هجار عيسى و خلق إضافات إبداعية خارج نطاق النمطية
التاريخ: الأحد 29 تشرين الثاني 2020
الموضوع: القسم الثقافي



  غريب ملا زلال 

حين يؤمن الفنان بأن الحقل الذي يحرث فيه سيثمر ، وأي ثمار ، ثمار مغايرة للمألوف ، ثمار لا تنصرم مع الزمن ولا تذبل أبداً ، حين يؤمن الفنان بأن بلورة الرؤيا لخلق كائنات تتحرى الإشتباك العميق فيما بينها أولاً ومن ثم بينها و بين كائنات أخرى من حياة أخرى ثانياً لا بدّ أن تكوِّن لديه نظرة أشمل و أوسع في رسم سياق خاص به دون أن يحتاج إلى مفاتيح مستوردة ، سياق يمنحه أسلوباً لها كل العلاقة بسرديات ميثيولوجية ، وهذا ما سيطبع عمله بخصوصيات نوعية ، خصوصيات في غاية الدهشة و الذهول ، خصوصيات بها سيعيد تفسير كل المظاهر الغائبة ، عبر مقاربة مفاهيم بها سيفضي إلى المنحى التجريدي التعبيري الضارب بجذوره في فرضيات قد تكون هي الحاضنة الجمالية لتجربته ، فهجار يبحث عن كائنات جديدة لم يخلقها أحد وإن كنا نجد ما يشبهها ترعى في حقول فاتح المدرس ، ليرسل فيها الروح في مساحات عوالمه أقصد لوحته ، 


فهذه الكائنات ستتوالد وفق ما يطرحه فناننا هجار وضمن توجه وعيه العميق لتأسيس أطروحات جديدة قد تحتاج إلى سجال طويل بينه وبين تلك الكائنات من جهة وبينها و بين المتلقي من جهة ثانية وفيما بينها من جهات أخرى ، و قد يخلق ذلك إشكالاً غير تقليدي وعلى نحو أخص في دمج مخلوقاته في الحكاية المعاصرة وهذا ما يجعله يطلق وضمن إحداثيات معرفية رؤية بها يتجاوز الخطاب الجمالي لحظة اندلاع شرارتها ، فمخالفته لكل المقولات المسبقة الصنع يُكرّس لديه تكوينات تعتمد على صوت متخفّ يستخدم تقنية المزاوجة بين زوايا الرؤيا ، بمعنى آخر يعطي المساحات كلها لمتلق يبقى مطولاً تحت وطأة كائنات هجار ليتحدث بدوره عن علاقته بمنتج أمامه مرغماً على عدم تجاهل تلك الخطوات التي ستقوده إلى الحافة لاحقاً ، فهجار يبتعد و يقترب بدرجات متفاوتة من مسائل هي غابة مقدّسة ، مسوّرة بقوى عقلية و ذهنية هي علامات قد تكون مفيدة لفناننا وعلى نحو أكثر في كسره لكل الإشارات الملتبسة ضمن علاقة لا متناهية ، فليس عبثاً حين يُسْكن هجار فراغاته بأصوات لمخلوقاته ستحدد له تتابع من التعالقات الإيجابية بالحداثة ، و التي ستشكل له هوية بها يضيء تجربته بعيداً عن صخب الأزقة وجعجعة الفراغ الذي يلف الشارع التشكيلي ، و رغم وجود مساحة لا بأس بها من الخلاف أو على نحو أصح الإختلاف كشرط تاريخي في تحوّل فعل إجتماعي إلى فعل فني جمالي فإننا نقر مع هجار بوجود الوفرة في توسيع فسحة التأمل مع جديتها في الدعوة إلى تخصيص إدائها في باب يغوص في العتبات قبل المتن رغم تهميشنا لتلك الإشكاليات المتعلقة ببعض التفاصيل والحركات النسبية التي تحتاج إلى إعادة تقييم العمل المنتج وما يلاحظ عليه من توازنات و تطورات هي بالتالي خصائص لكائناته التي تعوم وتسرح في مجمل أعماله الأخيرة ، و قد يزيح الأرض من تحتهم لا كإنتكاسة في ريادة ما ، بل كتعميم بأن فكرة الإزاحة لإحتمالات منجزة من الممكن أن يُفْتح باب أو أكثر مما يحتاجه هجار .
والآن دعونا نعود إلى الأسئلة الجوهرية التي يطرحها هجار في أعماله وأهمها السؤال الذي يخلخل مقاييس الخلق ، هل فعل الخلق عند فناننا هجار وعلى نحو اخص لكائناته يحتاج إلى دورة ديالكتيكية من منظور معرفي بها جدل وصراع وتطور ، أم هي ليست سوى أحد تجليات الإقتباس من حقول أخرى أم هي مجازفة تحمّس لها هجار تجنباً للإرتباك و التناقض ، و حين نرى فناننا وهو يقود مخلوقاته بعيون مفتوحة على المساحات وبحِراكٍ مفتوح أيضاً وبتقنيات حديثة بحثاً عن الأبقى و تجنباً للإيهام الواقعي يعني أنه يتقصى الإدراك ضمن لحظة قياسية لخلق أسلوب جديد ، و قد يكون للتاريخ الأثر الأكبر في تصعيد مشاهده درامياً و على نحو أخص حين الإنتقال إلى العلاقة المعرفية بينه و بين كائناته و هذه العلاقة لا يمكن أن تغيب من دائرة الخلق لديه ، فهو يعرف خفايا تلك الكائنات وأسرارها ، فيسمع حكاياتهم حيث لا شيء ، و حيث كل شيء ، ويدفع بالمتلقي إلى مشاركته في هذا السماع و في هذه الحياة ضمن تدرجات لونية ينجزها بتعبيرية يسرد بها أسئلته مع إستئثاره بتفكير المتلقي ، بل وتحريضه على التأمل العميق ، التأمل المرتبط بصلب بناء العملية المعرفية ، ولا يغيب من بال هجار بأن الواقع هو خارج القوى المتفاعلة ضمن مخلوقاته و على غاباتهم ، فهو يعمل على خلق إضافات إبداعية خارج نطاق النمطية الذي بات هشاً في بنائه إلى حد الفانتازيا ، و لهذا يصل إلى حد التماهي في عملية الخلق حين يباغتنا بتفاصيل كائناته التي تتوالى و كأنها قادمة من نصوص الأقدمين ، وهذا مايدفعنا إلى التأويل الجديد و ذلك بتوظيف حساسياتهم في بؤرة تكون هي الغاية التي ستضيء لهم مفاصل عوالهم و بصياغات كافكية .
الأهم أن هجار يهتم كثيراً بتسجيل حكايات تلك الكائنات بدرجة إهتمامه باللون الجريء على طبق غير مُعلَّب ، بل يتجرأ بقوة على السائد و المألوف بعيداً عن إقتباسات الآخرين ، فما يهمه هو التسليم بوجود لغة يفضي به إلى البحث بحكم حبه للتجريب ، وهذا ما يحرره من قواعد الشكل و من قيود المضمون ، تاركاً تكويناته تتولى الإهتمام بطروحاته القائمة أصلاً على تجاوز التقليد بمتعة فنية وبتكثيف الحوار بين مفرداته ليشكل سيرة ذاتية لكائناته القادمة من زمن غابر ...



























أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=7678