانتقالية بحكمة، ومنع الانزلاق نحو صراعات داخلية قد تعيد إنتاج الفوضى والحروب الاهلية بدلاً من بناء دولة جديدة على أسس ديمقراطية وتعددية حقيقية.

* قبل أيام شهد الساحل السوري مجازر دموية وخرقاً فظيعاً لحقوق الإنسان. في رأيكم، ما الأسباب التي دفعت النظام السابق للتورّط في هذه الانتهاكات؟ 

**ما حدث من عمليات قتل طال عناصر الأمن العام، أعقبتها أعمال انتقامية ضد المدنيين على أساس طائفي، عكس خطورة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد. فهذه الأعمال، مهما كانت دوافعها، مدانة، لأنها تعمّق الانقسامات وتؤسس لدورات جديدة من العنف والكراهية والطائفية، وهو ما يجب تفاديه بكل الوسائل.

لضمان عدم تحول هذه الحوادث إلى نزاعات طائفية مفتوحة، لا بد من إجراء تحقيق شفاف ومستقل في جميع الانتهاكات، سواء التي ارتكبتها فلول النظام أو تلك التي جاءت كردود فعل انتقامية، وتقديم الجناة إلى محاكم مختصة تضمن محاسبتهم وفق القانون وحسناً فعل الرئيس الشرع بتشكيل لجنة للتحقيق في الانتهاكات واعمال القتل التي حدثت في الساحل السوري. لأن العدالة ينبغي أن تكون هي الأساس في هذه المرحلة الحساسة، وأيّ تساهل تجاه هذه الجرائم ومرتكبيها سيؤُدي إلى مزيد من العنف والفوضى، ويضعف ثقة الناس في قدرة السلطة الانتقالية على ضبط الأمن والاستقرار.

ينبغي العمل على دمج الفصائل في جيش وطني، وإصدار قوانين تُجرّم الطائفية والكراهية، حيث لا يكون العنف وسيلة للتعامل مع الخلافات أو لتصفية الحسابات. فسوريا الجديدة تحتاج إلى تجاوز إرث الماضي دون تجاهل الجرائم التي ارتُكبت، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عدالة حقيقية تعيد الحقوق إلى أصحابها دون الوقوع في فخِ الانتقام أو العنف العشوائي.

*عُقِد مؤتمر الحوار الوطني في 25 شباط/فبراير، وسط غياب مكونات أساسية، وعلى رأسها المُكوّن الكُردي. كيف تقيّمون هذا المؤتمر من حيث الشكل والمضمون؟ وهل ترونه فرصة ضائعة؟

ما جرى في 25 شباط لم يكن حواراً وطنياً، شاملًا لكل الفاعلين الاجتماعيين السوريين، كما كان ينبغي، بل عُقِدَ على عجلٍ لعددٍ من الشخصيات السورية، في توقيته وأهدافه لجهة إصدار الإعلان الدستوري المؤقت الذي لم يلبِّ تطلعات الشعب السوري، وخاصة النساء اللواتي كان لهن دورٌ بارزٌ في الثورة، لأن غياب التمثيل السياسي في المؤتمر عكس ضعف الإرادة الحقيقية في بناء دولة قائمة على الشفافية والمشاركة الشاملة.

يحتاجُ السوريون إلى  حوار جاد ومسؤول بعيداً عن التسرع ،  بهدف بناء قاعدة معينة من التوافق بين مختلف المكونات السورية، والوصول إلى عقد “المؤتمر السوري العام” كي يتمكّن السوريون من بناء مستقبلهم عبر انتخاب جمعية تأسيسية تمثّل الجميع على قدم المساواة وتُناط بها مسؤولية كتابة الدستور الدائم، الذي يجب أن يُعرض للاستفتاء الشعبي ليتم قبوله من قبل جميع أطياف ومكونات الشعب السوري، هذه العملية تستدعي مشاركة جميع الأطراف، وخاصة الكرد، والنساء، والمكونات العرقية والدينية المتنوعة، لأن الدستور الدائم لن يكون ذا صدقية إذا لم يكن ثمرة توافق وطني عام وشامل.

* تم الإعلان عن «الإعلان الدستوري المؤقت» لمدة خمس سنوات. برأيكم، هل يمثّل هذا الإعلان أرضية انتقالية حقيقية أم هو محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم بصيغة قانونية جديدة؟

“الإعلان الدستوري المؤقت” لا يمثل أرضية حقيقية للانتقال إلى نظام سياسي جديد في سوريا، رغم بعض الإيجابيات التي قد تبدو في البداية، مثل تأكيد بعض الحقوق الأساسية أو محاولة تنظيم المرحلة الانتقالية، إلا أن التركيز الكبير للسلطات بيد الرئيس ومنعه من المساءلة وطول المدة الانتقالية، هو استمرار في النهج السلطوي الذي ساد في عهد النظام البائد. فالنظام الذي يعزّز مركزية السلطة ويمنع المساءلة هو في النهاية استمرار للنظام البائد، حتى وإن تم تجميله بقوالب قانونية جديدة.

سوريا المستقبل لا يمكن أن تُبنى على أسس المركزية، التي كرست سابقاً التهميش لبعض مكوناتها، ومنعت عنهم الحقوق والفرص.

سوريا الجديدة، لابد أن تقوم على أسس لامركزية حقيقية بحيث تُتيح للمكونات المختلفة إدارة شؤونها، وتضمن وصول الخدمات والاحتياجات الأساسية بطرق عادلة ومتوازنة. مما يعزز الوحدة الوطنية، ويجنب البلاد خطر الانزلاق والتفكك.

* كيف تقيّمون الوضع الأمني والسياسي في مناطق المكونات السورية المختلفة: من السويداء إلى الساحل، إلى المناطق الكردية؟ وهل تعتقدون أن الاستقرار قابل للتحقق في ظل هذه الفوضى الإدارية والسياسية؟

يختلفُ الوضعُ بشكلٍ كبيرٍ حسب طبيعة السيطرة والنزاعات المحلية والدولية. ففي المناطق الجنوبية، مثل السويداء، يعتبر الوضع الأمني مستقراً إلى حدّ ما من حيث الأوضاع الداخلية، لكن الهجمات الإسرائيلية المستمرة، تُبقي المنطقة في حالة توتّر دائم، وتخلق تحدّيات في الحفاظ على الامن والاستقرار.

أما في الشمال، فتستمرُّ الهيمنةُ التركيةُ، وخاصة على المناطق الكردية مثل عفرين وسري كانييه، وگرێ سپی، وهو ما يؤدّي إلى مزيدٍ من القلق على حقوق الكُرد. إضافة إلى استخدام المُسيّرات والهجمات البرية المستمرة على سد تشرين، حيث يسقط يومياً العشرات من الأبرياء نتيجة لهذه الهجمات.

لايزال الوضع في سوريا بعيداً عن التهدئة الشاملة. فالفوضى الإدارية والعسكرية التي تسببت بها سنوات الحرب لا تزال تُعيق القدرة على استعادة القرار والاستقرار. لأنَّ كل منطقة تخضع لسيطرة قوى مختلفة، وكل قوة تسعى إلى تعزيز مصالحها الخاصة على حساب الاستقرار الوطني، مما يعقد إمكانية التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.

يبدو الاستقرار، في ظل هذه الفوضى، صعب المنال، خاصة في ظل تداخُل الأطراف الدولية والإقليمية في الشؤون السورية – محلية أو دولية – بعيداً عن الالتزام بمعالجة القضايا السياسية والأمنية، بما في ذلك دعوتها إلى ضمان حقوق كافة المكوّنات السورية.

* كيف تقيّمون أداء المجلس الوطني الكردي في ظل التحديات الحالية؟ وهل تعتقدون أنه ما زال يمثل طموحات الشارع الكردي؟

تَمكّنَ المجلس الوطني الكردي من الصمود وتجاوز العديد من التحدّيات التي واجهته في السابق، واليوم هو أحد أبرز الكيانات السياسية التي تجسد الطموحات القومية الكردية في سوريا، والصوت السياسي الكردي الذي يسعى لتضمين حقوق الشعب الكردي في إطار الحلول السياسية مع الادارة الجديدة في دمشق بما فيها حقه في تقرير مصيره، والحفاظ على ثقافته ولغته، والاعتراف بهويته الوطنية، فضلاً عن تحقيق العدالة والمساواة في إطار الدولة السورية المستقبلية.

هذا المجلس هو جزءٌ من المشروع القومي الكردي الذي يتزعمه الرئيس مسعود بارزاني وله دورٌ محوريٌ في تجميع الصف الكردي وتوجيهه نحو أهدافه القومية والسياسية، في الحرية والعدالة والمساواة.

* هناك حديث منذ شهرين عن تشكيل وفد كردي موحّد، بوساطة من إقليم كوردستان، والرئيس مسعود بارزاني. ما سبب التأخير في تشكيل هذا الوفد؟ وكيف تقرؤون اللقاء الأخير بين المجلس الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي؟                                                

**إن تشكيل وفد كردي موحّد بدعم ومساندة من الرئيس مسعود بارزاني يتسم بأهمية كبيرة، والتأخير في تشكيله يعود إلى بعض العوامل والآليات المناسبة لهذا التوحّد، وانشغال بعض الأطراف الراعية. إضافة إلى بعض الاختلافات التي ساهمت في إبطاء عملية التوافق.

أما بالنسبة للقاء الأخير بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، فقد اتسم بالإيجابية. حيث تم التوصل إلى توافق حول رؤية سياسية كردية في الجانبين الوطني والكردي، وهي خطوة مهمة نحو توحيد الموقف الكردي، ستسهم في تحديد أولويات الكرد بشكل أكثر وضوحاً وانتظاماً.

* قبل أيام، أُعلِنَ عن اتفاق بين السيد أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي لسوريا، وبين السيد مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية. كيف تنظرون إلى هذا الاتفاق؟ وهل ترون أنه قابل للتطبيق والاستمرارية؟

**ينطوي الاتفاق على قيمة رمزية عالية رغم عدم تطرقه بشكل صريح لحقوق الشعب الكردي في سوريا، ومن المبكر الحكم عليه لأنه مرهون بمدى ترجمته في الواقع. فقد جاء في المبادئ العامة دون الخوض في التفاصيل. هناك جوانب إيجابية في الاتفاق – إذا طبق- على الأقل في المرحلة الحالية، مثل وقف اطلاق النار، وتجنب اندلاع اقتتال داخلي يمكن أن يسبب المزيد من الفوضى والدمار في المنطقة، ويُفشّل جهود الاستقرار، ومع ذلك، هناك تحديات كبيرة قد تواجه تطبيقه على أرض الواقع، أبرزها التفاوت الكبير في مصالح الأطراف المتعددة على الساحة السورية، فالعلاقة بين الإدارة الجديدة  و«قسد» إشكالية، بسبب المواقف التركية المعارضة لأي نوع من التعاون بين النظام و«قسد» إلا بعد حلّ نفسها، والانخراط في المنظومة الدفاعية السورية بصفتهم أفراداً . المهم هو قدرةُ الطرفين على تنفيذ بنود الاتّفاق عملياً، ومدى تجاوُز التحديّات الميدانية والسياسية. عبر استمرار الدّعم لمصلحة الاتفاق من القوى الدولية والإقليمية.

* تُثار الكثير من الانتقادات حيال ممارسات بعض الأذرع المسلحة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وخصوصاً تنظيم «جوانين شورشكر» المعروف بتبعيته المباشرة لقنديل. ما تعليقكم على هذه الانتهاكات التي تطال أبناء الشعب الكردي؟

**الانتقادات الموجهة لتنظيم «جوانين شورشكر» تستدعي القلق والاهتمام العميق. فلا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير الانتهاكات التي تطال أبناء الشعب الكردي أو أي مكون آخر، سواءً أكانت هذه الانتهاكات تتم تحت شعار الدفاع عن حقوق الشعب الكردي أو أية مسميات أخرى.

لابدّ لكلّ ممارسة قمعية أو تعسفية أن تُدان، وأن يتحمل المسؤول عنها عواقب أفعاله. وفي الحالة الكردية. فإن أي انتهاك يضر بالقضية الكردية، ويُؤدي إلى تقويض جهود الوحدة الداخلية وتوثيق العلاقات بين الاطراف الكردية المختلفة يجب أن يتوقف.

من الضروري أن تتحمل الإدارة الذاتية مسؤوليتها في حماية حقوق الافراد والممتلكات، وتقديم الجناة إلى محاكم عادلة وشفافة، بما يضمن العدالة وإعادة الثقة للمواطنين في النظام العام.

* رغم التحديّات المشتركة، لا تزال الحركة الكردية السورية تعاني من انقسام وتشظي كبير. لماذا لم تتوحد الأحزاب الكردية حتى الآن؟ وما أبرز العوائق التي تحول دون التوافق على برنامج سياسي جامع؟

**رغم التحدّيات المشتركة التي تواجه الحركة الكردية السورية، فإنها لا تزال تعاني من انقسامات مختلفة: منها الاختلافات الإيديولوجية والفكرية بين الأحزاب الكردية، والتدخلات الخارجية التي تلعب دوراً محورياً في استمرار الانقسامات وتعزيزها داخل الحركة الكردية. إضافة الى التنافس على القيادة ومحاولات الهيمنة. هناك خوف من تكرار تجارب وحدوية فاشلة لم يكتب لها الديمومة لأسباب لا ضرورة لذكرها الآن، ويبدو أن الشرط الموضوعي لم يُجهّز بعد لفرض إرادته والضغط على معظم الأطراف إلى التوحد والانسحاب من المشهد السياسي برمته، الأمرُ متروكٌ لحين صدور قانون للأحزاب وإجراء الانتخابات.

* بالانتقال إلى تركيا، تشهدُ المدن الكبرى كإستنبول وأنقرة اضطرابات واسعة بعد اعتقال المعارض البارز أكرم إمام أوغلو. كيف تقرؤون هذا المشهد؟ وهل تتوقعون أن تشكل هذه المظاهرات تهديداً جدياً لاستمرار حكم الرئيس أردوغان؟

اعتقال أكرم إمام أوغلو، جاء في وقت حسّاس للغاية بالنسبة لتركيا. فقد تسبّب هذا الاعتقال في موجة من الاحتجاجات في المدن الكبرى مثل إستنبول وأنقرة، وعبّر العديد من المواطنين عن رفضهم لما يعتبرونه قمعاً سياسياً. تعكس هذه المظاهرات التوتر المتزايد في تركيا، حيثُ يشعرُ جزءٌ كبيرٌ من الشعب بأنَّ هناك تراجعاً كبيراً في الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في ظل حكم الرئيس أردوغان.

يُمكن القول إن الاحتجاجات ضد الاعتقال قد تكون جزءاً من حالة أوسع من الاحتقان الاجتماعي والسياسي، خصوصاً بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. هذا التوتر مؤشر على فقدان جزء من الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية، مما يهدد استقرار حكم أردوغان، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.

إلا أنّ التحدّي الرّئيسي يكمن في استمرارية الاحتجاجات ومدى قدرتها على تشكيل تحالف واسع بين قوى المعارضة. فبينما يمكن لهذه المظاهرات أن تهدد استقرار الحكومة، إلا أن قوتها ستعتمد على قدرتها على استقطاب شريحة أوسع من المجتمع التركي، وتوسيع نطاق الاحتجاجات لتشمل فئات اجتماعية متنوعة في الوقت ذاته، لكن في النهاية تبقى الحكومة التركية قوية في فرض سلطتها، حيث تمتلك أدوات القمع الأمني والإعلامي لاحتواء أي تهديدات فورية.

على الرغم من ذلك، إذا استمرت الاحتجاجات، وتعزّزت المطالب بالإصلاحات السياسية بشكل أكثر تنظيماً، فقد يشكّل هذا تهديداً جدياً لحكم أردوغان، خصوصاً إذا ما ترافق مع أزمات اقتصادية كبيرة أو تصاعدت الضغوط الدولية.

* في ضوء هذه التغيرات الكبرى، كيف ترون مستقبل سوريا؟ وهل أنتم متفائلون بإمكانية بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية؟

**مستقبل سوريا يبدو مليئاً بالتحديّات، لكن في الوقت نفسه، يحمل في طياته فُرصاً قد تؤدّي إلى تحولٍ حقيقي.

إنَّ الوضع الحالي في سوريا معقدٌ للغاية، حيث تتعدًد القوى الاقليمية والدولية المتدخلة، وتتفاوت أولوياتها ومصالحها، مما يصعب التوصل إلى حل شامل، ورغم أن التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية كبيرة، إلا أن الشعب السوري يظل يمتلك إرادة قوية للتغيير والتطوُّر.

من حيثُ إمكانية بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، يتطلب الامر القضاء على الاستبداد السياسي والمركزية المفرطة التي أوجدها النظام السابق، وضمان الحقوق المتساوية لكل المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية. ومن بناء ثقافة سياسية جديدة تقوم على الحوار والتفاوض، وإلغاء التهميش لجميع المكونات، وخصوصاً المكون الكردي، ورفع القيود على الحريات.

على الرغم من هذه التحدّيات، لا يزال من الممكن أن يكون هناك مستقبل أفضل لسوريا، وبناء هوية وطنية جامعة إذا جرت مصالحة حقيقية بين جميع الأطراف، وتم بناء نظام ديمقراطي تشاركي يتعامل مع مطالب كل فئة من فئات الشعب السوري بشكل عادل، مع ضمان حقوق الإنسان والديمقراطية كقيم أساسية.

*كيف تقرؤون دور إقليم كوردستان والرئيس مسعود بارزاني في المرحلة السورية الجديدة؟ وهل ترون أن الإقليم قادر على لعب دور الوسيط الضامن لمشروع كردي موحد في سوريا؟

**إقليم كوردستان، بقيادة زعيم الأمة الكردية الرئيس مسعود بارزاني، كان ولا يزال سنداً وداعماً أساسياً للقضية الكردية في سوريا، مستنداً على إرثٍ تاريخي من النضال القومي، وتجربة ناجحة في بناء نموذج للحكم الرشيد، وعلاقات دولية متينة، وشرعية قومية راسخة.

منذ اندلاع الثورة السورية، لعب الإقليم دوراً محورياً في توحيد الصف الكردي ،عبر رعاية اتفاقات هولير ودهوك، واحتضان المجلس الوطني الكردي، إضافة إلى دعمه السياسي والدبلوماسي للقضية الكردية في المحافل الدولية. لكن في ظل التطورات الأخيرة، بعد فرار الأسد واستلام هيئة تحرير الشام السلطة في دمشق، تواجه جهود الإقليم عدة تحديات، أبرزها تعقيدات المشهد السوري، وغياب الدور الكردي في العملية السياسية، ما يعقّد جهود التوحيد، اضف الى ذلك التدخلات الإقليمية، خاصة من تركيا وإيران، اللتين تعارضان أي مشروع قومي كردي قد يؤثر على سياساتهما، فضلاً عن استمرار التباينات بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، رغم محاولات تقريب وجهات النظر والاتفاق على الرؤية السياسية، بالإضافة إلى تحديات الإقليم الداخلية، سواء الاقتصادية أو السياسية، والتي تؤثر أحياناً على مستوى انخراطه في الشأن السوري. مع ذلك، يبقى إقليم كوردستان الطرف الأكثر قدرة على لعب دور الداعم والضامن، نظراً لمصداقيته القومية، وتجربته المؤسسية الناجحة، وعلاقاته القوية مع القوى الدولية، ما يجعله ركيزة أساسية لأي مشروع كردي مشترك في سوريا، شريطة توافر الإرادة السياسية لدى الأطراف الكردية السورية لإنجاح هذا المسار الوحدوي.

* ما هو موقف تيار مستقبل كوردستان سوريا من خارطة الطريق المقترحة للانتقال السياسي؟ وهل تشاركون في المشاورات الجارية حول إعداد دستور جديد للبلاد؟

**يتماشى موقف تيار مستقبل كوردستان سوريا مع المبادئ الأساسية الواردة في بياني العقبة والرياض، ويعتمد على روح القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، ويدعم الانتقال السياسي الذي يضمن إقامة حكم تشاركي لا طائفي، ويشدّد على ضرورة بناء دولة ديمقراطية قادرة على تحقيق المساواة والعدالة لجميع المكونات السورية.

اما بالنسبة للمشاورات الجارية حول إعداد دستور جديد للبلاد، يرى التيار أن أي دستور جديد يجب أن يعكس التعددية في المجتمع السوري، ويضمن حقوق جميع المواطنين بمختلف خلفياتهم ، وفي هذا السياق، يلتزم التيار بالمشاركة عبر المجلس الوطني الكردي في أية مشاورات تهدف إلى إعداد دستور شامل يحترم الحقوق القومية والإنسانية لكل السوريين، ويضمن اللامركزية في إدارة البلاد بحيث يتيح للمكونات المختلفة إدارة شؤونها بشكل عادل.

* أخيراً، كيف يمكن، برأيكم، تجاوز إرث السنوات الدامية والانطلاق نحو مصالحة وطنية حقيقية تحفظ حقوق الجميع وتضمن مستقبل الأجيال القادمة؟

المصالحة الوطنية تتطلب قبل كل شيء الاعتراف بحقيقة أن سوريا تعيش على أنقاض صراعات عميقة ومؤلمة وقد تركت جراحات سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية، ولكي تكون المصالحة حقيقية ومستدامة، ينبغي أن تقوم على أسس العدالة الانتقالية والمساءلة، وليس على منطق التسويات الشكلية التي تتجاهل حقوق الضحايا وتكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.

لا يمكن بناء وطن مشترك دون الاعتراف بالجرائم والانتهاكات التي حدثت خلال السنوات الماضية، سواءً من قبل النظام البائد أو من قبل الأطراف المختلفة في الصراع، وهذا يتطلب آلية واضحة لكشف الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتعويض المتضررين، كي لا تتحول المصالحة إلى مجرد عملية سياسية تُفرض من فوق دون أن يشعر بها المجتمع.

كما أن صياغة عقد اجتماعي جديد مبني على التعددية واللامركزية والديمقراطية، يمنح كل مكون من مكونات سوريا حقوقه القومية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وهو شرط أساسي لنجاح أي مصالحة حقيقية. فلا يمكن إعادة إنتاج الدولة المركزية القديمة، التي كانت أحد الأسباب الرئيسية للأزمات المتكررة في سوريا ، بل يجب تبني نظام لامركزي ديمقراطي يضمن لكل المكونات إدارة شؤونها وفق إرادتها الحرة ، مع الحفاظ على وحدة البلاد.

لا يمكن اعادة الثقة بين السوريين وبناء هوية وطنية سورية جامعة ،  إلا عبر إصلاح مؤسسات الدولة، وتمثيل السوريين فيها ، بعيداً عن هيمنة فئة أو حزب أو طائفة او دين . كما ان دعم المجتمع المدني، وتعزيز دور الشباب والنساء في الحياة السياسية، وتشجيع الحوار المجتمعي، عوامل ضرورية لضمان نجاح أي عملية مصالحة وطنية.

============

حوار خاص – صحيفة كوردستان العدد (٧٤٩) ١-٤-٢٠٢٥ م/٢٧٢٥ ك

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…

المحامي عبدالرحمن نجار   إن المؤتمر المزمع عقده في ١٨ نيسان في الجزيرة هو مؤتمر الأحزاب التي معظم قياداتها كانت تتهرب من ثوابت حق شعبنا الكوردي وفق القانون الدولي. وكانت برامجها دونية لاترقى إلى مصاف ومرتبة شعبنا الكوردي كشعب أصلي يعيش على أرضه التاريخية، وتحكم حقوقه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتتجلى في حق تقرير المصير!. وحيث أن…

قهرمان مرعان آغا يحصل لغط كثير و تباين واضح ، مقصود أو جهل بإطلاق المصطلحات القانونية والسياسية، فيما يتعلق بالشعب الكوردي و حقوقه القومية و وطنه كوردستان ، تحديداً في كوردستان الغربية/ سوريا . هناك حقيقة جغرافية طبيعية و بشرية و حدود سياسية بأمر واقع في كوردستان ، الوطن المُجزء و المُقسَّم بين الدول الأربع ، تركيا ، ايران ،…