أن نكون هدفَ اتهامات جماعية «حول قضية عائلة فرمان بونجق مجدداً»
التاريخ: الجمعة 10 نيسان 2020
الموضوع: اخبار



إبراهيم محمود

قبل أكثر من " 120 " عاماً، تصدّى الروائي والكاتب الفرنسي إميل زولا للجهاز القضائي العسكري لدولة بأكملها " الدولة الفرنسية " في قضية أخذت شهرتها من خلاله، عُرِفت بقضية الضابط " دريفوس " وفي مقال مشهور تحت عنوان " إنّي أتهم J''''accuse "، موجّهاً إلى الجهاز ذاك تهمة الفساد، ورغم أنه سُجِن لمدة سنة، وخرج بعدها، إلا أنه انتصر بقضيته: قضية الكاتب المدافع عن الحقيقة، وليس لإثارة البغضاء، ولولاه لما عُرِف دريفوس، ولازال هذا الصوت صحبة ذلك المقال يُعتد به، وهو صوت المواجه للفساد والتزوير والتلفيق أنّى كان.
وما نسِب من تُهم إلى عائلة الكاتب والناشط الحقوقي فرمان بونجق، من قبل الصائدين في الماء العكر، وفي هذا الظرف تماماً، يضعنا، ككتّاب، في خانة المسئولية الأخلاقية الكبرى.


ربما كان الذي بُتّ فيه، بشأن المدعو " شاكر " ابن " فرمان بونجق " حالة من حالات كثيرة، لا أسهل من إيجاد نظائر لها في أوساطنا الكردية، وفي تاريخنا الكردي. وفيما لو تأكد ذلك، حيث يمكن توثيق الحالة بعد إرفاقها بالثبوتيات، أي باعتباره " مرتزقاً " تحت إمرة " المخابرات التركية " التي سيَّرته وآلافاً آخرين، وهو يقيم في تركيا مع زوجته، وبضغوطات مختلفة، إلى ليبيا " تُرى ماالذي قاده إلى هناك، لو ثبت ذلك؟ وهو سؤال يتوجب النظر فيه بإمعان "، وتُؤخَذ الحالة كما هي،ـ وبالمزيد من التحرّي، قبل إصدار أي حكْم. وبالطريقة هذه، يكون القائمون بالأمر قائمين بواجبهم الفعلي، ولا بد أنهم في سياق مدروس، يستحقون التقدير بالتأكيد، أما أن يكون ذلك، وفي منحى تزوير مواقف وأدلة لا صلة لها بالحِرَفيَّة المطلوبة، وفي مثل هذا الوقت حيث يسهل القيام بتلفيق أخبار، وتركيب صور، وحتى مقاطع فيديوية، من خلال تنوُّع وسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي...، أما أن يتم إخراج عائلة، وأكبر من كونها عائلة " آل " من انتمائها الكردي، وعلى خلفية حالة، كما قلت، فهي تتطلب المزيد من الحيطة والحذر، لئلا تفقد الجهة الرئيسة والقائمة بذلك مصداقيتها، والدفع بها إلى الجهة الأكثر استفزازاً وتخويناً " ترْكمنتها: اعتبارها تركمانية "، فهنا تكون الكراهية قد خرجت حتى عن نطاق كونها كراهية مألوفة: سمّها حقداً، ضغينة تاريخية، عمى أخلاقياً .
وهذا يعني استمرار الذهنية القديمة بأغلب سلبياتها التي تعيد إنتاج مثل هذه الكراهية الفائضة، والجاري تفعيلها هنا وهناك عند اللزوم ودون ضوابط كذلك، ويعني ذلك أن أياً منا، وتحديداً ممن يعملون في نطاق الكتابة، أو المجال الحقوقي والسياسي كذلك، معرَّض طيّ انجراف أخلاقي مدبَّر أو مختلق، لأن يطاح به بهذه السهولة، فتُنزَع عنه وعن عائلته وآله وحتى عشيرته أحياناً صفة الكردية، من منطلق عقائدي " دوغمائي ضيق ومنخور طبعاً "، وهذا ما حصل مع أسماء كثيرة، لها مواقفها المشرّفة، وتعرضت لتخوينات وتشويهات بدرجات متفاوتة، وإلى هذه اللحظة، والمؤسف جداً، أن هناك من ينتمون إلى هذا الحقل " الكتابي- الحقوقي ": أي من الكتّاب، قبل كل شيء، ولا يدّخرون جهداً في تقديم خدمات شتى وبطرق شتى، وعبر وسائل اتصال وترويج دعايات في هذا النطاق هنا وهناك، للذين يرون في هذا المسلك الأسلوب الأمثل لبقائهم والإساءة المستمرة إلى المعتبَرين خصومهم.
هذا الكلام، لا يستثني أي كاتب، وفي مثل هذا الظرف أو الوضع ومسئولية الكتابة الفعلية، في مواجهة تلفيقات مدمّرة بعائدها الأخلاقي. وأنا أشير إلى مقولة لا أظنها غائبة عن أذهان جملة كتّابنا الكرد، أنّى كانوا، وهي أن كل إنسان يحمل معنى، يميّزه عن غيره، ولا بد من ذلك، لتكون له بصمة في الحياة، غير أن الكاتب، أو من يُنظَر إليه مثقفَ مجتمعه، وحامل أوجاع وأفراح مجتمعه في روحه، له معنىً مضاعف، وبالتالي، أنه عندما يحرَم من ذلك/ هذا المعنى، فهذا يعني بتعبير أحدهم، أنه " ينزلق بطبيعة الحال نحو القبول بالعبودية " ويا لها من عبودية، نجد لها وجوهاً مثقَلة بها، وتمارس ضحالتها الكتابية، والتشويش على أن يعاكسون الريح .
فأي قيمة تمنح لهذا الكاتب/ المثقف رصيداً إنسانياً، اجتماعياً، قومياً وأخلاقياً، وهو يتنحى بعيداً عن أي مواجهة لأخطاء قاتلة، وتلفيقات فظيعة كهذه، ربما يكون نفسه ضحيتها اليوم لاحقاً، فيما لو فكّر يوماً أن يعرّف بنفسه صاحب موقف يُسجَّله له؟ وهذا يذكّرنا عن أولئك الذين عايشوا عذابات المعتقلات، والملاحقات، والمطاردات، والنبذ حتى من " أولي بني " جلدتهم، لكنهم كسبوا ذلك المعنى، وتأهلوا لدخول التاريخ من بابه الواسع. كيف يمكن الحديث هنا عن جلادت بدرخان، قدري جميل باشا، نورالدين زازا، رشيد كورد، وحامد بدرخان...؟
قضية فرمان بونجق باسم عائلته، وفيما ووجِه به، من تشويه سمعة ومكانة، وباعتبارها قضية ثقافية، قومية، إنسانية، وأخلاقية في الدرجة الأولى للكاتب الفعلي، هي قضية أي منا. وهذا يتطلب من أي منا، بالمقابل، الوقوف في وجه ممارسات كل أشكال الإقصاء والنبذ والتخوين الذاتي والعائلي كهذه، وتعرية من يتنشطون على هذا الخط. وهذا يوجِب على الذين لا زالوا يفكّرون بهذه الطريقة، ومن كانوا وراء مثل هذه تهمة بغيضة، تهمة جماعية، فئوية، وتصفوية، ونشرها هنا وهناك، والسعي إلى تجييش وعي آخرين على المنوال نفسه، ولئلا تزداد السمّية المنفّرة لفيروس عدائي كهذا، تقديم اعتذار خطّي، قبل كل شيء لعائلة فرمان بونجق، ولكل الذين لهم صلة بالموضوع، والتاريخ لن يكون في صفهم في النهاية، ولا بأي شكل بالتأكيد.
نعم، هناك من كتبوا تعبيراً عن هذا الواجب الكتابي، والأخلاقي، وأنوّه إلى الصديق إبراهيم يوسف، ولا بد أن هناك آخرين نوّهوا إلى جُرْم أخلاقي كهذا، وما كتبتُه أنا أيضاً، لا يخرج عن هذا الإطار بالتأكيد، وسوف يكون هناك المزيد ثم المزيد، في قضية " دريفوس " الكردية .
وإذا كان لي من كلمة أخيرة هنا، فهي أننا " ممَّن يتهمون " هؤلاء الذين استسهلوا إلصاق تهمة جماعية متهافتة أخلاقياً كهذه، كما هو حال زولا، لا نستهدف البتة، ولم نستهدف أبداً، ولا في أي يوم، بصدد وضع كهذا، العزف على وتر كراهية ما، أو تغذية الكراهية، أو إثارة الكراهية، إنما كيفية التحرر من " فتنة " الكراهية، والتطهّر من " كورونا " الكراهية، لأنها لا تستثني أياً كان، لحظة الانتشاء بها، وبالنسبة لنا خصوصاً. وهذا جلّ ما نتمناه...جميعاً...!؟







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=26152