زناور حاجو: إعادة رسم للملامح واعتذار أول!
التاريخ: الخميس 10 كانون الأول 2020
الموضوع: اخبار



 إبراهيم اليوسف

يأخذ الحديث عن الشخصية الوطنية و الاجتماعية لديّ: زناور جاجان حاجو، بعداً أشبه بماهو ذاتي، وإن كنت في الأصل، سأحاول الاستغراق ضمن محيط ماهو عمومي، محددات، وملامح، وإشارات، إذ إنه من أولاء الذين عرفتهم، منذ طفولتي، بل إن اسمه وشقيقه: مجيد وشقيقتهما مكرمة كان يرد في فضاء البيت الأول الذي عشت فيه، يرتبط باسم كل منهما، وأمهما: رغدة شيخ حسن شيخ سعيد. ابنة جدي- شيخ حسن- الذي يرقد الآن في أعلى تلة- بياندور- حيث توفي وهو في ضيافة: ابنته وصهره جاجان، وكان من الوجوه المعروفة آنذاك.  سيد قرطمين، مختارها، وجهها العائلي مع أبناء القرية: الأهل، بتصنيفاتهم المروية، المعروفة.


زناور عرفته، سواء أكان ذلك في بيتهم على الشارع العام في تربسبي- قبورالبيض، المعربة إلى القحطانية: مركز نفوسنا الذي غيراسم مسكننا من"كرصوار" إلى سبأ"، أو في قرية تل أفندي التي ولدت فيها، أو في بيتنا في قامشلي الذي سكناه، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، أو في بيته لاحقاً، في قامشلي، أو السويد، حيث استضافنا مشعل وأنا، محتفلين بنا، برفقة د. عبدالباسط سيدا، وآخرين، بحضوروجوه العائلة، وكتابها، و بعض فنانيها، كما جوان، وكانت من اللقاءات التاريخية، ضمن زيارتنا إألى أوربا في العام2004، حيث أقام آل حاجو وأصدقاؤهم ندوة لنا في ساندفيكن، حضرها جمهور نخبوي مميز!
تقويم أبي لزناور. خياله عن قرب. صورته- وهوخاله- بأنه الأكثرشعبية، ومرحاً، مقارنة برسمية شقيقه الرصين مجيد، أو سلاسة شقيقته مكرمة جاجان زوجة الكاتب بطي بطي،  التي أخذت زوجتي- أم بناتي وأولادي- اسمها- حباً بها، من قبل خؤولتها. جسراً من ضوع وضوء عائليين، ليؤمن  لي  الخال مجيد، وظيفة موسمية. أول عمل في مكتب الحبوب، بوساطة عدنان شمس الدين، مدير المؤسسة، ذائع الصيت، آنذاك، بينما ألتقي زناور، في بيتنا وهو يزور أبويَّ، بعد أن نال تعب السنين منهما، وإن على فترات متباعدة، وبعيد كل زيارة له إلى وطنه، بعد هجرته، وإقامته في المنفى السويدي، حيث سيوارى الثرى- هناك- من دون أن يتمكن ذووه من نقل جسده الطاهرإلى مسقط رأسه، في زمن كورونا البائس. 

هكذا وجدت، زناور، الخال، كما كنت أسميه، ألتقيه مرات عدة، أكثرها في بيته، أو عندنا، أو في مكان عام، بحضور آخرين، أتباهى به، حاملاً رائحة عمتنا، جدنا، أبي أمي، يحدثنا عن ذكرياته بين خؤولته في- قرطمين-  ومن ثم-إيلين- أو: 
، in erdka ، أو غيرها من قرى العائلة، هناك!
زناور حاجو- واسمه الأول كما يخيل إليَّ  صدى لمعاهدة أزنهاو-" وكان أبي يطلق عليه لقباً آخر محبباً- لطالما كان يورد طرائف عن خؤولته- وهو المتكلم  العميق وصاحب الدعابة وذو الروح السمحة- وكان كثيرون يحيلون بعض صفاته إلى  بعض خؤولته، كما بعض صفات كل من شقيقه وشقيقته- ولعلي أمام تفاصيل نافلة أمام العلم أو راسخة فيه- وهي- أي التفاصيل- الدائرة بأرومتها في ألفباء يوميات وثقافة العوام، وإن كنا نتحاشى ذكر مثل هذه الخطوط الجزئية من إرث تقويماتنا. يسأله أبي عن السياسة. عن الملا مصطفى بارزاني. كما يفعل مع مجيد ذي الهيبة الذي يسميه أبي، في مقام الإعجاب والإطراء: أفندياً- وهم أوائل بيوت كردنا المدنية- يسأل مكرمة جاجان حاجو عن فترة بقائهما مع الثورة الكردية. مع الملا مصطفى بارزاني، برفقة ابن عمها الطبيب الصديق الكاتب حزني حاجو- الذي ظلمته مرة في موقف وكان ذا قلب كبير- لتقول: أهديت- قامة- جدي. جدها حسن شيخ إبراهيم التي كان محتفظاً بها إلى الملامصطفى برزاني، وهووجه عائلته. وجه الأسياد، الشجاع. أحد وجوه هفيركان- بحسب تقويمات تلك المرحلة- وكان في تقويم العائلة: نحن أسرة دين وبيننا أمثال فلان وفلان وأولهم الشيخ حسن- واسمه في بعض الكتب- كما قيل لي- رجل دنيا ودين، أو دين ودنيا!
عمتنا رغدة. أم زناور، كانت تروي لأمي وأبي، وأنا بعد طفلاً، ثم صبياً، كيف كانت تخبىء وكناتها وخادمات العائلة، الآلة الكاتبة التي كان يعمل عليها مجيد- أيام العمل السري في البارتي- وهكذا بالنسبة إلى- الوثائق، والكراريس، وتشيرإلى موضع، لازلت أتذكره، لأستفيد من فكرتها وأنا أخبىء في أماكن ما، ما يجب أن أخبئه، ضمن فترة ما، حتى ولوكان ذلك رسائل حبيبة استثنائية، في تلك الأيام!
مازلت- هنا- في أسرودة ذاكرة البيت، وأنا أحد الذين باتوا يرتؤون أن على الكاتب عدم القفز من فوق مدونة بيته، لاسيما بعد فقدي مجلدات من كتاب التاريخ، والحكمة، والسيرة، والأساطير، واليوميات بفقد كبار العائلة، أعماماً، وعمات وخؤولة، مايدعوني لأدون عنوانات ما من ذاكرتي، أو من التقاطات ذاكرات الآخرين، من حولي، لنترك علاماتنا: من أين أتينا، لاسيما وأن وثائق قريتنا" جمرلو ç emerloke" جارة- أزناور- ومرابع خلف آغا، التي تعود إلى جدي شيخ يوسف، ناست بين يدي: عمتنا رغدة وأسرتها وما سمي الإصلاح الزراعي أو أملاك الدولة، ووزع قسم منها على المستقدمين من محافظات أخرى: الرقة،  من دون أن يكون لنا موطىء شبر أرض- فحسب-! ولاتزال دعوى قضائية أشعل أبي أول فتيلها الأول قبل سبعين سنة ننتالى على مدها بالزيت والأوكسجين والفتيل الجديد!
قلت للخال زناور: وماذا عن أرضنا في- بنخت- التي آلت إلى أيدي العائلة، وكان رده: استعيدوا ماهو في تركيا أولاً، وهوما لم تطالب به أسرتنا، من قبل، إلا ضمن حديث بيني، ضيق الدائرة، لأن الأرض بين يدي: عمتنا، كان جوابه جد مرن، ومقنع، لاسيما إن  جزء الأرض – في بن خت- تحت الخط- في أيدي آلة النظام، ولاادري ما مصيرها الآن؟.
لن أكون الوحيد، الذي سيدلي بشهادته عن ثقافة وعمق ذاكرة وتجربة زناور حاجو، فقد كانت جلساته التي يلتم خلالها من حوله نخبة من المعارف والأصدقاء من كرد وعرب وسريان- وهو ابن البيت الكردي، الأصيل،  المنفتح على المسلم كما الإيزيدي كما المسيحي كما اليهودي- وابن  العائلة  وابن أحد وجوه العشيرة التي تضم أدياناً كثيرة- إنها عشيرة- الهفيركان- إذ كانت ذاكرته مكتبة كاملة. يورد لي أسماء كتب قرأها، لمؤلفين ينتمون إلى ثقافات كثيرة، كما أنه كان يمتلك كازما شفافة- وثمة من له كارزما صارمة كما كارزما شقيقه مجيد- فقد كان يبهرني، فمثلاً حين كان يذكر لي تفاصيل بيت خؤولته، وسيرهم،  وبعض حكاياته، بدقة تصويرية بارعة،  كنت أقول: ليتني دونتها، وهكذا بالنسبة إلى التاريخ الكردي. إلى قصص وتواريخ البدرخانيين، الشفاهية- بأكثرها-  وهكذا بالنسبة إلى مساحات كردستانية، تكاد تتربع على تخوم الأجزاء الأربعة، بل وأبعد منها: سورياً، وعربياً، وعالمياً.
في العام2007- كما أتصور الآن- كان أبو كوران- أو أبو زيور- أو أبو سرور- أو أبو شاهوز، برفقة بعض من أسرته، ومنهم: شاهوز، الإعلامي، وصاحب موقع- تربسبي- الذي عمل على موقعه في مرحلة حرجة، من تاريخ إنسانه، عرضت عليه فكرة حوارمطول، في كتاب؟، فرح لهذا العرض، ووضعنا برنامجاً منتظماً، للقاءاتنا العصرونية، دام أسابيع. كان يتكلم، وكنت أدون- رؤوس الأقلام- وأكثر، على أن أعود إليها، وأصوغ مارواه، في إطار مناسب،كي أطبعه ضمن كتاب،  إلا أن ما حدث- مع الأسف- أنني أكرهت على السفر، إلى الخليج، على حين غرة، وبقي الحوارعلى كراس- أتصوره- من دفاتر مسودات فواتير  قديمة لمؤسسة" " ما- كنت حصلت عليها، عن طريق أحد العاملين فيها، وكلما تهاتفنا، بعد سفري- وكان هو من يبادرفي مناسبات العائلة- على نحو خاص، أو عندما زرته في بيته، في ساندفيكن، في آخر مرة، بتدبير ممن أراه امتداداً لروحه: شاهوز، ووجدته في حال آلمتني، أنبت نفسي، قائلاً:
كان علي أن أشتغل على المخطوطّ
لا لم أكن لأعلم أن غيابي عن وطني سيطول!
في الحوار المطول، أحداث جد مهمة: كردستانية، وعائلية، وشخصية. ذكريات المغترب، وبعض ما يتعلق بالشأن المكاني العام، أومحطات مهمة من تجربته. أعرف أنني خذلته، كما فعلت مع حوارات عديدة: حوار حامد بدرخان- على سبيل المثال، وقد أشرت إلى أكثرها!  إذ بقيت هذه الحوارات حبيسة الأدراج وأرفف الأرشيف المتنقل، نتيجة إهمالي، وإن كنت أبدو كثير النشاط، في أنظارسواي، نتيجة علاقاتي مع الوسط الذي أعيش فيه، إلا أن هناك أخطاء جد كبيرة تمت في هذا الميدان، وآمل أن يصلني المخطوط- مع سواه - بعد أن احتفظت بكل ذلك في بيت قريب لي هاجرهو الآخر إلى أوربا!
ثمة الكثيرالذي أتذكره، من جلساتنا البينية، ولعل من أبرزها ممارسته الرقابة علي حديثي، من جهة سالإصرار على تنقية كرديتي من العربية، ومن بينها قولي Mina kitiband فيقول: أليست عبارة:  المنفتح  Min nivisand أفضل، ماجعلني أكثرانتباهاً على التحدث بلغتي الأم، في حضرته، بينما الآخرون- عامة- لايدققون، على كرديتي المحتلة بالمصطلح غيرالكردي، بما لايتوافق حتى مع لغة كلا والديَّ: أمي وأبي!
جاء خبررحيل الخال زناور جد أليم، بالنسبة إلي، فلم أستطع أن أعزي به- على صفحتي الفيسبوكية- إلا بمفردات عدة، ولم أستطع كتابة هذا المقال، إلا بعد مرور يوم واحد، على تقديمي الأعزاء لأسرته، لأنجال أخيه، لأقربائه، ومن بينهم الكتاب والفنانون منهم واحداً، ناهيك عن بقية العائلة التي أعدها: عائلتي، أيضاً، ولقد كسرت رسمية الكتابة، وأنا أدون-هنا-  بل وأنا أخلك الخاص بالعام، حتى أشكل مقاربة من وجه جد حان، وجه يجمع بين عائلتين: عائلتنا وعائلة راحلنا الكبير، الوطني، القومي، صاحب الموقف، والإنسان! 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=27058