حل حزب العمال الكردستاني: مبادرة تاريخية أم تسليم سياسي؟

ماهين شيخاني

في خطوة قد تُعد من بين أهم التحولات السياسية في الشرق الأوسط الحديث، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ هيكليته التنظيمية القديمة خلال مؤتمره الثاني عشر المنعقد بين 5 و7 مايو 2025، تمهيدًا لمرحلة جديدة من النضال السلمي والسياسة الديمقراطية. بعد أكثر من أربعة عقود من الصراع المسلح، والآلاف من الضحايا، تتجه الحركة الكردية نحو طريق آخر؛ نحو مشروع سلام يُبنى لا على فوهة البندقية، بل على أسس الشراكة السياسية والديمقراطية.

هل هو تسليم؟ أم بداية لمرحلة نضال جديدة؟

قد يرى البعض أن قرار الحل بمثابة “تسليم” أو “تراجع” بعد كفاح طويل، لكن النظرة المتأنية تكشف عن تحول استراتيجي عميق يعكس نضوجًا سياسيًا وقراءة دقيقة للمتغيرات الإقليمية والدولية. فالشرق الأوسط أمام لحظة فارقة، حيث تتهاوى أنظمة وتتصدع تحالفات، بينما يُعيد “المارد الكردي” تموضعه في الساحة، واضعًا السلم الأهلي والحل الديمقراطي في صلب مشروعه.

زعيم الحزب، السيد عبد الله أوجلان، ورغم سنوات العزلة في سجنه، ما زال يؤثر في مجرى الأحداث من خلال طرحه لمشروع يدعو للتعددية والاعتراف المتبادل بين المكونات.

بيان حزب الشعوب الديمقراطية (DEM): نداء مسؤولية وسلام

في بيان مؤلف من ثماني نقاط، صدر عن حزب الشعوب الديمقراطية DEM، وُصِفَت اللحظة بأنها “إحدى أهم المنعطفات في تاريخ تركيا الحديث”، واعتُبر قرار حزب العمال الكردستاني بداية لسلام طال انتظاره بعد خمسين عامًا من النزاع.

البيان حيا أرواح الضحايا من جميع القوميات، مؤكدًا أن “الألم لا لون له ولا لغة”، ودعا إلى رفع أصوات السياسة بدلًا من صوت السلاح، وإلى الشراكة المتساوية بدلًا من الإقصاء والإنكار. كما أشار إلى المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق البرلمان التركي، والسلطة التنفيذية، لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي لا يُقصي أحدًا.

واللافت في البيان هو توجيه الشكر إلى أطراف متعددة، بما فيها الرئيس رجب طيب أردوغان، وزعيم المعارضة أوزغور أوزيل، وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، مما يدل على رغبة عميقة في تحويل هذه اللحظة إلى فرصة وطنية جامعة، لا إلى مادة للاستقطاب السياسي.

هل الجبهات ستسكت بعد اليوم؟

السؤال الذي يطرحه المراقبون بقلق: هل ستصمت الجبهات فعلًا؟ أم أن مراكز القوى الرافضة لأي حل خارج منطق الدولة الأمنية ستعمل على تقويض هذه المبادرة كما حدث في السابق؟

إن نجاح هذه المبادرة لا يعتمد فقط على حسن نية الطرف الكردي، بل على استعداد الدولة التركية ومؤسساتها للاعتراف بوجود قضية كردية حقيقية، وبضرورة معالجتها سياسيًا، لا أمنيًا فقط. كذلك فإن الانقسام الحاصل داخل المعارضة التركية بين مؤيد ومعارض لحقوق الكرد قد يكون عائقًا أمام التقدم.

نهاية مرحلة… وبداية أخرى

قد تكون هذه المبادرة من أعظم اللحظات السياسية في تاريخ الشعب الكردي الحديث. إنها لا تمثل نهاية النضال، بل تغييرًا في أدواته، وانتقالًا من الكفاح المسلح إلى ميادين السياسة المدنية، والمجتمع الديمقراطي، والإعلام الحر.

ويبقى أن نؤكد ما جاء في ختام البيان: “إنها ليست النهاية، بل بداية جديدة”. وعلى عاتق الجميع، في تركيا وفي المنطقة، تقع مسؤولية حماية هذه الفرصة التاريخية، وعدم السماح لتكرار الفشل، لأن سلام تركيا الحقيقي قد يكون المفتاح لاستقرار الشرق الأوسط بأكمله.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…