حكاية عن جدي الهاواري
التاريخ: الثلاثاء 20 كانون الأول 2016
الموضوع: القسم الثقافي



وليد معمو

حكى جدي رحمه الله  ذات مرة ، أنه كان عسكرياً في الجيش العثماني ، في سيناء مصر ، بين مدينتي  العريش والإسماعيلية .
وقال : أن الجيش كان متهالكاً وقتها ، ولم يكن يصلهم من التموين ما يسد الرمق … وعليه قرر مع بعض رفاقه الفرار سيراً على الأقدام كل إلى بلده في بلاد الشام ، وهو يقصد بلده عفرين ، في جبل الكورد… 
وهكذا خرجوا خمسة من الوحدة العسكرية ، متفقين أن يمشوا في الليل وأن يناموا في النهار تجنباً لكمائن البدو الرُّحل وليس خوفاً من دوريات الجيش العثماني .
فالبدو كانوا يبقرون بطون الجنود الفارين أن أمسكوا بأحدهم … لإخراج الليرات الذهبية ، التي من المحتمل أن يكون الجندي قد خبأها في معدته ، عن طريق البلع… 


ومن ضمن اتفاق الرفاق الفارين ، كان هناك بندٌ يقضي بأن ينزل أحدهم كل يوم وبالتناوب  ، إلى أقرب قرية مجاورة لمسيرهم لأجل شراء الغذاء والإتيان بالماء … 
وإن تأخر لليل ، ولم يعد  ، هذا يعني أنه قتل ببقر البطن من قبل البدو … 
وهكذا خرجوا من سيناء باتجاه فلسطين ، وسوريا  ، وبعد أسبوع تأخر أحد رفاقهم حتى الليل  ، أي مات بشق البطن… لأجل الذهب رحمه الله !!.
فتابع الباقي المسير الليلي … بحزن شديد ، ولا حول ولا قوة لهم .
وقال جدي : أنهم قطعوا نهراً كبيراً - ويُرجَّح أنه نهر الأردن - ونجوا من الغرق بالعبور من فوق الجسر  ، بعد إنتظار طويل  ، في عاصفة مطرية ، وتحت جنح الظلام  ، حيث غابت الحراسة عن الجسر بسبب المطر… 
وأردف قائلاً وصلت أنا ورفيق لي فقط إلى جبل حوران ، والباقي ماتوا بذات الطريقة في المسير … وتابع قائلاً : وفي حوران وقعنا بين يدي دورية للجيش العثماني لسوء الحظ ، وكانت الدورية ثلاثية ، وبعد جدال طويل وحاد بين عناصر الدورية ، أخلوا سبيلنا تجنباً لحمل وزر قتلنا رمياً بالرصاص ، كإعدام ميداني !!.
وقال : تابعنا المسير إلى أن وصلت قريتنا  بحمد الله  ، بعد مسير أربعين يوما ،ً أي مسير أربعين ليلة شتوية طويلة … 
كان هذا قبل عام 1920 ، وكان يكرر هذه القصة على مسامعنا في كل فرصة وبتفاصليها الدقيقة .
وذات مرة اقترحنا عليه أن يؤدي مناسك الحج في الديار المقدسة ، وهو رجل تقي وورع… لم يترك فرض صلاة .
رفض الفكرة وقال لا أريد أن استذكر بقر بطون رفاقي … في الجنوب ،  لن أذهب إلى الحج ولو أوتوا به إلى حدود القرية… أي قريتنا .
في وقتنا الحاضر ، ونخن نعيش هذه الأيام العصيبة ، يبدو أن المنطقة لم تمر بعصر مشرق ، خالي من بقر البطون وقطع الرؤوس لأجل الذهب !!.
رحم الله جدي وأمواتكم … مع الأمل بوصول منطقتنا إلى الإكتفاء من سفك الدماء.

عفرين في   19- 12 - 2016. 






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=5868