الأدبيات الكُردية قبل الإسلام
التاريخ: السبت 03 حزيران 2017
الموضوع: القسم الثقافي



د. عبدالرحمن آداق

لو أننا نظرنا إلى الأدبيات الكُردية من بدء ظهورها إلى اليوم، سوف نجد أنه في القرن الثامن، قد تم قبول الإسلام من قبل الكرد كدين، وهو الذي أضفى على الأدبيات الكُردية لوناً جديداً، هذا اللون الذي لا يوجد في هذه الأدبيات قبل الإسلام . أما ما يلي ظهور الإسلام، فنظراً لتجلّي سلطة الثقافة الإسلامية إلى الساحة، فإنها تأثرت جرّاء ذلك بهذه الثقافة، سوى أن هذا التأثير لا يشار إليه في الأدبيات الكُردية السابقة على الإسلام. على كل حال، نجد أن هذه الأدبيات التي برزت في فترة الإسلام، تكون مختلفة عن تلك السابقة عليه .


ولو أننا قارنا ما بين الفترتين، فسوف يبرز مشهد من هذا القبيل إلى العلن:
1-الأدبيات الكُردية السابقة على الإسلام، انطلاقاً من بدايته حتى فترة إسلام الكرد، تستمر معنىً حتى القرن السابع الميلادي. أما بالنسبة للأدبيات الكُردية التالية على الإسلام، فإن هذا التأثير يمتد من لحظة دخول الكرد في الإسلام إلى يومنا هذا.
2- بصدد الأدبيات الكُردية قبل الإسلام، ثمة معلومات قليلة جداً لدينا عنها. أما تلك العائدة إلى الفترة التالية على دخول الكرد الإسلام، فهي كثيرة.
3- بالنسبة للأدبيات الكُردية بعد الإسلام، تكون في أغلبها أدبيات لهجوية: شفاهية. وهذا النوع من الأدبيات قد تشكَّل عن طريق السماع والمتابعة عبر الانتقال من قسم إلى آخر. أما عن نماذج الأدبيات الكُردية المكتوبة التي وصلتنا من تلك الفترة إلى أيامنا هذه، وفي هذه اللحظة، فهي غير معروفة. وبقدر ما يكون الشرح المتعلق بالفترة تلك صعباً بالمقابل، فإنه يمكن القول أن الأدبيات الكُردية العائدة إلى تلك الفترة قليلة في الواقع، وإن كانت موجودة فإنها لم تصلنا بعد. إن الوجود الأكبر للأدبيات الكُردية المكتوبة قد عُرِف بعد الإسلام.
4- أما عن الأدبيات الكُردية السابقة على الإسلام، فإنها لا تنتمي إلى الصور الأدبية، أو لم تظهر في إطار المؤلفات الأدبية. ولو أن نماذج لها تظهر إلى العلن أيضاً، فسوف تكون بطرز أو لوحات مكتوبة. أما عن الأدبيات الكُردية بعد الإسلام، فهي جاءت مكتوبة ضمن الصور الأدبية الإسلامية، ومن ثم، ضمن الصور الأدبية الأوربية، وبطرز المؤلفات الأدبية .

أ-الأدبيات الكُردية قبل الإسلام
الأدبيات الكُردية قبل الإسلام، بصورة شمولية، من جهة تكون أدبيات كردية شفاهية، ومن جهة أخرى تضم إليها أدبيات كردية مكتوبة بالمقابل. ولهذا، فإنه من بدايتها حتى فترة ظهور الإسلام، تكون أي وثيقة أو كتابة كردية موجودة، منتمية إلى هذا المضمار.
ومما لا شك فيه أن العثور على وثيقة أو نص كردي يعود إلى الفترة السابقة على الإسلام من أجل يومنا هذا لَشيء مهم. لهذا، فإن هذه الوثيقة من ناحية اللغة، في التعبير والأسلوب، سوف تندرج ضمن موضوعات الدراسات الأدبية أيضاً. ومن المؤكد أن ذلك أمر طبيعي، أي أن يكون عدد الوثائق والكتابات في متناول اليد اليوم قليلاً ، والذي يرتد إلى الفترة السابقة على الإسلام. وهو كذلك بالنسبة للغات كافة. سوى أنه في مجال اللغة الكُردية ، وبالنسبة للفترة السابقة على الإسلام، هل وصلتنا وثائق أو كتابات معينة، وإن بلغتنا فماذا تكون ؟ 
ما يعرَف أنه حتى الآن، ومن جهة الكثير من المعنيين بالموضوع، فإن كثيراً من الوثائق مثل الوثائق الكُردية تلك العائدة إلى الفترة السابقة على الإسلام، قد تمت الإشارة إليها، إلا أن الصفة الكُردية لهذه الوثائق لم يجر إثباتها بصورة علمية، إنما هناك – تحديداً- تقييد كتابي لها،  وتبعاً لهذا التقييد، في الفترة السابقة على الإسلام، فإن كرد  " بينوشاد " و" ماسي- سوراتي "، قد كتبوا بعض المؤلفات، إلا أن تلك المؤلفات بدورها لم تصلنا اليوم.

1-المؤلفات المكتوبة بألفباء بينوشاد وماسّي سوراتي 
وفق المعلومات التاريخية، في الفترة السابقة على الإسلام، ثمة ألفباء خاصة بالكرد، وقد وضِعت مؤلفات كردية كذلك. هذه المعلومات وردت في مؤلَّف الكاتب الكلداني ابن الوحشية، وهو " شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام "، وذلك سنة " 858 م "،حيث إن ابن الوحشية هذا، كان قد كتَب مؤلفه ذاك في عهد أمويي الأندلس نزولاً عند رغبة حاكم الدولة تلك. وقد وضِع المؤلف حول الألفباءات السابقة. وهو يتحدث عن جميع الألفباءات هذه، وعلى المنوال ذاته يتحدث عن الألفباء الكُردية.
ابن الوحشية يقول بصدد الألفباء الكُردية عن أن هذه الألفباء قد اعتمِدت من قبل قدماء الكرد ممن يُسمّون بـ" بينوشاد وماسي سوراتي "، حيث جرى استخدامها في مؤلفاتهم.
تبعاً للمعلومات التي يقدّمها الكاتب، فإنه يعتبرها ألفباء غريبة، مختلفة كثيراً، ولا توجد حروف مثلها في الألفباءات الأخرى المقابلة لها، ووفق ما يقوله الكاتب، فإنه عثر في بغداد، في  صندوق على قرابة ثلاثين مؤلفاً كتِبت بهذه الألفباء، إضافة إلى مؤلفين عثر عليهما في الشام: أحدهما يتعلق بـ" بساتين الكرم والنخل "، والآخر في " كيفية نظْم ينابيع المياه واستخراجها من باطن الأرض "، وتبعاً لما يقوله الكاتب أيضاً، فإن هذين الكتابين قد نقلهما من الكُردية إلى العربية .
انطلاقاً من هذه المعلومات التي تظهر للعلن في الفترة السابقة على الإسلام، وجِدت ألفباء كردية، بحيث إن الكرد قد كتبوا الكثير من المؤلفات بها. وبقدر ما أن ذينك المؤلفين يشدّان الانتباه من جهة الكاتب، وقد ترجِما إلى العربية، هما مؤلفان علميان أيضاً، فيحتمل أن يكون هناك مؤلفات أخرى من تلك السالفة الذكر أدبية الطابع، بالطريقة هذه، فإن ترجمة هذه المؤلفات إلى العربية كذلك، تؤكد في حقيقة الأمر أهميتها.

2- الأخطاء المرتكَبة في هذا المجال 
حتى الآن، نجد أنه من جهة بعض الباحثين في كردستان الجنوبية والشرقية، قد تم تقديم بعض المواد كوثائق كردية مكتوبة سابقة على الإسلام، بحيث إنه تم تقاسم هذه الآراء ونشرها من قبل بعض الباحثين في كردستان الشمالية أيضاً ، سوى أنه ظهر مؤخراً أن ما تم إثباته من هذه الآراء ويعبَّر عنها في هذا المجال، بعيد عن الحقيقة العلمية .
إن الوثائق التي تنسَب إلى الفترة السابقة على الإسلام حتى الآن، يمكن تصنيفها إلى قسمين: تلك التي تم قبولها  وتقديمها باعتبارها كردية، وتلك التي لم يجر التأكد منها. بالنسبة إلى القسم الأول يمكن معرفة موادها، أما عن كرديتها فمسألة مَيْل. وفي القسم الثاني، لا يمكن تأكيد وجود الوثائق، ولهذا، فإن القسمين بعيدان عن المنظور العلمي.
تُرى، لماذا تم تعيين هذه الإشارة من جهة الكرد؟ يظهر أن هناك سببين لما تقدَّم: تلك الوثائق، إما أنها نسِبِت خطأ إلى الفترة السابقة على الإسلام، وإما أنها في سياق التركيب، قد جرى وضع بعض الأمور في خانة القومية الكُردية.
من وجهة نظري، يمكن تقييم هذا الموقف، بالتقابل مع العنصرية العربية والفارسية، كردّ فعل من قبل كرد الجنوب والشرق، بحيث إن النتيجة تظهِر خطأ مقابل خطأ. وهكذا، فإنه كما هو ملحوظ في مثال عبدالصمد بابك، كذلك الحال بالنسبة إلى الفترة اللاحقة على الإسلام ، فإن الموقف من نشر القصائد لم يجر التأكد منها أيضاً " ينظَر، قسم" الأدبيات الكُردية الكرمانجية، الفترة السابقة على حكم الإمارات ".
ولاحقاً سوف نتوقف عند هذه الآراء.

2-1-الوثائق المقبولة باعتبارها كردية 
الوثائق المقبولة باعتبارها كردية، هما اثنتان: إحداهما آفستا، والأخرى تلك الكتابات الهَورامانية.
2-1-1- آفستا
حتى الآن تبيَّن من قبل بعض الباحثين أن آفستا " الكتاب المقدس للزرادشتيين "، بوصفها نصاً كردياً / ميدياً، وهي معرَّف بها عبر إرجاعها إلى الفترة السابقة على الإسلام، وهذه السطور التالية أدناه هي من كلمات زرادشت النبي، حيث اختيرتْ كأمثلة:
Yemm e xişter awrûh e
Newît ewtem newît germem
Newît zor û newît miritiyuş
والمعنى:
كان ذائع الصيت عند ملك الملوك
لم يكن عهده لا بارداً ولا حاراً
لم يكن هناك هرَمٌ ولا موت
سوى أنه تم الإثبات علمياً أنه لم يكن هناك من علاقة للكردية، أو لغة " ماد: الميديين "، باللغة التي كتِبت بها آفستا، لهذا، كانت الكُردية وآفستا تعتبَران لغتين إيرانيتين مختلفتين .

2-12- كتابات هورامانية 
لقد تم العثور على بعض الكتابات في كهف في هورامان، وذلك سنة 1909. حيث إن سعيد كردستاني " سعيد خان سِنَيي "، اصطحب معه ثلاثة ألواح منها إلى بريطانيا. أحد الألواح كان مكتوباً بألفباء آرامية، والآخران بدورهما بألفباء يونانية. وقد أجرى مِنس دراسات حول المكتوب باليونانية، أما أ. جُوولَي، وغيرهما فقد أجروا دراسات بدورهما حول المكتوب بالآرامية، ونشروا دراساتهم. وبعد ظهور هذه الدراسات، تبيَّن أن إحدى تلك الكتابات قد وضِعت قبل الميلاد بـ" 88 " عاماً، وأخرى بـ" 22 " عاماً، والثالثة بـ" 11 " عاماً، وذلك في عهد الإشكانيين .
إنما من جهة المختصين، فقد ظهر أن المادتين المكتوبتين بالألفباء اليونانية، باللغة اليونانية، وتلك المكتوبة بالألفباء الآرامية قد وضِعت بلغة " بارتي Partî  " .

2-2- الوثائق التي لم يجر التأكد منها 
ثمة وثائق قدّمت على أنها وثائق كردية مكتوبة، ترتد إلى الفترة السابقة على الإسلام،  لم يتم الحصول عليها أبداً، كما أنها لم تقدَّم إلى أهل العلم. بصورة أخرى، لم يجر التأكد منها. وهما اثنتان من جهتهما: قصيدة بورابوز، وقصيدة راهب زرادشتي باسم خليل مندليجي.

2-2-1: قصيدة بورابوز
انطلاقاً مما تم زعمه، فإن هناك قصيدة تنسَب إلى شخص يدعى بورابوز، قبل الميلاد بـ" 330 " عاماً، في منطقة هورامان، حيث عثِر عليها على شاهدة أحد القبور. والقصيدة التي يشار إليها هكذا تكون بدايتها  :
Xwazdî ez tu bi hev ra bin
Bi hev re herin xorînê
" ليتنا نكون أنا وأنت معاً
معاً نمضي لتناول الطعام "
سوى أن قصيدة بورابوز والتي كتبت على شاهدة قبر، لم تقدَّم حتى الآن إلى أهل العلم. ومن ثم فإنه سواء من ناحية التاريخ، أو من ناحية فقه اللغة، لم يحقَّق في وجود قصيدة بهذا الشكل .

2-2-2- قصيدة راهب زرادشتي
مجدداً، فإنه تبعاً استناداً إلى ادعاءات، وفي مدينة السليمانية، كان هناك راهب زرادشتي باسم خليل مندليجي، قد كتب قصيدة في القرن السابع " 640-641 "، وهو يأتي في قصيدته على ذكر هجوم العشائر العربية على شهرزور، والأضرار التي ألحقتها بمدينة شهرزور هذه. والقصيدة التي يشار إليها هكذا يجري تقديمها :
Hurmuzgan raman aritan kejan
Wêşan şarduwe  gewreê gewrekan
والمعنى :
هدّمت المعابد، أطفِئت نيرانها
وأما كبار الأعيان فقد اختبأوا
سوى أنه- حتى الآن- لم يعثَر على النسخة الأصلية لهذه القصيدة المشار إليها، ولم تقدَّم إلى أهل العلم .
===

الترجمة عن الكُردية  : ابراهيم محمود
والمترجَم مستلٌّ من كتاب د. عبدالرحمن آداق: بداية الأدبيات الكُردية الكلاسيكية، منشورات نوبهار، ستانبول، ط2، 2015، ط1، 2013 ، صص 108-114، وهو يقع في " 462 صفحة " من القطع الوسط، ويعتبر مصدراً مهماً في موضوعه، وخصوصاً راهناً، ولأهمية المترجَم أردت نقله إلى القارىء المهتم بهذا الباب المعرفي والمتعلق بتاريخ الأدبيات الكُردية.
ومؤلف الكتاب كردي، من مواليد " 1977 "، تولد هزخي  hezxê، ومتخصص في الإلهيات، جامعة أنقرة، وله العديد من المؤلفات الأخرى.
من جهة أخرى، فإن " ابن الوحشية: ت930 م "، والذي يعرَف بكتابه: شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام، وهو الذي أثار ردود أفعال متباينة، ومحور تجاذبات حول دقة معلوماته، فإنني قرأت كتابه هذا قبل قراءة كتاب " آداق " الذي ترجمت منه القسم الآنف الذكر، وتوقفت عنده ملياً، وربما يظهر نوع اهتمامي به لاحقاً في أثر مكتوب، ويمكن نقل الفقرة الرئيسة من كتابه " شوق المستهام..."، بالتفصيل لإضاءة المترجَم ( صفة قلم آخر من الأقلام القديمة وفيه حروف زايدة عن القواعد الحرفية تدعي الأكراد وتزعم أنه القلم الذي كتب به بينوشاد وماسي السوراني، جمع علومها وفنونهما وكتبهما بهذا العلم....وقد رأيت في بغداد في ناووس من هذا الخط نحو ثلاثين كتاباً وكان عندي منها بالشام كتابين " كتابان " كتاب في أفلاح الكرم والنخل وكتاب في علل المياه وكيفية استخراجها من الأراضي المجهولة الأصل، فترجمتهما من لسان الأكراد إلى اللسان العربي لينتفع به أبناء البشر.. " صص127-130 "." .
 دهوك 







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=6022