كارت بلانش: كم نحن عنيفين .. كم نحن واهمين
التاريخ: الأثنين 18 حزيران 2007
الموضوع: القسم الثقافي



  فتح الله حسيني

قبل عقود غير طويلة ، كنا صغاراً بعمر الشوك والورد ، نتهافت الى دخول دور السينما ، إذا كنا نملك "فلوساً " ندخلها راضين مرضيين ، أما عكس ذلك كنا ندخلها عنوةً ، من فوق جدران الدور التي كانت واطئة كنفسيات الواقفين على بابها كحراس للريح ولنا ، فلا ندخل إلا لمشاهدة أفلام عنيفة ، مثل زمننا ، ونتسابق الى شراء التذاكر كصف واحد كأننا في درس "فتوة "


وفي الصالة ، كنا نصفق ونهتف للبطل بروسلي وعنترة بن شداد ، وهرقل ، وبعد انتهائنا من صراعات الفيلم ، نمثل الأدور كل حسب عنفوانه ، فأحدنا يصبح بروسلي والثاني عنترة والثالث هرقل ، والبعض منا يتشبث بدور فريد شوقي الذي لم تكن أدواره تخلو من مشاهد عنف ، حيث "بوكساته " تغمي العدو اللدود ، له .
منذ صغرنا ، ربتنّا السينما على العنف ، ولكن ما أن كبرنا قليلاً وولجنا الى الجامعة ، حتى بتنا رتيبين أكثر ، فلا ندخل الى عروض أفلام العنف ، بل نلج الى الأفلام الرومانسية ، ونأخذ بيد صديقتنا الى آخر الكراسي ، فنقبلها بهدوء كلما كان يقبل عادل إمام سعاد حسني ، أو فاروق الفيشاوي إلهام شاهين ، او تقبل مارلين مونرو أي حبيب لها ، فلم نعرف من هو حبيب مارلين بقدر ما كنا نعرف من يبوسها من شفاهها ، وتركنا عادة "فصّفصّة البزر " في الصالة ، لأن شفاهنا كانت مشغولة بشفاه أكثر ملهاة من البزر وربّ البزر .
لم نكن عنيفين ، ولم نكن واهمين في نفس الوقت ، فقد كانت تستدعي الحاجة أن نكون عشاقاً وساسة وشعراء في الوقت عينه، ثم ما نلبث أن نكون سكّيرين في منتصف الليل والليالي، وعبثيين الى آخر درجات العبثية والمازوشية والرومانسية ، فكان يغني لنا أحد الأصدقاء ليعزف له الآخر بآلته الموسيقية ، ليرقص "الشباب" على أي نغمة تصادفهم الى أن ياتي الجيران وينبهوننا بأن أصواتنا عالية ، وأننا مزعجين ، فلا نهتم ، فيأتي المخابرات ليهتم .
نخرج من اجتماع حزبي الى رحلة حزبية ، الى احتفال حزبي الى مأتم حزبي الى حلقة شراب غير حزبية ، فالى فتاة تنتمي الى حزب آخر ، فبناتنا الحزبيات كُنّ حرام علينا ، هكذا كان يقول "الرفاق" ، فنظل نمجد مبادئ الحزب الآخر الى أن ننتهي من حزب الفتاة ، وشجنها وملهاتها وأباطرة مسراتها .
لسنا حجر ، نحن بشر ، نحترم الشجر والضجر ، فنحن باكورة زمن علمنا الألفة ، فغادرنا الخديعة طواعية .







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=785