القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 552 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: نحو المؤتمر العام لحزبنا الديمقراطي الكوردستاني – سوريا ( الجزء الرابع )

 
الأربعاء 22 اذار 2023


شاهين أحمد

نلفت عناية المتابعين الأكارم إلى أننا سنخصص هذا الجزء من سلسلة ( نحو المؤتمر العام لحزبنا الديمقراطي الكوردستاني – سوريا ) حول مايتم طرحه من قبل بعض الشركاء من صيغ " نبيلة لأغراض خبيثة " وذلك للقفز على القضايا الوطنية وخصوصيات المكونات وحقوقها ، وكذلك بعض المحاولات التي تستهدف إعادة استنساخ تجربة البعث وبالتالي إدخال سوريا من جديد في مستنقع الطائفية الآسن وبلون طائفي جديد، وكذلك حول مفهوم الأقليات والأغلبيات وطرح دولة المواطنة التي هي بدون أدنى شك شكل متقدم وأمنية لنا جميعاً ولكنها تحتاج إلى مناخات وأسس وشروط غير متوفرة حالياً في بنية وتركيبة المجتمع السوري .


بدون أدنى شك، وبصورة عامة، فإن الأقليات والأكثريات تتواجد غالباً جنباً إلى جنب في معظم المساحات والمواقع في أرجاء المعمورة، ولكن العلاقة بينهما تختلف باختلاف البقعة الجغرافية، وكذلك فإن مفهومهما أيضاً مختلف من بلدٍ إلى آخر، وخاصةً أن الفرق كبير في مفهوم الأقليات وألوانها، وكذلك الأغلبيات وألوانها بين الغرب الديمقراطي المزدهر والشرق المستبد البائس!. وكذلك فإنه لا الأقليات، ولا الأغلبيات ثابتة فيما يتعلق بالدور والمكانة في الغرب كونهما قد تتبدلان وتتبادلان الأدوار وتتغيران في كل دورة انتخابية. في حين أن الأقليات وكذلك الأغلبيات في شرقنا تبقى ثابتة وغير قابلة للتبدل أو التغير أو التبادل، وأي حديث عن محاولة التخلص من هيمنة الأغلبية تعدُّ جريمة، وتدخل في خانة المؤامرة والتجاوز على المقدسات!. وجدير ذكره أن الأغلبيات في الغرب تفرزها صناديق الانتخاب، وهذه النتيجة والشرعية الشعبية تعطي لها الحق في تشكيل الحكومات طبقاً لدساتير واضحة. ولكن يختلط الأمر على شرائح لابأس بها من شعوبنا، وربما نخبها إلى حدٍ ما لدى تناولهم لمفهومي الأقلية والأغلبية في معرض البحث عن أسس بناء الدولة وإدارتها، ودرجة أحقية الأغلبية في الحكم المطلق، وكذلك تحديد هوية الدولة، وشكلها وطبيعة نظام الحكم فيها!. لكن أية أغلبية وأية أقلية نحن بصدد توضيح الفرق بينهما؟ وهل الأغلبية والأقلية التي نتحدث عنها هنا في بلدان الشرق الأوسط وخاصة الدول المتعددة القوميات والأديان والمذاهب مثل بلدنا سوريا، هي نفس الأغلبية والأقلية التي نجدها في بلدان الغرب التي يتم فيها تداول السلطة بشكل شبه دوري؟ أم أن هناك فروقات كبيرة في التفسير لمفهومي الأغلبية والأقلية في البلدان الديمقراطية، وبين بلداننا التي مازالت تعاني الاستبداد والشمولية؟ وكذلك مامدى الفرق بين دور الأقليات في الغرب ومنطقتنا لجهة مراقبة عمل حكومة الأغلبية، وتنبيهها للأخطاء وتقويم عملها، ومايقابله من عداء وإقصاء وتهميش بين الطرفين في منطقتنا؟ .
من الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين الأغلبية في بلداننا وبين الأغلبية في البلدان التي تحكمها نتائج صناديق الانتخاب، حيث هنا في منطقتنا الأغلبية هي أغلبية قومية أو دينية أو طائفية، وتُستخدم هذه الأغلبية كوسيلة إقصاء للأقلية العددية، لأن منطلق الأغلبية ناتج عن مفاهيم خارج حدود الثقافة الوطنية، كون مجتمعاتنا مازالت تعيش خليطاً من التشكيلات الاجتماعية - الاقتصادية طبقاً لوسائل الانتاج، حيث نجد في بلدنا تشكيلات رعوية - زراعية، وأخرى قبلية - عشائرية، وأخرى دينية - مذهبية، وأخرى مدنية - برجوازية، وكذلك نلاحظ أن ثقافة المجتمع الأهلي هي السائدة لدى السواد الأعظم من مساحة الوطن، وماتزال ثقافة المجتمع المدني ضعيفة وخجولة، وثقافة المجتمع الوطني التي تشكل أساساً لدولة المواطنة والهوية الوطنية مغيبة تماماً، وبالتالي أي حديث عن الأغلبية في هذه الحالة يعني حصراً أننا في شباك إحدى الأنواع المذكورة (أغلبية قومية أو دينية أو طائفية)، وبالتالي الأغلبية في منطقتنا ليست أغلبية سياسية - وطنية جامعة للهويات الفرعية. وتتحول تلك الأغلبية إلى مظلة تمارس تحتها الإلغاء والإقصاء والاستئثار بالسلطات والثروات، وتجري من خلالها محاولات إذابة بقية المكوّنات الأقل عدداً في بوتقة تلك الأغلبية وعبر أساليب تتخللها كوارث وجرائم إبادة جماعية كما حصل لأبناء الشعب الكوردي في كوردستان العراق من خلال عمليات الأنفال والقصف الكيميائي وغيرها بحجة أن الكورد في العراق هم أقل عدداً من العرب، وبالتالي على الكورد - حسب المفهوم الشرقي للأغلبية في منطقتنا- أن يتقبلوا بكل مايحلو لتلك الأغلبية من ممارسات لاإنسانية وإجبار الأقليات على التخلي عن لغتهم وتاريخهم وخصوصياتهم وحقوقهم وممتلكاتهم ...إلخ ،كونهم أقل عدداً!. وهكذا نلاحظ أن الكورد في سوريا أيضاً تم معاملتهم من قبل نظام البعث بنفس الطريقة، وتم حرمانهم من أبسط حقوقهم القومية، ونفذت بحقهم مشاريع عنصرية، وسنت قوانين خاصة استثنائية بغرض القضاء على وجودهم ومحو هويتهم القومية. والمخجل أن غالبية المتصدرين للمشهد المعارض لا يختلفون عن نظام البعث فيما يتعلق بوجود وحقوق بقية مكونات الشعب السوري من غير العرب!. في حين نرى في البلدان التي تحكمها تقاليد ديمقراطية عريقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية نلاحظ أن هناك تقسيمات إدارية صغيرة في بعض الولايات لإتاحة المجال أمام مجموعات عرقية - محلية لانتخاب مرشّحها المفضل، والمساهمة في إدارة الدولة وتقديم الخدمات. بعكس مايجري في بلداننا حيث يتم تصميم قوانين الانتخابات كي تتمكن تلك الأغلبيات من إشباع رغباتها وإقصاء مكوّنات محددة من حقها في انتخاب ممثليها فيما إذا حدثت معجزة وكانت هناك إنتخابات!. ومن الأهمية التوضيح هنا بأن هناك فرقاً كبيراً بين الأقليات القومية والأقليات العددية، حيث الأقليات القومية يقصد بها تلك المجموعات القومية التي تترك بلدانها، وتهاجر لأسباب سياسية أو نتيجة عوامل أخرى مثل الحروب أو التهجير أو عوامل وكوارث طبيعية وظروف معيشية وغيرها وتستقر وسط قوميات أخرى أكثر عدداً وعلى أرضها. بينما الأقليات العددية تختلف وضعها القانوني واستحقاقاتها. فمثلاً الكورد في سوريا أقلية عددية وليسوا أقلية قومية لأن وجود الكورد في سوريا هو وجود شعب يعيش على أرضه التاريخية، تلك الأرض التي بقيت مع الشعب داخل الحدود الإدارية والسياسية الحالية للدولة السورية بموجب اتفاقيات دولية بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى وخاصة فرنسا وبريطانيا مثل اتفاقية سايكس - بيكو لعام 1916 ولوزان لعام 1923. بينما المكون الأرمني العزيز في سوريا وضعه القانوني مختلف لأنهم يشكلون أقلية قومية مهاجرة . والمؤسف حتى أن بعض القيادات في الحركة التحررية الكوردية أيضاً وقعوا خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين في شباك الشوفينيين عندما اختلط عليهم الأمر بين مفهومي  الشعب والأقلية القومية فيما يتعلق بالوجود الكوردي في سوريا!. والسؤال الذي يطرح نفسه على أبناء الشعب السوري الذي تعرّض ومازال للقتل والتهجير فيما إذا شاءت الأقدار وتوقفت المحرقة هو : 
ماهو الشكل الأنسب للديمقراطية الذي يناسب بلدنا المتنوع قومياً ودينياً ومذهبياً، ويتيح المجال أمام الجميع دون تمييز للمشاركة في الحكم والإدارة، وينعم الجميع بثروات البلد، ويقطع الطريق على إعادة استنساخ تجربة البعث المدمرة؟ .
يجب أن يدرك الجميع أنه بدون وضع آليات واضحة لتنظيم العلاقة بين مختلف المكوّنات على أساس الشراكة والتوافق والتوازن في إدارة الدولة والحكم سيبقى الصراع مستعراً بين الأغلبية والأقلية بشكل دائم حتى في ظل حكم ديمقراطية الأغلبية القومية أو الدينية أو المذهبية، وسيبقى الخلل في معادلة الشراكة في الإدارة والحكم وتوزيع الثروات، لذلك على الجميع واجب البحث عن صيغة ينهي هذا الصراع، ويحقّق التوازن في هذه العلاقة الإشكالية. وهنا من الضرورة أن نورد تجربتي الفدرالية في العراق وسويسرا . نلاحظ أن سويسرا دولة ناجحة ومستقرة بكل المقاييس، ومزدهرة اقتصادياً لأنها جعلت الديمقراطية التوافقية منهجاً لعملها وبين مختلف مكوناتها، واعتمدت الفيدرالية كشكل لدولتها والعلمانية لهويتها، فتحولت هذه التجربة إلى أهم عامل لتقوية وحدة الدولة السويسرية. في حين نرى العراق منقسماً نظراً لاعتماد مبدأ الأغلبية العددية وحرمان وإقصاء الأقلية، ورفضت الأغلبية مبدأ الشراكة والتوافق والتوازن ، وفشلت النخب في تعريف هوية العراق هل هي دولة وطنية - مدنية علمانية أم قومية دينية - مذهبية؟ كل ذلك نتيجة استئثار المكون العربي الشيعي الذي يشكل الأغلبية العددية بكل مقدرات الدولة، وتحاول قيادات هذه الأغلبية تارةً عبر ما تسمى بالمحكمة الاتحادية وأخرى عن طريق مختلف الهيئات و الوسائل تحجيم الكيان الفيدرالي الدستوري لكوردستان العراق مرة من خلال قطع الرواتب وأخرى من خلال فرض الحصار وعدم الالتزام بالدستور. وكذلك تمارس هذه الأغلبية الطائفية الاقصاء بحق المكون العربي السني وغيره من مكونات العراق، وبالتالي بقيت الدولة العراقية في حالة الفقر والجهل والأمية وعدم الاستقرار. بالمقارنة نلاحظ أن التجربين المذكورتين متماثلتان لجهة اعتماد الفدرالية كشكل للدولة، ولكن الأولى (سويسرا) عملت وفق نموذج الديمقراطية التوافقية، فنجحت وازدهرت. في حين أن الدولة العراقية بقيت ضعيفة ومنقسمة ومتخلفة في مختلف المجالات نتيجة اعتمادها سلاح الأغلبية العددية في الحكم والإدارة ، باستثناء إقليم كوردستان الذي يعيش حالة الازدهار والاستقرار نتيجة المشاركة الفاعلة من مختلف المكونات بالرغم من الحصار المفروض عليه، وحرمانه من مستحقاته المالية. ومن هنا علينا أن نتيقن بأن الدستور السوري المستقبلي يجب أن يتضمن مواد فوق دستورية ضامنة لحقوق مختلف مكونات الشعب، ووفق ضوابط واضحة، لقطع الطريق على أية محاولة من جانب الأغلبية العددية من شأنها حرمان المكونات الأقل عدداً من استحقاقاتها، وبيان آليات العمل الديمقراطي وفق مبدأ التوافق الذي يناسب مجتمعاتنا المتنوعة قومياً ودينياً ومذهبياً، وفسح المجال لمشاركة الجميع في عملية البناء والإدارة والحكم . وهنا من الأهمية التأكيد على نقطةٍ هامة وهي أن البرلمان السوري المستقبلي يجب أن يتكون من غرفتين أو مجلسين، مجلس للمكونات تتخذ القرارات فيه توافقياً وله صلاحية القرارات المصيرية داخلياً وخارجياً. ومجلس لنواب الشعب على أساس النسبة لكل مكون وكل منطقة، ويعود إليه صلاحية التشريعات. 
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ونشوء الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم ، وحصول توافقات وتوازنات دولية جديدة بين المنتصرين دفعت بإنهاء الوجود الأجنبي في بعض المستعمرات، نتجت عنها خروج القوات الفرنسية من سوريا في الـ 17 من نيسان عام 1946، قامت النخب الوطنية السورية المتأثرة بثقافة المجتمعات المدنية الأوربية بوضع أسس الدولة الوطنية لسوريا من خلال كتابة دستور أملاً في التأسيس لدولة مدنية تحكمها القوانين ، وتسودها العدالة وحقوق الإنسان . إلا أن موجة الإنقلابات التي قادها العسكر وإنتشار الفكر القومي العروبي وسيطرته على المشهد السياسي وضعف الوعي الوطني، وعوامل أخرى موضوعية نتيجة إنقسام المجتمع الدولي، والإستقطابات الحادة حول القطبين العالميين آنذاك (الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية )، أدت تلك العوامل مجتمعة في فرملة مساعي الحالمين بتأسيس دولة وطنية وأجهضت محاولات تطوير مفهوم الوطن الجامع لكل السوريين، وكانت الوحدة بين سوريا ومصر سنة 1958 بمثابة طلقة الرحمة على جنين الدولة الوطنية، وألحقت سوريا الوطن بمصر، ودفنت كل محاولات الحالمين بإقامة الدولة الوطنية السورية في مستنقعات الدكتاتورية . في الـ 28 من أيلول 1961 قامت مجموعة ضباط  سوريين بقيادة المقدم عبد الكريم النحلاوي بإعلان فك الإرتباط بين سوريا ومصر حيث  حاول الإنفصاليون خلق إنطباع بأنهم أكثر قوموية من عبد الناصر نفسه وذلك بالتشدد أكثر في مجال طرح الشعارات القومية. بعد أن فشلت الوحدة نتيجة عوامل عدة - لسنا في معرض شرحها في هذه المساهمة – منها تهميش سوريا وتدمير بنيتها الإقتصادية من خلال تأميم بنوكها الخاصة ومؤسساتها الصناعية الكبرى، وحل أحزابها وتسريح ضباطها، وإحكام القبضة الأمنية على مفاصل الحياة فيها ...إلخ .وبعد حصول الطلاق النهائي بين سوريا ومصر برزت في المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص عدة مشاريع ايديولوجية عابرة لحدود الدولة الوطنية السورية طيلة أكثر من نصف قرن ، ولم تنظر أصحاب تلك المشاريع إلى سوريا كدولة ذات جغرافية محدّدة ونهائية يستوجب العمل عليها ومن خلالها ، بل نظرت إليها كمنطلقٍ لتحقيق حلم أكبر وأوسع ، وكل تيار وفق رؤيته وعقيدته ، وبالرغم من التباين الإيديولوجي الكبير فيما بينها ، إلا أنها كانت - المشاريع - تلتقي في محاربة أية محاولة وكل صوت وطني طامح للتأسيس للدولة الوطنية في سوريا . وبالتالي تم إدخال سوريا لنفق الشوفينية المظلم تمهيداً لإنقلاب البعث في الـ 8 من آذار سنة 1963 ،هذا الإنقلاب الذي سرق سوريا الوطن من السوريين وسلمها لمشروع قومي عروبي إقصائي عابر للحدود وناشر للسموم في مفاصل مكونات الشعب السوري ، وطغت فكرة توحيد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج على الحراك الفكري، وغرقت الدولة الوطنية مرة أخرى في بحر المزاودات والشعارات القوموية !. وكي لايخرج علينا أحد من الإخوة ويشرح لنا مزايا دولة المواطنة نقول لهؤلاء بأن  " دولة المواطنة " تعتبر أحد أفضل النماذج التي نحلم بها، لما يحمل هذا النموذج من سيادة القانون والمساواة والعدالة الإجتماعية ، وتجاوز لحقول التمييز والعنصرية، وتوفير سبل العيش الكريم لقاطنيها، وفرص التطوير والمشاركة وشروط الانسجام والتوافق ...إلخ . لكن في البلدان والمساحة التي ننتمي إليها ربما لسوء حظنا مازالت المجتمعات الأهلية وثقافتها البدائية الإشكالية المشبعة بالأمراض الإجتماعية والمثيرة للكراهية والإنقسام هي الأقوى والأكثر نفوذاً، بينما المجتمعات المدنية وثقافتها هي الأضعف والأقل مساحة ولم تبدأ بعد وبصورة جدية عملية بناء المجتمعات الوطنية وثقافتها مازالت مغيبة تماماً . وإرادة مواطني مجتمعاتنا مصادرة تماماً، ومازالت بلداننا تعيش حروباً " قذرة ومركبة " كما يحصل في بلدنا سوريا منذ قرابة عقد من الزمن، وبالتالي الحديث عن هذا النموذج في هذه المرحلة هو نوع من الرفاهية وأقرب إلى الخيال منه إلى الواقع . وهنا من الأهمية والضرورة التذكير بأن الامور لاتقاس بالنوايا الطيبة بقدر تعلقها بالمعطيات الواقعية لذاك البلد الذي ننوي بناء هذا النموذج عليه. وبالتالي أي حديث عن دولة المواطنة في بلد كسوريا في هذه المرحلة يأتي إما كنوع من التهرب والقفز على الإستحقاقات المتعلقة بالهويات الفرعية الموجودة سواءً كانت قومية أو دينية أو مذهبية ،أو أنه جهل بحقيقة البيئة المناسبة والمناخات والمقومات الضرورية اللازمة لبناء دولة المواطنة. ولايمكن إطلاقاً بناء دولة مواطنة في بلد مازال منقسماً على نفسه ويعتبر نفسه إمتداداً لمشاريع عابرة لحدود جغرافيته. والجميع يدرك أن الأزمة السورية وبعد أن نجح نظام البعث وبالتعاون مع بعض أجنحة الأسلمة السياسية في القضاء على الحراك السلمي من خلال إستدراج الثوار إلى العسكرة، وتوفير المناخات اللازمة لدخول المتطرفين إلى حواضن الثورة والسيطرة على الجيش الحر، وظهور تنظيمات إرهابية متطرفة كـ داعش والنصرة وفراخهما، وتحريف الثورة عن سكتها وأخذها إلى مكانٍ آخر تماماً وتكوين لوحة صارخة على الأرض، وما نتج عن ذلك من شرخ مجتمعي كبير وإنقسام طائفي وديني وقومي وحتى مناطقي وتنامي الأحقاد والكراهية ،وتكوين مشهد يلامس نشوب حروب أهلية شاملة بين مكونات الشعب السوري وتكوين دويلات داخل الحدود الإدارية والسياسية المعروفة للدولة السورية، ناهيكم عن غياب مقومات المجتمع الوطني كلياً نتيجة ضعف المجتمع المدني وثقافته وسيطرة المجتمع الأهلي على طول البلد وعرضه، مما يعني بأنّ مفهوم دولة المواطنة هو أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع السوري ،ويعتبر من التمنيات والأحلام الجميلة الغير قابلة للتحقيق على الأقل في المدى المنظور في مجتمع يفتقر إلى أدنى شروط ومناخات هذا الطرح النبيل . وهنا ثمة أسئلة تطرح نفسها على جميع الشركاء في سوريا : إلا أي درجة يتقبل المواطن العربي في سوريا أن ينسى إنتمائه القومي للأمة العربية ويقفز فوق حلمه ببناء الخلافة العربية الإسلامية ؟. وكذلك المواطن الكوردي السوري الذي تعرض طوال أكثر من ستة عقود لشتى صنوف الإضطهاد لمحو هويته القومية، ولم يتحقق حلمه في الخصوصية القومية. إلى أي حد سيتقبل هذا الكوردي القفز فوق أحلامه وإنتمائه للأمة الكوردية ؟. وهكذا بالنسبة لأفراد بقية المكونات السورية . لتكن طروحاتنا واقعية كي لا نهدر المزيد من الوقت ، دولة المواطنة يمكن الحديث عنها فقط عندما يتم الإنتقال من المجتمع الأهلي والتخلص من ثقافته إلى المجتمع المدني ومن ثم التأسيس للمجتمع الوطني وذلك بعد إنجاز كافة الاستحقاقات المتعلقة بالهويات الفرعية ووضع حلول علمية وواقعية لها .
خلاصة الجزء الرابع 
بمعنى أن لكل مصطلح تعريفه المحدد، وأن لكل مكون من مكونات الشعب السوري وضعه القانوني وبالتالي استحقاقه، وأن هناك فرقاً كبيراً بين الأقلية العددية والأقلية القومية ، وكذلك هناك فرق شاسع بين الشعب والأقلية القومية كتعريف واستحقاق، وأن فكرة " دولة المواطنة " رغم نبلها وسمو قيمها إلا أن طرحها في هذا التوقيت وبهذا الشكل يثير شكوكاً لدى شرائح واسعة من شعبنا، وتندرج في حقول بعيدة عن أهدافها، وفي ظل ظروف استثنائية غير ملائمة إطلاقاً، كون بلدنا مازال يعيش حالة حروب وصراعات متنوعة ومركبة كما ذكرناه، وهذا الطرح يحتاج بدايةً إلى تأمين السلام والاستقرار ، والتأسيس لبيئة مجتمعية واعية وحاملة للثقافة المدنية وجاهزة لتقبل هذا النموذج من خلال وضع أسس سليمة للمجتمع الوطني بكل هدوء حتى تشارك في وضع أسسها كل المكونات وتتفاعل في ظلها كل الأفكار والمبادرات بشكل موضوعي وإيجابي هادف، والعمل على شمول كافة المؤسسات في عملية البناء لهكذا نموذج إنطلاقاً من تغيير مناهج التربية والتعليم لكافة الصفوف ومراحل التعليم وإخراجها من حقول الأدلجة وتصحيح المراجع التاريخية التي زورها البعث ووأد ثقافة الإقصاء والتطرف والشوفينية، ونشر وترسيخ ثقافة التسامح والتصالح، وتأسيس منظمات حقوق الانسان، والإعلام الرقابي الحر، وتقديم تسهيلات لتأسيس أحزاب على أسس وطنية ، وقبل كل شيء الإقرار بأن بلدنا متنوع قومياً ودينياً ومذهبياً وفسح المجال لمكونات الشعب المختلفة بممارسة خصوصياتها بحرية وإعتبار سوريا بحدودها الإدارية والسياسية الحالية وطناً متكاملاً ونهائياً قائماً على أسس الشراكة والتوافق والتوازن والطواعية . بمعنى أدق أن المطلوب من مندوبي المؤتمر أن يتفاعلوا مع هكذا مواضيع ، ويحددوا الموقف منها بوعي ودقة، لرسم مسارات التحرك للقيادة الجديدة التي ستنبثق من المؤتمر .
يتبع .....

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات