الحرب الصليبية الأخيرة
التاريخ: الأربعاء 08 اب 2007
الموضوع: القسم الثقافي



  د.آزاد أحمد علي
 كاتب وباحث كردي سوري-قامشلي
pesar@hotmail.com

كرست  باربرا فيكتور Barbara victor كتاب "الحرب الصليبية الأخيرة"* للإجابة على هذا التساؤل المقلق والمحير لأوساط أمريكية وعالمية واسعة  ومتباينة.
الكتاب نشر عام 2004 باللغة الإنكليزية في نيويورك تحت عنوان the last crusade, ثم نقل إلى الفرنسية، أما الترجمة العربية فهي عن النص الفرنسي.


الشكل العام للكتاب هو سردي أقرب الى سيرة سياسية معاصرة منها الى الكتاب العلمي الموثق والممنهج. توزع الكتاب على محاور وأقسام هي أشبه بالفصول، معنونة حسب مضمون المحور أو الفقرة، وهي عناوين فرعية مثيرة  ترتب تفاصيل محتوى الكتاب: (قال لي اليسوع, الشعب المختار الجديد . . . فليبارك الله أمريكا, الكل متحد في سبيل إسرائيل, أسياد اللعبة, اللوطيون في مدى النظر, مع وضد اليهود, أمريكا الراكعة, خفايا التلفزة الإنجيلية, الصهيونية المسيحية, الله في البيت الأبيض... وأخيراًَ زلزال الحادي عشر من أيلول, الحرب الصليبية الأخيرة, حرب لا منتصرين فيها).
عبر هذه العناوين الفرعية يرصد الكتاب تاريخ صعود اليمين المسيحي الى الحكم في أمريكا ويكشف عن الخلفية الاجتماعية والدينية لهذا التيار الشعبي الواسع والكبير نسبياً في ولايات  ومناطق عديدة من أمريكا. تنتقل الكاتبة منهجياً من المقدمات الى النتائج, وتلخصها في أهم وأبرز نتيجة، النتيجة - الحدث تجسد وتبلور في الحروب الخارجية الأخيرة لأمريكا.
لا يخفى على أي قارئ لهذا الكتاب بأن المؤلفة هي كاتبة صحفية علمانية تميل الى اليسار، وقد بنت منظومة أفكار الكتاب على وقائع وشواهد منتقاة من الواقع الأمريكي لتثبت من خلال دراسة التفاصيل، آليات تحول النخب العلمية والثقافية الأمريكية المأزومة نحو الدين المسيحي عموماً، وكيفية التحصن داخل إطار المذهب الإنجيلي على وجه الخصوص.
لذلك تلتقط حياة مجموعة من رجال ونساء السياسة والعلم والاقتصاد في أمريكا وتسرد بإسهاب كيفية تحولهم المتدرج إلى المذهب الإنجيلي، ومن ساعدهم على ذلك من شخصيات متنفذة ومنظمات فاعلة تمتلك إمكانات مالية هائلة. وتسلط الضوء على ما قدموا لهذا التيار الإيديولوجي والسياسي من خدمات ومساعدات، حيث مازالوا يتابعون رسالتهم الأيديولوجية والسياسية.
وتشير بشكل فاقع وتهكمي إلى أن معظمهم يؤكد على الاتصال المباشر الذي حدث بينهم وبين المسيح / الله, في سياق عملية التحول الدينية ـ المذهبية هذه. إذ  تربط باربرا فيكتور بين حياة ونشاط كل هؤلاء المنتمين الى أطياف النخبة الأمريكية والحركة التبشيرية الهائلة للإنجيلية وشبكاتها الإعلامية الواسعة، وتسلط الضوء على آليات النهوض الذي حصل باتجاه تبني مذهب المسيحيين الخلاصيين, وكيف تهيأت الظروف للسياسة الأمريكية لتحتضن وتتحالف وتتفاعل مع هذا التيار الديني – الماضوي – المسيحي المتطرف.
توضح الكاتبة في فصل (أمريكا الراكعة) على سبيل المثال، أن مقدمات الانتعاش الديني في المجتمع الأمريكي وبدايات سيطرة اللاعلمانيين على الحكم بدأ في عهد كارتر عام 1976 واشتد ذلك عندما تفجرت أزمة الرهائن في إيران عام 1979.
حيث تشير ساخرة بأنه قد نشر يومها صورة لكارتر وهو يركع في البيت الأبيض ويصلي للإفراج عن الرهائن, ص205.
وكان ذلك مؤشراً على نهوض ديني وتراجع ملحوظ للقيم العلمانية في أمريكا.
وقد استفحل هذا التوجه الديني في أمريكا مع ازدياد حملات ريغن ضد الاتحاد السوفييتي "الكافر" وعبر هذه الحملات وفي سياقها تم إنعاش التيار الديني الجديد لزجهم في هذه المعركة المؤدلجة ظاهرياً, كما استعان بالساسة والوعاظ والجمعيات الدينية لنيل الأصوات وترسيخ الطابع الديني للسياسة الأمريكية في عملية مزدوجة لمواجهة الاتحاد السوفييتي في حينه من جهة، ولضرب التيارات اللادينية داخل أمريكا من جهة أخرى.
وعلى هذه الخلفية تم إثارة القضايا الأخلاقية لإبراز عفة الساسة المتدينين الجدد الذين يحاربون اللواط والزواج المثلي. لذلك تم إدخال البعد الأخلاقي والقيم الشخصية بصورة سافرة في السياسات الأمريكية الداخلية أيضاً، بحيث مهدت مرحلة ريغن لبروز عدد كبير من الساسة والنخب من أوساط المحافظين الجدد, وكذلك تأسست أعداد كبيرة من المنظمات الدينية التي تدور في فلك الاعتقاد الديني المسيحي – الإنجيلي والنظرة الأسطورية للمسيح، هذه النظرة المرتكزة إلى الكتاب المقدس وسردياتها التاريخية.
وتلقي باربرا فيكتور أيضا الضوء على التلاحم والترابط العضوي الذي حدث بين الإنجيلين واليهود في أمريكا، وتكشف عن عملية التوحد في القناعات الإيديولوجية في مسائل جوهرية مثل: ( أرض الميعاد, وشعب الله المختار, والأرض المقدسة, وقيامة  المسيح...) والتي تفضي جميعاً الى المعاداة الشديدة للمسلمين والعرب منهم على وجه الخصوص.
في هذه المناخات صعد تيار اليمين المتطرف بقيادة المحافظين الجدد، وكانت أيديولوجيتهم بمثابة الرافعة لإيصال جورج بوش الابن إلى السلطة، يحيط به مجموعة من قادة ومنظري المحافظين الجدد وممثلوا الأوساط الدينية الأمريكية، فعمل الفريق لرسم سياسة أمريكا الداخلية والخارجية لتكون هذه السياسة متناسبة ومتكاملة ومنسجمة مع توجهاتهم ومعتقداتهم الدينية.
أمريكا تبدو في هذه المرحلة من تاريخها منغمسة في الدين بالصيغة الأكثر سوءاً, فالدين المسيحي يسيطر على كافة مناحي الحياة اليومية، قبل السياسية منها، وهو حاضر وفاعل دائما. لذلك تشير الكاتبة باربرا  إلى الخطورة التي تشكلها هذا الحضور الديني الماضوي وانتكاس وتراجع للطابع العلماني لأمريكا: "لم يكن الدين أبداً حاضراً في البلاد مثلما هو عليه منذ ربع قرن. الله في كل مكان, وسلطة العقيدة ومعجزة الصلاة تجتاحان كل دوائر البلاد من الحلقات الأرفع للسلطة الى الهواء الذي نستنشقه, من الشراب الذي نشربه أو نمتنع عن شربه الى مالنا, من يمين الولاء الى علمنا والى نشيدنا القومي, من الصلوات في المدارس الى الصلوات التي تسبق المباريات الرياضية, الى حد الابتهال الى الله في أندية البستنة أو أندية الرماية, في المحاكم حتى في السجون حيث 90% من المعتقلين البيض والمسجونين بسبب جرائم خطيرة ـ وجدوا الله – وأصبحوا من المسيحيين الخلاصيين" ص 119.
إن من جملة ما يمكن استنتاجه من قراءة هذا الكتاب الأمريكي النادر وبصرف النظر عن المحتوى الخبري – السردي، وانحياز الكاتبة الواضح إلى العلمانية، والبعد الدرامي للكتاب المستخلص من دراما حياة أهم شخصيات هذا التيار (  جون آشكروفت،جوليا بندغراست  آنيت لانتوس،جيري فالويل، بات روبرتسون،فرانكلين غراهام، عدد كبير من أعضاء الكونغرس ومفاصل هامة في الإدارة الأمريكية...)
هو أن حالة أمريكا الراهنة باتت أحد أبرز مفارقات العالم المعاصر، مفارقة أمريكا تكن أساسا في أن أمريكا الدولة تحولت إلى إشكال أيديولوجي وتاريخي.
والمفارقة تكمن أيضا في أن أكبر دولة في العالم وأكثرها تطوراً  من النواحي الاقتصادية والتقنية والعسكرية  تسيطر عليها قوة دينية تؤمن بالأساطير وتعمل من أجل تحقيق أطروحات دينية متطرفة، وتطبق هذه القوى أفكار ميتافيزيقية على واقع حداثوي تقني معاصر ومركب.
التناقض فاقع: فالدولة الرأسمالية الكبرى والأولى في العالم تحكم وتدار من قبل رموز فكر ديني ماضوي أسطوري، تفكيرهم أقرب إلى الخرافة والخزعبلات منه الى المعتقد الديني المتنور، فالدولة الحديثة الأولى في العالم يقودها رجال يعلنون دائماً أن السيد المسيح إلى جانبهم ويتحدث إليهم باستمرار!
وبناءً على هذا الواقع المشخص وفي حدود احتمالاته الدنيا المستعرضه ضمن متن الكتاب، يمكن الاستنتاج:
 أن الرهان على دور هذه القوة –  التيار الإيديولوجي الماضوي في تحقيق نقلة نوعية للبشرية نحو آفاق أوسع للتطور والحداثة ما هي إلا مجازفة كبيرة، ويبدو أن الانتظار سيطول لتأمين شروط أفضل لتحقيق الديمقراطية والعلمنة وحقوق الإنسان والسلام بقيادة هذه الدولة ـ الأيديولوجية، على الرغم من أنها ستبقى أمنيات وأحلام جميلة.
ــــــــــــــــــــــ
  • الحرب الصليبية الأخيرة
    -  باربرا فيكتور – ترجمة: حسين عمر
    -  المركز الثقافي العربي الدار البيضاء 2006
    -  عدد الصفحة 318







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=899