إنسانية الكُرد تنتصر..

سيامند مصطفى

بات واضحاً لكل العالم أن الكُرد ينتصرون مرة أخرى من خلال تمسكهم بمبادئهم السامية، الإنسانية والأخلاقية.
ففي سوريا، عانى الكُرد على يد نظام البعث الأسدي لعقود طويلة، ورغم كل المظالم التي لحقت بهم، وقفوا إلى جانب أبناء الطائفة السُنّية، التي تعرضت للقتل والتدمير من قِبل نظام الأسد طيلة سنوات الحرب. كما وقفوا مع المظلومين من أبناء الطائفة العلوية الذين تعرضوا للانتهاكات على يد الفصائل السُنّية المنضوية تحت هيكلية وزارة الدفاع.

وهذا يعيدنا إلى التاريخ، حيث كان الكُرد دائماً وأبداً أوفياء لمبادئهم السامية، الإنسانية والأخلاقية. فهم دعاة السلام، الحق، الحرية، والعدالة، وينبذون كل أشكال التطرف، العنصرية، والظلم.

لم يقتصر هذا الموقف على سوريا فحسب، بل يشمل كل البلدان التي يعيش فيها الكُرد. ففي العراق، عانى الكُرد على يد نظام صدام حسين والطائفة السُنّية لعقود طويلة، لكنهم كانوا دائماً يمدون يدهم للسلام والأخوة. رغم اعتقال مئات العناصر من الجيش العراقي، لم يفكروا يوماً بالانتقام، بل سعوا إلى التفاوض من أجل مصلحة شعبهم وتحقيق التعايش والتآخي والسلام بين الكُرد وباقي مكونات الشعب العراقي من السُنّة والشيعة وغيرهم. واليوم، أصبح إقليم كُردستان قِبلة لكل العراقيين لما يتمتع به من أمنٍ وأمانٍ وسلام.

وفي تركيا، رغم قرنٍ من النزاعات وسيل الدماء، وما تعرض له الكُرد من مظالم على يد الحكومات التركية المتعاقبة، ما زالوا يمدون يدهم للسلام ويدعون إلى التعايش والتآخي بين الكُرد والأتراك. وينطبق هذا الأمر كذلك على الكُرد في إيران.

إذاً، ما هو ثابت أن الكُرد حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم وحماية شعبهم ومناطقهم، لكنهم لم يكونوا يوماً دعاة حربٍ أو قتل، بل كان السلاح وسيلة للوصول إلى السلام.
ومن خلال ما سبق، نستنتج أن هذا الاتفاق أظهر للعالم أن إنسانية الكُرد انتصرت على شوفينية الآخرين، وأنهم صمام الأمان في الدول التي يتوزعون فيها، وحُماة الحريات والسلام والديمقراطية.

أما بخصوص الاتفاق الذي تم بين الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، فقد وُصف بالتاريخي، سواء من حيث طريقة توقيع الاتفاقية أو من خلال البنود التي تضمنتها، والتي تُطرح لأول مرة منذ تأسيس الدولة السورية.

وفي ظل الظروف الحالية، وتعقيدات المشهد السياسي، والمصالح الدولية والإقليمية، أرى أن هذه الاتفاقية مقبولة ومناسبة للجميع، ويمكن البناء عليها مستقبلاً سياسياً لضمان الحقوق المشروعة للكُرد في الدستور السوري القادم.

الكُرد قد يكونون أقوياء عسكرياً مقارنةً بباقي الأطراف، لكن في ظل هذه القوة خسروا ثلاث مدن كُردية بسبب المصالح الدولية. بمعنى أن القوة والدعم يأتيان من التحالف الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا لا يعني التقليل من شجاعة المقاتل الكُردي، ولكن المصالح الدولية والتفاوت العسكري هما صاحبا الكلمة الأخيرة في أي صراع. لذا، كان من الممكن في أي لحظة أن يُعلن ترامب الانسحاب، وكان الشعب الكُردي متخوفاً من خطوة كهذه، متسائلاً عن مصيره ومصير قوات سوريا الديمقراطية المحاطة بالأعداء من كل الجهات.

لهذا، فإن توقيع اتفاقية من هذا النوع يمثل صمام أمان للكُرد في سوريا، ويُبعدهم عن التدخلات والحروب المستقبلية، داخلياً وخارجياً، ويفتح الطريق نحو السلام، التعايش، والبناء. والأهم من ذلك، أنها جاءت بدعم أمريكي، ومباركة أوروبية، وإقليم كُردستان، وبعض الدول العربية، مما يبعث الطمأنينة لدى الشارع الكُردي بشأن تنفيذها وعدم الانقلاب عليها.

الشعب السوري أنهكته الحروب طيلة السنوات الـ 14 الماضية، ولم يعد أحدٌ يرغب في استمرارها. لقد فقد الناس أهلهم وأحباءهم، ودُمرت مدنهم، وهُجِّروا من بيوتهم. بعد سقوط نظام الأسد، يكفي هذا الصراع والدمار، وليحظَ الناس أخيراً بالأمان والسلام.

هنيئاً لكل الشعب السوري، بكُرده وعربه وكل مكوناته الأخرى، بهذه الاتفاقية التاريخية. نأمل أن تكون باب خير لشعبٍ عانى كثيراً.

كفى للموت… تحيا السلام!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…