مقتضيات المرحلة.. التهيئة لمواجهة كافة الاحتمالات والتعامل مع المتغيرات بفعالية... كوردياً وسورياً
التاريخ: الثلاثاء 14 حزيران 2022
الموضوع: اخبار



عزالدين ملا

الأزمة السورية مستمرة، وما زال الصراع حاضراً، وتعدُّ سوريا إحدى أكبر الأزمات الإنسانية قساوة ووجعاً.
إن عدم الاهتمام في هذه الفترة بالوضع السوري وتوجيه البوصلة نحو الحرب الروسية الأوكرانية يبعث على الخوف والقلق لدى الشعب السوري، الذي يرزح تحت ضغوطات اقتصادية ومعاشية خطيرة، مع تصاعد وتيرة الهجمات على مناطق عدة، ومن جهات مختلفة، تتزايد الهجمات التركية على المناطق الشمالية وخاصة المناطق الكوردية، وازدياد وتيرة ضربات جوية روسية على المناطق الغربية. وفي المقابل كثفت إسرائيل من ضرباتها الجوية على معسكرات الحرس الثوري الإيراني، مع قيام إيران بتوسيع نقاط تمركز قواتها نحو الوسط والشمال الشرق والشرق من سوريا.


هناك خطر يحدق بكوردستان سوريا، وتركيا تستغل الوضع الراهن لتنفيذ مخططاتها في كوردستان سوريا أمام احتدام الخلافات الكوردية، وأيضاً أمام الصمت الأمريكي وسياستها الضبابية في المنطقة والعالم.
1- ما تحليلكم لما يجري على الساحة الدولية والإقليمية والمحلية؟
2- هل هذه الأحداث بداية نهاية الوضع العسكري والبدء بالحل السياسي؟ أم بداية لمرحلة جديدة من الأزمات، عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا؟ ولماذا؟
3- هل تتوقع التأسيس لسيناريوهات جديدة؟ أو ان ما يحصل إدارة أزمة واستمرارها لفترة أطول؟ كيف، ولماذا؟
4- ما المطلوب للخروج من هذه الدوامة، عربيًا وكورديًا؟

السيناريوهات المتأججة تؤدي إلى مخاضات جديدة
تحدث الكاتب، ابراهيم اليوسف، بالقول: «يمر العالم الآن، في أصعب مرحلة في التاريخ، في ظل اضطراب العلاقات على أكثر من صعيد، إذ إن ما قرأنا عنه في نهايات الألفية الثالثة- على نحو خاص- من الحديث عن التفكك العام، وتوحُّش القوى المتحكّمة بات حقيقة مرئية، معاشة، تجري أمام أعيننا، بعد أن كنا نقوم مثل هاتيك الرؤى الاستشرافية بأنها بعيدة عن الواقع، في ظل قراءاتنا للقيم الإنسانية العليا، لاسيما فيما يخص تنظيم العلاقات، أو العلاقات الناظمة، في زمن الفوضى الخلاقة التي لا يهم عصائب مهندسيها ما يترتب على الشعوب التي تعيش ضمن حقل اختبارها، أو مختبرها، أو مسرح تجربتها، ولعل ما جرى في مكاننا ليس إلا أحد نتائج هذا العبث المخطط له، والذي لا يمكن التحكم بنتائجه- بارومترياً- لأن العمالقة الكبار المتحكمين بدفّة تسيير آلة الفتك، لا يكترثون بالآثار التي تنجم عن مثل هذا الخراب والقتل الهائلين، لطالما إن ارتفاع وتائر- حمامات الدم- التي تتم إنما تنعكس عليها بفوائد جمة: تجريب الأسلحة ما بعد الحداثية أو التخلص من الأجيال القديمة- من جهة- بالإضافة- إلى ما يدره كل هذا من أموال هائلة، تدفع من قبل ممولي الحرب، أو المهددة عروشهم، لقاء تمديد أمد هيمنتهم، وهذا كله ليس- في التالي- إلا مساهمة في تنفيذ تفاصيل المخطط، لطالما إنه يؤدي إلى إبادة الشعوب، عبر شبح الحروب وكابوس الإفقار، ونشر الأوبئة ، وهذا امتداد لما هو صنيع آباء سياسات هؤلاء في عالم الغرب، الذي يعيش حالياً أزمة أخلاقية كبرى، يمكن فهم بعض تناقضاتها، أنّى قارنا بين المبادئ النظرية التي يطرحها هؤلاء، وبين الواقع العملي لسياساتهم التي تجعل شعوب المنطقة وقوداً لأتونها الذي لم ينطفىء بدءاً من الحرب العالمية الأولى، ومروراً بالثانية، وليس انتهاء بالحرب العالمية الثالثة التي لا تزال تلتهم الأخضر واليابس، بأشكال متعددة، من دون أن تهدأ!؟».
يتابع اليوسف: «في تصوري الشخصي، أن ترجيح الحل العسكري، على الحل السياسي، هو نتاج أزمة مستعصية، أدت إلى مثل هذا الانحدار، كنتاج خلل في المعادلة التي يتوزع تحت جناحيها الأطراف المختلفة، وما إن يتم التحول من منطق العقل إلى منطق القوة، فإن التلاغي، والتحاطم. وتأسيساً، على جملة التناقضات التي تجاوزت الأزمة إلى مرحلة ما قبل الانفجار، أو الانفجار، أو حتى ما بعد الانفجار، في أكثر من حالة، فإن وشائج كثيرة انقطعت، وباتت تلوح في الآفاق بوادر وشائج أخرى، تكتيكية، أو استراتيجية. إن مرحلة الاضطراب، وعدم الاستقرار هذه أدت إلى استعصاء القراءة الدقيقة فيما يتعلق بما هو تكتيكي، عابر، وإن كان الاستراتيجي منهما أكثر وضوحاً. مؤكد أن الوصول، أو الانزلاق إلى هذا الحال نتيجة تحرُّك اللاعبين الكبير وفق مصالحهم، ودوسهم- في التالي- على كل الضوابط الإنسانية التي لما نزل نستمد تفاؤلنا، بل أوهامنا، من خلال التعويل الافتراضي عليها، من دون أن نعتبر من أمثلة عيانية كثيرة تمت أمام أعيننا، خلال عقد ونيف، وفق استقراء وتشخيص عامين، أو خلال بضع سنوات فحسب، وفق سواهما!».
يؤكد اليوسف: «أن مثل السيناريوهات، المتأججة،  تؤدي، في الأصل، إلى مخاضات جديدة، إذ لا استقرار، مرئياً، في المنظور الراهن، ولا في الأمد البعيد، وإن كل ذلك نتاج تأسيس لهذه الحالة، اللامسؤولة، في المنطقة، نتيجة العلاقات ضمن خريطة أكثر من مكان، والتخطيط وفق أهواء ومصالح الكبار، المتحكمين، ورسم سياسات الآخر، في ظل هيمنة الاستبداد، وإخضاع الشعوب في عالمنا، بل وفي أكثر من بقعة من العالم، آلة العنف التي سرعان ما تتحول إلى-مفرخة إرهاب- ها نرى، بأمات عيوننا، نتائجها الكارثية، الوخيمة التي نجنيها، بما يجعلنا نفتقد حالة الأمن والأمان، بعد أن بات العالم برمته مهدداً بضغطة زر من قبل أحد الحالمين بابتلاع الكرة الأرضية، وما فيها، وما عليها، رغم إنه ذاته وريث من كان يعد نفسه- في ظل وجود القطبين المتنافرين- في القرن الماضي، بأنه- مسمار الأمان- في عالمنا المقنبل، ليبدو كل منهما حامي منافعه ومصالحه، وإن على حساب حطام الكون وأشلاء كائناته!».
يضيف اليوسف: «لم يخلص أحد من العربي- كما الفارسي والتركي- وغيرهم من شعوب المنطقة المتعايشة مع الكرد، إلاه، إلا إن ما يجري الآن، أن جميع من ساهم هذا الكردي في تأسيس كينونته، راح يسعى إلى إلغاء كينونته شريكه المؤسس، وهو ما بات يتكرر منذ حوالي عقد زماني. الكردي ضحية رؤاه. ضحية إنسانيته. ضحية أخلاقه. ضحية فطرته. ضحية أصالته، وهو رغم كل المحن التي تعرّض لها- تاريخياً- ولما يزل يتعرّض لها، الأبعد عن السقوط في مستنقع الإرهاب، بل هو عنصر الاعتدال في سلوكه وفكره، ضمن أي رابط جامع: سياسياً، بل وقومياً، ودينياً. لقد آن الأوان، أن ينصف من قبل شركائه- أجمعين- ومنهم العربي، ليتحرر هذا الأخير من عصبيته، ويساهم في التأسيس للحظة المقبلة التي يعيش كل منهما في حالة تكامل، وأمان، وفق مواثيق تعطي لكل منهما حقه، بعيداً عن سطوة العقل المهيمن، الذي كان سبباً في ممارسة سياسات إنكار وجود الكردي، وتهميشه، وتذويبه، وإبادته، في جينوسايد غير مسمى، تحت أنظار العالم كله!».

سياسية الفوضى الخلاقة والواقع السوري
تحدث عضو المكتب التنفيذي لحركة الاصلاح الكردي في سوريا، كاظم خليفة، بالقول: «لم يعد يخفى على أحد بأن القضية السورية أضحت قضية دولية، وتحولت سوريا إلى ساحة صراع بكل المعايير بين القوى الدولية الكبرى المتواجدة على أرضها. الأمريكيون وحلفاؤهم من جهة، والروس والنظام وحلفائهما من جهة أخرى، ومن ضمنهما دول إقليمية ذات مصالح ونفوذ كبيرة في المنطقة كتركيا وإيران وغيرها بمستويات مختلفة. هذا التواجد الفعلي على الأرض والمصالح المتشابكة حوّلت القضية السورية إلى مسألة  شديدة التعقيد، وأضحت آفاق الحل مبهمة، فتحقيق المصالح والأهداف الاستراتيجية لهذه الدول غير مقتصرة على سوريا ومنطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاقتصادية والسياسية فحسب بل إلى السعي نحو تحقيق نظام عالمي جديد، يسعى كل طرف من هذه الأطراف إلى فرض  سياساته ومصالحه ودوره في هذا النظام، لذلك يمكن اعتبار ما يجري اليوم حرباً عالمية ثالثة بطابع جديد، ربما يكون الاقتصاد هو السلاح الأكثر فتكاً وفعالية فيه بالتوازي مع الآلة العسكرية والتي تخوضها هذه الدول اليوم في عدة مناطق في العالم، وقد تبدو هذه الحرب ضرورة عالمية لترسيخ مفاهيم وآليات جديدة يمكن للقوى الكبرى البناء عليها في قيادة العالم. لذلك لا يمكن أن نعتبر ما يجري في أوكرانيا أو اليمن أو غيرها من المناطق المشتعلة حرباً بمعزل عما يجري من صراع في سوريا لأنها نتيجة لموقعها الاستراتيجي الهام، ستكون ذات تأثير كبير على السلم في العالم. فروسيا تعمل على استعادة مكانتها كدولة عظمى عبر البوابة السورية التي ترتبط  بها من خلال مصالح  اقتصادية وسياسية كبيرة تعود إلى بدايات تأسيس الدولة السورية، ولها شركات استثمارية عديدة وطويلة الأجل، ولابد أنها ستسعى بكل إمكانياتها للدفاع عن النظام السياسي الحالي للحفاظ على مصالحها. ترى الولايات المتحدة الأمريكية سوريا بنظامها القائم تهديداً مصالحها في الشرق الأوسط من خلال دعم هذا النظام لقوى الإرهاب ورعايتها وتحالفه مع الدول والقوى المعادية لها، حيث تعد أمريكا محاربة الإرهاب من أولويات سياساتها. أما إيران وتركيا فقوتان إقليميتان رئيسيتان تسعيان إلى اعادة امجاد إمبراطوريتيهما، وتستغلان صراع المصالح الدولية لتهيمنا بأيديولوجيتهما على أكبر مساحة ممكنة في المنطقة، كما تبذلان ما بوسعهما لإنهاء القضية الكردية التي تعتبرانها خطراً على أمنهما ووحدة أراضيهما كما تزعمان وذلك ترسيخاً لنهجهما الاستبدادي والعنصري المتخلف. ونعلم أن هذا الصراع السوري قد خلّف دماراً وقتلاً وتهجيراً، وظواهر سلبية طالت كل جوانب الحياة في المجتمع السوري، وكادت المعاناة المعيشية أن تبلغ ذروتها، ولعل أحد  الأهداف الأساسية من كل ذلك هو تغيير ذهنية الناس وخلق نماذج جديدة».
يعتقد خليفة: «ان سياسية الفوضى الخلاقة قد نجحت إلى حد ما في رسم ملامحها على الواقع السوري، هذه الفوضى التي تعني في جوهرها الهدم أولاً وإعادة البناء، ومن مستلزماتها خلق  مناخ يساعد على نمو وتطوُّر هذا المشروع الذي صرحت به ذات مرة وزيرة الخارجية الامريكية كوندليزا رايس. وأعتقد أن ذلك يمكن أن يكون تأسيساً لفكر ديمقراطي في المنطقة حرمتها الأنظمة الاستبدادية على شعوبها، وهذا يعني أن الامريكان أصحاب مشروع ديمقراطي، ويقابله نظام استبدادي الذي يخدم المشروع الروسي وحلفائه».  
يتابع خليفة: «نعم، لابد من الحل السياسي في النهاية وكما يدّعي جميع الفرقاء، ولكن هذا لا يعني أن ذلك سيكون دون حرب اقتصادية وعسكرية منهكة، فالسمة الأبرز لمرحلة التحولات هي التناقض والصراع على مختلف الاصعدة وخاصة في ظل المصالح المتشابكة، حيث لا تسطيع قوى محددة أو دولة بذاتها في فرض هيمنتها الكاملة على الساحة السورية بسهولة ويسر. لذلك يبدو حل المسألة السورية مرتبطاً بالكثير من التعقيدات، وبالرغم من القرارات الدولية في الشأن السوري لم تعمل الدول المتصارعة من أجل الوصول إلى الحل الشامل بقدر ما عملت على إطالة الأزمة وادارتها مع توزيع مناطق نفوذ لها كونها لم تصل فيما بينها بعد إلى توافقات مرضية للأطراف المتصارعة، واعتقد الحديث عن الحل في الوقت الحاضر هو مجرد تكهنات ورغبات فحسب وفي المدى المنظور لن يكون هناك حل للقضية السورية قبل انتهاء الحرب الروسية الاوكرانية، وما ستخلفها من نتائج وآثار على الساحة الدولية دون اغفال أو تجميد الملف السوري الذي  ترتبط به باقي الملفات، وتأكيداً لذلك قررت وزارة الخزانة الامريكية في هذا التوقيت منح التراخيص للشركات الاستثمارية في مناطق محددة لا تخضع لسيطرة النظام السوري، وقد يكون هذا القرار في ظاهره اقتصادياً، ولكنه في جوهره سياسي بامتياز، وهو يؤكد أن الحل السياسي للقضية السورية لازال بعيد المنال، وكذلك يعتبر هذا شكلاً جديدًا للصراع وورقة ضغط على النظام السوري وحلفائه لإعادة النظر والالتزام بالمسار السياسي والقرارات الدولية ذات الشأن بالقضية السورية، وإن اصدار هذا القرار في هذا التوقيت بالذات يبين من جهة أخرى مدى ترابط الملفات الدولية ومدى تفاقم الأزمة بين القوى العالمية المتصارعة، والتي لابد أن تجد طريقها إلى الحل حينما تبلغ ذروتها. ولابد من التذكير أن الدول العربية وباستثناء فترة بدايات الثورة السورية لم يعد لها أي دور هام في الحدث السوري نتيجة لحالة التشرذم والضعف المهيمن عليها وتبعية هذه الدول لمحاور مختلفة، لذلك يُعتَبرون الحلقة الأضعف في هذا الصراع وأدوات لتنفيذ أجندات الاخرين. أما الكرد في المنطقة فقد كان لهم دور بارز في مناهضة النظام الاستبداد ومقارعة التنظيمات الإرهابية وهزيمتها على جبهات عديدة من خلال قوات البيشمركة ووحدات حماية الشعب، إلا ان عدم  تحقيق وحدة الموقف الكردي سيشكل خطراً كبيراً على قضيتهم التي تعتبر جزءاً أساسياً من القضية السورية العامة، وإن الخلاف الكردي إن استمرَّ سيحرمهم من استحقاقات المرحلة القادمة وسيحول دون تحقيق أي مكسب قومي بالرغم من التضحيات الكبيرة التي قُدموها».

الكورد شركاء في بناء شرق أوسط جديد
تحدث رئيس فيدراسيون منظمات المجتمع المدني- كوردستان سوريا، حسن قاسم، بالقول: «نحن وسط نظام متحرك ينتقل تدريجياً إلى هندسة مختلفة. ويعني هذا الانتقال، أولاً، الدول الكبرى المتحكّمة بمفاصل النظام الأساسية، بدءاً من دولة لا يشك أحد أنها عظمى، ولو أنها تبدو خائفة من وصول منافسين آخرين إلى مرتبتها. ومن ثانية، كانت دولة عظمى حتى انهيار جدار برلين، يوم تقلصت رقعتها وتراجع نفوذها، وراح من يتعامل معها كقوة إقليمية في محيطها المباشر، لكنها ما لبثت أن سعت مجدداً للفوز بمرتبة عالمية، ومن أوكرانيا إلى سوريا فأفريقيا، بدت كأنها استعادت، ولو جزئياً، تلك المكانة يعني هذا التحول، أن تفُّرد الولايات المتحدة بمجمل النظام بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لم يدم طويلاً، إن لم يكن في حقيقة الأمر سراباً، واندثر بفعل النهوض العسكري الروسي وشبه المعجزة الاقتصادية الصينية. ويشي التحول بأننا في خضمّ عملية واسعة لإعادة توزيع القوة بين الدول الكبرى، وإنْ كانت الولايات المتحدة لا تزال تتميز عن غيرها باستجماعها معظم عناصر القوة: من ماكينة عسكرية لا شبيه لإمكانياتها، إلى عملة ما زالت الأكثر شيوعاً في العالم، إلى قفزات تكنولوجية لا تتوقف وتيرتها لحظة. ولكنّ دولاً أخرى صارت عازمة هي الأخرى على استكمال عناصر القوة باتت تحدد اليوم والتكنولوجيا السيبرانية كما الذكاء الصناعي هما من أهم مكوناتها. لكنّ إعادة توزُّع القوة لا تنحصر البتة بالثلاثي السابق. فلدى أوروبا من الإمكانيات ما يؤمّن لها موقعاً لا يستهان به في النظام الدولي قيد التكون، إذ تمكنت مؤسساتها المشتركة من تجاوز وقيعة «بريكست»، بينما يُعبّر الأوروبيون عن تمسك متزايد بما يجمعهم، بدءاً باليورو و«شينغن» و«إيراسموس» وغيرها من المنجزات، ولو أن قدرات القارة الهرمة في المجال العسكري لا تقارن بإمكانياتها. في المقابل، فإن عودة الدول العظمى للتركيز على التنافس فيما بينها، فتح الباب أمام قوى وسيطة تمكنت من حيازة هذا أو ذاك من عناصر القوة، فأرغمت القريب والبعيد على أخذها بالحسبان. وهذه حال إيران التي تمكنت من تعظيم قدراتها الصاروخية ومن بناء تحالفات آيديولوجية متينة مع قوى تدين لها بالولاء، كما هو حال تركيا التي تمكنت من بناء خط استراتيجي، متعرج إنما مستقل، خلال العقدين الماضيين، دون أن تضطر للخروج من تحت المظلة الوقائية الأطلسية».  
يتابع قاسم: «تؤشّر خريطة الأزمات والحروب والصراعات المهدِّدة للسلم والاستقرار في العالم منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي باللون الأحمر، دلالة على اعتبارها بؤرة للتوتر والمواجهة الدائمة، مرشحة للتمدّد والاشتعال، على خلفية ما تعانيه منذ عقود من سلسلة من الصراعات المركبة، ويكتسب هذا التوصيف طابعَه المنطقي من الموقع الجيوسياسي للمنطقة كجسر بين الشرق والغرب؛ وهو ما يسهّل أن تكون بيئة حاملة وسيطة لانتقال التحوّلات الحضارية الكبرى في العالم، كما الصراع داخلها، وهو ما يفسّر الإحالات الدائمة إلى الخلفيات التاريخية في تفسير مثل هذا الواقع. ولكن هذه الإحالات غير كافية لوضع الحقائق في مكانها، على ضوء تعدّد تجارب أمم أخرى واجهت استعصاءاتٍ جغرافية وتاريخية خطيرة، نجمت عنها حروبٌ وصراعاتٌ دموية كبرى، لكنها وجدت طريقها في نهاية المطاف إلى السلم الأهلي واستتباب الأمن والاستقرار والتعاون والتعاضد الاجتماعي. ومن ذلك، يمكن تقييم ما تنطوي عليه منطقة الشرق الأوسط من إمكانيات تَحَوّل، رغم التناقضات التي تعاني منها، وهي وريثة حضاراتٍ كبرى منذ فجر التاريخ، دشّنت حقبة الحداثة، من دون أن يتحقق التصالح بين تراثها وجوهر الحداثة المتبنّاة، ولو شكلياً، في أنظمتها الجديدة. مع الأخذ في الاعتبار دور تدخّل العامل الخارجي في صنع سياسة الدولة، وتعميق التناقضات الداخلية، وتحويلها إلى عوامل صراعات تعيد إنتاج أزمات متفاقمة».
يضيف قاسم: «إن طبيعة المنطقة الاستراتيجية تتسم بأنها معبر، ليس للتجارة البينية وتبادل البضائع وتنقّل الرحالة والمستكشفين فحسب، وإنما لتبادل الأفكار والآيديولوجيات، واستشراف الطموحات، وتلاقح القيم والمفاهيم الإنسانية، وخبرة الأمم. ومن هنا يتداعى السؤال المشروع عما إذا كان استمرار الصراع والتناحر واللااستقرار ودوام الاضطراب والأزمات التي لازمت منطقتنا قدراً لا يمكن الفكاك منه، أم أن تجارب شعوب وأمم في مناطق أخرى من العالم عانت مما نعاني منه، واستطاعت أن تتجاوز ذلك وترسم لها مساراتٍ مغايرة تماماً، ونجحت في أن تتحوّل إلى نماذج بنّاءة تُحتذى. فهل لشعوبنا أن تحدّد لمستقبلها خياراتٍ بديلة تضعها في مصاف الأمم والدول المتطورة؟ بداية الألفية الثالثة هي بداية قرن الاستقرار العالمي من خلال تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بخصوص الشعوب وتقرير مصيرهم بنفسهم، ووضع أسس الديموقراطية والعدالة الاجتماعية بين الشعوب والمجتمعات والدول بما فيها التعامل بين الأنظمة القائمة وشعوبها. وأن عصر الديكتاتوريات وحكم الفرد والعائلة قد ولى، وغربت شمس بقائه. وأن من حق الشعوب أن ترى شمس الحرية تشرق على بلدانهم وخاصة الشعب الكوردي الذي هو من أكبر الشعوب الذي لم يحصل على حقه في تقرير مصيره بنفسه أسوة بالشعوب الأخرى. وأن وطنه المجزأ يجب أن يتحرر، ويتوحّد ليرى نور الحرية، ويشارك مع شعوب المنطقة في بناء صرح الحضارة الإنسانية من دون ان يزاحم أو يعادي أحد من الشعوب. وعلينا نحن الكورد أن نفهم أن طريقة التعامل مع الأزمات قد تغيرت، وأننا نحن طرف في أية معادلة قد تجلب السلم والأمان للمنطقة من خلال تغيير أنظمتها الديكتاتورية والإستبدادية والفاسدة المفسدة». 
يؤكد قاسم: «أنه علينا أن نقرأ الحقائق كما هي لنأخذ مكانتنا في المعادلة الصحيحة ولنكون عنصراً للحلول وليس لاستدامة الأزمات أو ترك مكانتنا في صلب المعادلة لنجعل مكاننا فراغا قد تؤذينا وتشكل أذى للمنطقة. أمامنا استحقاقات ملحة، نحن الكورد شركاء في بناء الأنظمة في المنطقة، وشركاء فاعلين، وجودنا على الأرض يثبت ذلك، وأن أي تحرك بمعزل عن الكورد مصيره الفشل الأكيد، كوننا نشارك فعليا مستقبل تركيا وإيران وسوريا والعراق، وبالتالي علينا ان نشارك في بناء شرق اوسط جديد وبأنظمة جديدة مع حصولنا لحقنا في تقرير مصيرنا بأنفسنا. وفي ظل المساعي الدولية القائمة لدفع الوضع السوري المتأزم نحو الانفراج عبر الحل السياسي والبدء بمرحلة الاستحقاقات ومحاولات الحلفاء بقيادة أمريكا لإقامة المنطقة الآمنة، تسعى تركيا ما بوسعها لإنهاء الدور الكوردي فيها ليخرج من العملية خالي الوفاض دون تحقيق أية مكاسب قومية، ونسف المبادرات الجارية وإجهاضها، لمنع تحقيق أية مصالحة كوردية – كوردية وفي مقدمتها المبادرة الفرنسية المدعومة أمريكيًا».
ويردف قاسم: «ضمن المعطيات والظروف الراهنة يتطلع الشارع الكوردي إلى تحقيق توافق بين الأطراف السياسية الكوردية الفاعلة على رؤى وآليات موحدة، لتثبيت الحضور المؤثر وأداء الدور اللازم في مواجهة التحديات وتأمين الاستحقاقات القومية والوطنية، ويُتأمّل من القوى الكوردستانية المتنفذة الدعم والتأييد من منطلق قومي استراتيجي، وهنا لا بد من إبداء أقصى درجات الجدية والمسؤولية وتجاوز المصالح الحزبية الآنية والضيقة. ان أي تفرد في التمثيل واتخاذ القرارات المصيرية ستكون النتائج وخيمة على المستوى العام والخاص، لذلك  ومن مقتضيات المرحلة التاريخية المفصلية التأهل والتهيئة لمواجهة كافة الاحتمالات والتعامل مع المتغيرات بفعالية من خلال ترتيب البيت الكوردي أولاً ثم التنسيق والتشارك مع باقي مكونات الوطن بمساعدة ودعم الأصدقاء والحلفاء من الدول العظمى».

أخيراً: 
إذاً، كل ما يجري يدخل في خانة المصالح وخدمة الدول الكبرى، وكل تغيير حاصل، أو سيحصل سيكون بما تملي عليه أجندات أمريكا وروسيا، والانتقال إلى الحل السياسي لن تكون إن لم تخدم مصالحهم، وما يترتب علينا نحن السوريين أن نتقبل بعضنا ونمد يد التسامح والإخوة، وعدم إلغاء أو تهميش الآخر، بذلك نكون أولى حلول لإنهاء المعاناة وبداية بناء اللبنة الأساسية لمستقبل سوريا للجميع، سورية ديمقراطية اتحادية لا مركزية.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=28424