القصيدة في خط متوتر وصاعد.. فواز قادري أحد أكثر من كتبوا عن ثورة السوريين
التاريخ: الثلاثاء 27 حزيران 2017
الموضوع: القسم الثقافي



إبراهيم اليوسف

 بعد ثلاثيته: قيامة الدم السوري-2012،أزهارالقيامة-2013، كتاب النشور-2014، التي كتبها مع بداية الثورة السورية، وكان بذلك أحد أوائل الشعراء السوريين الذين وقفوا إلى جانب الثورة، ونشروا نتاجاتهم في مجموعات مطبوعة يصدر الشاعر السوري فواز قادري، ابن مدينة ديرالزور مجموعته الرابعة، منذ بداية الثورة السورية"  مزامير العشق والثورة" والتي صدرت مؤخراً عن دار ألف ليلة وليلة2017وبغلاف أنيق من تصميم  الفنان عبدالنبي فرج، ناهيك عن العديد من المخطوطات التي أعدها .


على امتداد حوالي مئة وأربع وخمسين صفحة من القطع المتوسط تأتي مجموعة قادري وهي العاشرة-ترتيباً- ضمن سلسلة إصداراته كأحد شعراء الثمانينيات السوريين الذين التزموا برؤية إنسانية تجاه محيطهم، في كل ماكتبه، بالرغم من ارتفاع أصوات الكثيرين من مجايليه، الذين طالما راحوا يدعون إلى لا وظيفية الفن، بينما انصرف هو في إنجاز ذلك النص الجديد الذي يحقق ثنائية الإبداع والالتصاق بالناس البسطاء، العاديين، من حوله، ليكون نصه  الشفاف، غير المتعالي، سفيراً لهؤلاء، وهوما رتب طويلاً على أمثاله ضريبة من لدن وسائل الإعلام التي كانت تتجاهل أصواتهم ، ناهيك عن ذلك الناقد الحصيف المتحجر  ضمن مجرد رؤى أحادية، حاضاً إلى أنموذج نصي محدد، وفق مايرتئيه هو من شروط فنية، بل وإبداعية!.
لم يكترث الشاعر قادري بمثل هذه السطوات التي كانت تهيمن على المشهد الإبداعي العام، على امتداد عقود، وظل يكتب على طريقته مذكراً هنا بشعراء أعلام عالميين ومحليين، لافرق، ومن هؤلاء: بابلو نيرودا- ناظم حكمت- لوركا- حمزاتوف- حامد بدرخان إلخ، ممن كتبوا منطلقين من رؤى محددة، من دون إدارة الظهر لقضايا  وظروف عصر كل منهم، ومن حولهم، على حدة، وقد جاءت التحولات الجديدة إبان ثورات ربيع المنطقة لتظهر عودة كثيرين من هؤلاء الذين غرقوا في الاغتراب والتشيؤ إلى مثل هذه الكتابة، بأشكالها، المتدرجة، أنى أدركوا أن تلك النصوص الفانتازية ماعادت مجدية البتة.
ومن هنا، يمكننا فهم سرعة استجابة قصيدة قادري لمتطلبات اللحظة، وكيف لا وهو أحد أوائل من كتبوا مثل هذه القصيدة/ الموقف، إذ أحدثت قصيدته" قصيدة غير طارئة إلى جنرال طارىء " التي نشرها في العام2005 وكتبها بعيد مسرحية التوريث لكرسي الرئاسة في بلده دوياً كبيراً، لأنه راح يستشرف الآفاق عبر رؤيته الشعرية، وكأنه كان يرصد هذه اللحظة المحرجة التي يمر بها إنسانه، فاستشاط غضباً، وراح يصرخ مستنكراً ما يحدث بأعلى صوته، وبما لا يخرج عن مفردات نصه التي زاوجت بين معجم الرومانسية والثورة، على طريقته الخاصة.
جاء في الإهداء الذي افتتح به نشيده الجديد، الموزع إلى مزامير بعناوين كثيرة: 
إلى الصديقات.. الأصدقاء.. الإنسان بنسخته الجديدة
الأجنة.. الفضاءات حتى تستكمل الحرية أجمل السبل
حليب الصدور ..المطر والطوفان
التراب.. الجذور.. الربيع بصورته الأخيرة
قلوب لم تترك مذاهب العشق.. القلوب التي نزفت طويلاً
إلى ملايين الأروح في الحرائق.. الأنهار.. الفرات وأخوته
الطيور التي بلا أعشاش.. قطط وكلاب بلا وطن
سوريا مجزرة البث المباشر!.
اللعنة أيها العالم، اللعنة ص4
ثم يقدم لنا الشاعر قادري مفتاح النصوص العام، الذي يلي الإهداء والعتبة الرئيسة، بقوله" وها أنا حزين وفارغ كناي من القصب على منوال كل ريح أغني" ص 5. كما أنه يفرد صفحة لمفتاح آخر في الصفحة التالية، مباشرة، من خلال قوله" سمفونية عليا تعزفها أصابع خفية" محاولة أولى للعبور إلى النشيد" ص6، لتتالى بعد ذلك مزاميره" مزمور البدايات والتكوين-مزمور المعرفة- مزمور الأنوثة- مزمور عشق شعبي- مزمور مضيء يحرض قنديلاً طائشاً على الهذيان- مزمور مقاصل الورد- مزمور ثورة الهوامش- مزمور مقاصل البارود-مزامير الفرات الجارحة- مزمور عابر- مزمور الحرية الشاسع والأخير. هذه المزامير، وإن كان أكثرها يتخذ عنوان مفصل في جسد المجموعة، إلا أنها- في النهاية- تشكل مفاصل نص طويل واحد، في الوطن، والدم، والحب، والفرات الجريح، ونشدان الحرية، آخر مطافات روحه التي لا تفتأ تبحث عن جسر للعودة إلى مدينته، بعد أن سوي هذا الجسر العريق بالأرض، في إطار ما يتم من دمار وحرائق وقتل في مهاده، نتيجة ترجمة نزوة التشبث بالسلطة و الاستبداد التي ارتفعت الأصوات مطالبة بإنهائها، عبر سبع سنوات عجاف إلا من رائحة الموت والبارود..!.

شمسك فاجأتني هذا الصباح:
مريضة هي اليوم
تنامين ويحرسك قلبي طوال الهذيان 
أنتظر المساء أي مساء
وحين يأتي وأنت لست فيه
دونك ماذا أفعل بالمساء؟
أنتظر الصباح كل صباح
حين لا أسمع صوتك ولا أشم رائحة قهوتك
ماذا أفعل بالصباح؟
بلا شعرك غريبة شمس الشتاء وفقيرة تتسول
لاطعم للعصافير بلا زقزقة
الشرفة مريضة والأشجار
الأجنحة عليلة والهواء كسيح ص103
صحيح، أن متلقي النص يلاحظ ثمة هيمنة للمباشرة على لغة الناص، ناهيك عن أنه لايتلكأ في رسم صورته، أو لوحته، عبر استخدام  تلك المفردات اليومية- حتى المتآكلة منها- المتوترة، و التي تزيل مكياجتها، ورتوشاتها، وأناقتها، لتكون لائقة بألم اللحظة التي يعيشها  هو وذووه، بعد أن ضاق بهم مكانهم، وباتوا على قائمة أكثر المهجرين إلى خرائط الآخرين، ليكون نهر الفرات صورة روحه الكليمة. صورة مكانه، من دون أن ينسى صديقه / التوأم بشير العاني الذي ذبح ونجله على أيدي إرهابيي داعش، وهو يفر من مدينته ديرالزور:
مزمور يبحث عن أغانيك يابشير
ينتظرك الكثير ياصديقي
لن يفرغ قلبي من الانتظار
يقول الفرات
فلا تقرعه بيد غيابك الدامية
أترك قلبي عادة مفتوحاً للأحباب والغرباء
لاتقرع الباب أشرب وردتك إلى الفرات
هناك يجتمع شجر كثير بانتظارك ص108-109
وإذا كان قادري أحد الشعراء، أصحاب الموقف، الذين كتبوا ضمن هذا الفضاء، في زمن الرعب، فإنه ليواصل عبر مجموعته الجديدة طريقه التي اختارها بنفسه،  وكأن ماكتبه من قبل مجرد مقدمات لنص كان يدرك كنهه، من خلال نبوءة الشاعر، انطلاقاً من قراءته الصائبة للحظة والمستقبل على ضوء الماضي ذاته، وهو بهذا يعتبر من أكثر المخلصين ليس لتقنية قصيدة محددة،  فحسب، وإنما لرؤية حياتية، ضمن مفهوم جمالي، ومن هنا، فإن نصه لم يتعرض لتلك التحولات الكبيرة في أطرها الرؤيوية أو الجمالية، بل تتابع فتوحاتها، في انتظارما كانت تحلم به من  تحول أكبر في حيوات كائناته وأمكنته، على أن تتحقق..!؟.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=6051