حاجو آغا هفيركي في ضيافة إبراهيم محمود (الجزء الثامن ـ بياندور التي هي بياندور)
التاريخ: الأثنين 08 تشرين الاول 2018
الموضوع: القسم الثقافي



فرمان بونجق

في كثير من الأحايين، يحاول كاتبٌ ما البحث في طيات ذهنه عن بداية ـ قد تكون موفّقة ـ ليستهل بها مقالته، ولقد أخذتني الرهبة مأخذا عظيماً، وأنا أقف أمام هيبة الاسم الذي سآتي على قراءته في سياق هذه المدونة، وقد تكون مفردة "سياق" مجحفة لبريق الاسم تاريخياً كما سيبدو، حيث ترتبط "بياندور" كاسم مكاني، بتفاعلات سياسية وعسكرية واجتماعية ووطنية، وحتى أكبح ذلك اللغط الذي يدور في ذهني حول استهلالية المقالة هذه، فما وجدت أفضل من أنقل النص الكامل للكاتب والباحث إبراهيم محمود، وهو يستعد لخوض فصل آخر من فصول كتابه " دولة حاجو آغا الكوردية"، والذي عنونه بـ : بياندور وخروج حاجو آغا إلى العالم الخارجي، حيث يتساءل: 


"هل يمكن لقرية صغيرة في مساحة جغرافية مترامية الأطراف أن تلفت أنظار كثيرين من المؤرخين والجغرافيين والسياسيين في أكثر من لغة، ومن أكثر من زاوية؟. هذه القرية التي اكتسبت سمعة عالمية ما ذات يوم، هي "بياندور" الكردية، والمجاورة للحدود "التركية" السياسية، والتي تقع إلى الشرق من قامشلو مسافة "10 كم"، وقد أصبحت مسرحاً لمواجهة عسكرية وسفك دماء بين قوة فرنسية استعمارية في تموز 1923 ، وعناصر أهلية كانت أفراداً محاربين بزعامة حاجو آغا الذي قدِمَ من "سرختى" لنجدة مَن أرادوه، هي التي أثارت ردود أفعال لها دوّيها في المنطقة، كما لو أنها في جوهرها من خلال مجريات واقعتها، لخّصت كل ما يعتمل في نفوس أهالي المنطقة من كرد وعرب قبل كل شيء من مشاعر وأفكار ومخاوف وتصورات معركة، وواقعة بياندور كلّفت الفرنسيين كثيرا جهة الخسارة المعنوية، وقد قُتِل ضابطها ذو الصيت في المنطقة: روغان، وتنافس في زعم قتله كثيرون، وما ترتب على ذلك من استعراض وأكثر من ذلك: تحدّي الأجنبي وكسر شوكته. 
بياندور شكّلت تعبيرا عما كان لدى الآخرين، وإلى يومنا هذا، أي رغم مرور قرن تقريباً، والاجتهادات مستمرة، بين اعتبارها قضية ثأر ليس إلاّ، أو مسألة أهلية وأجنبية، أو " وحدة وطنية" على المستوى السوري، وهو الحدّ الأقصى من التعبير عمّا هو موجّهٌ أيديولوجياً، أو انتخاء شعبيّاً، أو سبْقاً عربياً أو كرديا .... إلخ".
تلكم هي بداية الفصل الذي يمتد على مساحة أكثر من مائة وعشرين من الصفحات المتخمة بالوثائق والشهادات، التحليلات، المقاربات، ولكنها متخمة أكثر بالانقضاض على أولئك الذين أرادوا تقزيم انتفاضة بياندور، أو تغيير مسارات نتائجها، أو ربما الالتفاف عليها، ولربما لتجييرها إلى عمّا هو موجّه أيديولوجياً، كما أشار الكاتب إليها وهو متقصّد لذلك، وعن سابق إصرار كما سنرى لاحقاً. حيث يتم توزيع الفصل إلى ملزمتين أساسيتين، يقارب في الأولى بين شهادة الشاعر جكرخوين من خلال تسليط الضوء على كتابه المعنون بـ "حياتي"، وتحديداً فيما يخص بياندور وتداعيات معركتها، وأما الثانية فيلجأ الكاتب إلى استجرار الباحث محمد جمال باروت وهو يتأبط كتابه " التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية" إلى المِقصلة التي لا مفر منها، حتى يكاد يسحقه مرات ومرات، حتى ظننت أنه متحامل عليه، ولكن الأمر لم يكن كذلك فيما رأيت، ولم ينس أو يتناسى إبراهيم محمود قَطُ دور حاجو آغا في قيادة المعركة، ودور القبائل الكردية والعربية الأخرى التي خاضت غمارها، كقبيلة دوركان الكوردية العريقة، وأيضاً قسمين من قبيلتي شمّر والجوالة العربيتين، إنما الجدير بالذكر أن الوثائق ومدونات الجنود، والضباط الفرنسيين، وكذلك المراسلات الاستخبارية للفرنسيين حاضرة وبقوة في هذا الملف. ويُعرّج المؤلف أيضاً على وثيقتين هامتين وهما عبارة عن رسالتين موجهتين من حاجو آغا، إحداهما إلى المفوّض السامي الفرنسي عبر مضبطة محررة باللغة الكوردية ومترجمة إلى العربية وهي مؤرخة وموثقة لدى إدارة القضاء وإدارة المخابرات الفرنسية في دير الزور، والثانية إلى عصبة الأمم "الأمم المتحدة"، وكلتيهما تطالبان بإقامة دولة كوردية في الجزيرة، وقد اطلع على الأخيرة جكرخوين من باب استشارته بالأمر، وقدى أبدى الأخير ملاحظاته، وقد تم الرد من قبل عصبة الأمم على رسالة حاجو آغا بالإيجاب.
إلا أن الملفت للانتباه، أن قضية الحدود التي أولاها الكاتب والباحث إبراهيم محمود في كتابه "دولة حاجو آغا الكوردية" جلّ اهتمامه، وكانت حاضرة وبقوة في هذا الفصل أيضاً كما في غيره، منذ بدايات الكتاب إلى نهاياته، وقد أتيت وضمن الاهتمام بهذه القضية، على ذِكر " الإهداء" في مقالة سابقة، باعتبارها خارطة الكتاب، وباعتبار الكتاب مُهدىً إلى الحدود. 
لتكن إذاً بياندور ضيفتنا فكرياً ووجدانياً، وعلى مدى مقالتين أو ثلاثة، أو أكثر ربما، باعتبارها ومعركتها الحدث المفصلي لمرحلة مهمة من سيرة حاجو آغا هفيركي في "بنختى"، وبالتالي ـ وبتقديري ـ أحد أهم فصول هذا الكتاب الذي لازلت مشغولاُ ومفتوناً به، ولا زلت أقرؤه بذات الشغف الذي بدأته، لأنه وعبر بوابة بياندور، يؤرخ لمرحلة تاريخية من وجود الكورد في سهول الجزيرة، والتي دائما كان اسمها متوزعا ومتلازما لحواضر شمالية، "حيث كان أجدادنا ينعتونها بـ ( بريّة طور ـ بريا طورى)، للجزء الذي يقابل مدينة نصيبين، وأيضاً (بريّة ماردين ـ بريا ميردينى)، للجزء الذي يقابل مدينة ماردين، بالإضافة إلى منطقة (هَسنا ـ هَسنان) للمناطق التي كانت تحاذي جزيرة بوتان من جهة الجنوب الغربي*".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ملاحظة من كاتب المقالة .







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=6549