الجهة الخامسة «حول كتابات الراحل رزو أوسي» الحلقة الثالثة: بطاقة تعريف من الخارج
التاريخ: الأربعاء 11 نيسان 2018
الموضوع: القسم الثقافي



ابراهيم محمود 

إن كل ما يتعلَّق بخارج الكتاب يندرج في إطار ما يُسمّى في الدراسات السيميائية الحديثة بـ"عتبات النص "، والغلاف الخارجي إحدى هذه العتبات بعناصرها المختلفة. حسبي أن أركّز هنا على الغلاف الخلفي للكتاب، وماالذي يحمله؟ ثمة صورة للراحل رزو أوسي، تمثله ضاحكاً، ومقطع شعري له، وكلمة تعريفية بمحتوى هذا المجلد، وأهميته بالنسبة للمكتبة الكردية.
العتبة تهيئ لدخول البيت، لكنها تعطي فكرة مغرية عنه، بمقدار ما تكون مميّزة بخاصية مرفقَة لها، تكاد تكون مستقلة، وذلك لحظة أخْذ فكرة عن الكتاب من خلالها، كما لو أنها هي مقرّرة مصير، أو تمثّل تحدياً ورهاناً خطيراً وتستحق التدقيق في الدور الذي تقوم به في العمق .


إنما ماذا يمكن أن يثار ضمناً ؟ هل كان الغلاف هذا مفصحاً عن حقيقة المعرَّف به: الراحل؟
لا أعتقد أن هناك من يمكنه الاعتراض، على أن الغلاف الآخر للكتاب من خلال محتواه، يشكّل بطاقة تعريف لا تفوَّت للكتاب، ولها دور خطير ومحرج حتى بالنسبة لمؤلفه بالتأكيد، إذ إن هذه الكلمة يجب أن تكون دقيقة، لمّاحة، مؤثّرة، وتعطي فكرة موجزة ومحورية عن الكاتب نفسه، ولهذا، ثمة من يبقي الغلاف دون أي إشارة تخلصاً من هذا الإحراج، ولعله محق أحياناً .
إزاء ذلك، هل يتضمن غلاف المجلد الخلفي فكرة لافتة عن الكاتب؟ لنتوقف عند مكوناته:
بالنسبة إلى الصورة، هي ذاتها صورة الغلاف الرئيس " الأمامي "، إنما مرسومة بطريقة فنية، أما هنا فهي فوتوغرافية، وكان في الإمكان- على الأقل- وضع صورة فوتوغرافية أكثر تمثيلاً حِرَفيَّاً في الهيئة للوارد على الغلاف الخلفي، إذ ليس من المعقول أن يرِدَ المقطع الشعري له، وهو في طابعه المأسوي، وشكواه مما هو فيه تجسيداً لواقع الكردية المرير، وثمة وجه ضاحك بالطريقة هذه. فكيف أعِدُّ الغلاف، ومن قبل من، وتبعاً لأي تصوُّر للكتاب والكاتب نفسه ؟
المقطع الشعري الرباعي يشكل أول مقطع من مقاطع أربعة تكوّن قصيدته " عرفتُ نفسي –ص270 "، ولعلها من قصائد البدايات، كونها كلاسيكية، وترجمته " أي المقطع المقتبس ":
أعرف – أنا- لغة العصافير والثعابين
ولهجات الزهور والورود والشجر *
لا أعرف لغتي كلياً
هكذا، من أكون، إن كنت تعرفني ؟
ينطوي هذا المقطع على ضرب من المفارقات، التي تترجم واقع الكردي، وهو عالم/ عارف بكل شيء من حوله، إلا لغته والتي تعني خضوعَه للمستبِدين والذين يحظّرون عليه لغته، أي يحولون بينه وبين هويته، حيث تكون اللغة دالة عليه عملياً، بمقدار ما يمنَع عليه التحدث بها.
تالياً، وفي قرابة نصف الصفحة، ثمة اقتباس مقطع من كلمة، تكون بمثابة إضاءة لعالم الراحل من قبل " لفيف من أصدقائه "، وترجمته:
" هذه أضمومات من مؤلفات الأستاذ/ المعلّم الخالد رزو أوسي، وهي تقدّم للقرّاء: أصالة الكرمانجية، رونق بناء النصوص الفنية ونسْجها، موضوعية النقد الأدبي وتقييمه، مشروعية اللغة الشعبية، ثراء الفولكلور، التصورات، الأفكار وذهنية المجتمع الكردي عن طريق النقد، القصة القصيرة، الأحداث، الوقائع، الطرائف، الألغاز، النثر والشعر.
إن قراءة هذا المؤلَّف تقدّم مساعدة كبيرة لأي قارئ يريد تعلُّم الكتابة الكردية، وتلقّي المنفعة العلمية ، والشعور بمتعة الفن الكردي.لذا فإن هذا المؤلف يثري المكتبة الكردية ويجمّلها، ويتسنَّم موقعاً فريداً له فيها بغية إنماء نموذج الكردية الشمالية وتأسيسها.  ص 9 ".
قبل إنارة المقتبس هنا، ثمة كلمة جرى " تكريدها "، وهي " objetivisma rexne  "، أي " موضوعية النقد، سوى أن " الأوبجيكتيفيسم " الأجنبية" الانكليزية في المتن" في حدود علمي "، وبالصيغة هذه، حيث تلحَق بها الـ" ايسم "، تأخذ منحى مذهبياً، بالنسبة للمعني بقضية المصطلح الفلسفي ودلالته، وهي تزعم انتفاء أي ذاتية في المعمول به، وما في ذلك من إبراز لعامل الإيديولوجيا، ولهذا تكون " objetivisma rexne  "، أي " موضوعية النقد "، وليس " موضوعانية النقد " من حيث الدقة في النص .
في خضم هذا الإعلاء من شأن كتابات الراحل، ربما كان تعبير " الموضوعانية "، أي ما يقرب القول مما هو زعْميّ: إيديولوجي مفصحاً عما أراده " أصدقاؤه " دون أن يعلموا بحقيقته، ولعلهم مارسوا ثناء ذاتياً قبل إضاءة جانب من المؤلّف يمثّل عصَباً مفصلياً فيه.
إزاء ذلك، يمكن التساؤل عما إذا كان المقطع الشعري، وهو يرجع إلى لحظة شبابية ماضية للكاتب، مفصحاً عن شخصيته حقاً، ما إذا كان " أصدقاؤه " دقيقين في اختيار المطلوب أكثر.
عدا عن ذلك، إن جانب الثناء الاستثنائي الذي يتعزز به موقع الكاتب، لا يتناسب وما هو مقتبس شعرياً، ليس استهانة بالشعر، وإنما لأن ما هو مسطور باسمه لا يمنحه هذا الاقتدار الإبداعي قبل كل شيء، وأن المقتبس ليس بذلك الشأن الذي يشكل فتحاً إبداعياً يحفّز على الاستزادة.
حيث إن المقطع لم يعايَن من الداخل، خاصة وأن تقيُّد " الشاعر " بالوزن، أفقده حرية الحركة والتصرف، وتحديداً  في الشطر الثاني " ولهجات..."، فثمة كتابة تقريرية وليس انفجارية، ولو أنه كرر عبارة " أعرف- أنا –"، في هذا الشطر، مع اقتصاد الأسماء، هكذا:
Dizanim ez zarên çîçek û daran
" أعرف- أنا- لهجات الزهور والشجر، لكان أوفى بكثير بما هو شعري.
ومن ناحية أخرى، فإن الاستعانة بهذا المقطع، كمثال حي، وإضاءة لمعْلم الشخصية الأدبية ومن ثم البحثية، فالثقافية للراحل، تضيّق الخناق على القائمين بهذا الاختيار والإعداد، وتفصح إثرئذ عن ضعف الذائقة الأدبية عينها لديهم، بمقدار ما تعكس تلك الصورة الباهتة عن حقيقة الراحل، وفي الوقت نفسه، عن غياب الوعي البحثي المنفتح والذي يعتبر الراحل في مستوى الموصوف.
فإذا كان الراحل شاعراً، إلا أنه يقدَّم وعلى أكثر من مستوى، بصفته باحثاً لغوياً وتراثياً أو فولكلورياً، ومن ثم، فإننا" كما أرى " نتلمس هوة قائمة بين المقطع الشعري وبنيته، وما تردَّد تعريفياً به، وكان الأجدى بهم اقتطاف مقطع على صلة بما عرِف به بحثياً وتنويرياً، وأن زعم " خلوده " لا يتأتى من قوله الشعر، إنما في نطاق الممارسات النثرية، كما سنرى لاحقا. مثلاً،كما مستهل " نقد على نقد "، لأن النقد هو فاعل مأثور في إنارة سجل الكاتب قبل سواه، وهو يصل بمختلف الفنون الكتابية التي جرّب الكتابة في أغلبها ...
ذلك لم يحدث، ليس لأنه كان عليه أن يحدث، إنما، لأن الذين أشغلوا أنفسهم بالكاتب، وفي المستوى الذي عرَّفوه للقارىء فريد عصره، في مجملهم كانوا دون هذا التمثيل، وإلا لكان الوارد على صفحة الغلاف الخلفي في حجم المتردد عنه. لقد تفكَّروه شعرياً، وقدَّموه انطباعياً، وربما بالطريقة هذه، لم يكن الموضوع على الغلاف الخلفي متجاوباً، مجدداً، مع المتردد لا عن رزو أوسي، ولا حتى محتوى المجلَّد بالذات، فالنموذج هو " التوب: القمة "، وما هو مقرَّر " توب" من نوع آخر، إيقاع بالاسم ومن عنوا به، وما في ذلك من مأسوية المهمة .
نعم، أنا مع مأساة أهله في رحيل فقيدهم المبكّر نسبياً، مع مأساة عائلته في الفراق الأبدي للزوج الأثير، مع الراحل في مأساة شعبه وهو يعبّر عنه شعرياً،سوى أنني، وكما شدَّد هو بلزوم الحزْم في النقد، وعدم العناد في العلاقة البينية، أكون مع مأساة الشعر حين يفخَّم وهو ليس كذلك، رغم أنني أدرك وإلى درجة كبيرة، ومن خلال تجربة زمنية طويلة نسبياً، أن لزوم اعتماد " الحزم " كما دعا إليه الراحل يتشكّل في ذهنه بمقاييس خاصة، وكما هو تصرُّفُ نسبة كبيرة من الذين يطنبون في إبراز " عبقرية " نص هذا أو ذاك، هذه أو تلك، تجاوباً مع محسوبية معينة، أو تعظيم أثره عموماً، استناداً لعلاقة لا صلة لها بقضية الأدب والموضوعية بأكثر من معنىً.

*- في الشطر الثاني من المقطع الشعري، وردت كلمة " الشجر " ناقصة " سهواً بالتأكيد، أي " dran" وليس " daran "، كما هي في القصيدة المنشورة، وكان ينبغي التدقيق في ذلك، وفي مقتبس يواجه القارىء مباشرة .

الحلقة الرابعة : بطاقة تعريف بالكاتب، وخلل المحتوى :







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=6316