الشك مفتاح الفهم
التاريخ: الأثنين 05 كانون الثاني 2015
الموضوع: القسم الثقافي



بيار روباري

نعم الشك في الأشياء والأفكار، هو أصل فك كل العقد والإشكلات التي تواجه البشرية وتحليلها وفهما ومن ثم إيجاد البديل الأفضل لها، ومن دون الشك في الأشياء والأفكار، لا يمكن للبشرية أن تتطور وتتقدم نهائيآ. ولا ننسى إن اليقين الوحيد والثابت في حياتنا البشرية هو الموت، وما عدا ذلك كل شيئ مشكوك فيه ومتحول.
 
ماذا نعني حقيقة بالشك؟ نعني بالشك النظر بعين ناقدة للأشياء والأفكار دينية كانت أو فلسفية أو نظريات علمية. والنقد يساعدنا على التعرف على الجوانب السلبية والإيجابية والنقاط الضعيفة والقوية، في الأشياء والأفكار والنظريات العلمية والفلسفات والأديان. والنقد ليس سلبيآ على طول يظن البعض، وإنما يمكن أن يكون إيجايآ، لأن المرء يتعلم من الإمور الإيجابية والسلبية على حدٍ سواء.


لذا الشخص الذي يؤمن بفكر ما على أنه حقيقة مطلقة، لا يمكن له التفكير في مدى صحة ذاك الفكر من عدمه، ولا يمكن لهذا الإنسان أن يتطور وسيبقى في مكانه إلى يوم القيامة إن كانت هناك قيامة في الأصل. بكلام أخر إن وجود مثل هذا الشخص وعدم وجوده واحد، فهو مجرد رقم لا أكثر. مثله مثل الملايين البشر الذين يسكنون المدن وليست للهم علاقة بالمدنية وتطورها. مثل هؤلاء الناس هم عالة على المجتمع ويعرقلون تطور البشرية ويحدون من سرعتها.

ومثل هؤلاء الناس هم مجرد أناسٌ مقلدين لأشخاص بعينها، أو يتبنون أفكار معينة دون التفكير بما يقال لهم أو الشك بصحة ما يقرأونه من أفكار فلسفية ودينية. ولا ينفع النقاش مع هؤلاء الناس نهائيآ، والدخول معهم في نقاش فكري لا يؤدي إلى نتيجة على الإطلاق. لأن هؤلاء الناس يعتبرون إن ما يتفوه به رموزهم أو تلك الأفكار التي يؤمنون بها حقيقة مطلقة، وغير قابلة للنقاش وأنه كلامٌ منزل، وبالتالي هو فوق مستوى التفكير البشري!! ولذلك تشاهد إن طرح بعض الأسئلة حول حقيقة الوجود والذات الإلهية ومن أين أتى ومن خلقه على سبيل المثال، محرمة ويعاقب عليها صاحبها بشدة، وخاصة عند المسلمين.  

من هنا يمكن القول، لا يمكن مجابهة الفكر بالفكر على الدوام، فمثلآ كان من المستحيل مجابهة الفكر النازي والشيوعي في كل من ألمانيا والإتحاد السوفيتي السابق، بالفكر وعبر النقاش مع أصحاب تلك الأفكار المغلقة، الذين كانوا ومازالوا يؤمنون بها كحقيقة مطلقة. ونفس الشيئ ينطبق على المؤمنين بالأديان وخاصة تلك التي تعتبر نفسها أديان «سماوية»، رغم معلوماتي تقول إن السماء لا تمطر ذهبآ ولا فضة ولا أديانآ ولا أفكارآ. وكلنا نعلم إن أكثرية الحروب التي خاضتها البشرية، عبرها تاريخها الطويل مصدرها تمسك كل طرف برؤيته وإعتباره حقيقة لا يقبل النقاش. وسعي كل طرف  
من هذه الأطراف فرض رؤيته على الأخرين بالقوة، إن كانت أفكار دينية أو فلسفية. 
أوردت هذه المقدمة كمدخل للحديث حول إمكانية محاربة التنظيمات الإسلامية المتشددة أو المتطرفة سميها كما تشاء، بالفكر والحوار؟
لأن هناك من يدعي ويقول لنا، علينا محاربة هذه التنظيمات بالفكر، أي أن نقوم بالرد على أفكارهم بالأفكار، وبأن الحل الأمني لوحده لن يجدي رغم أهميته. إنها وجهة نظر محترمة، ولكنها ناقصة من وجهة نظري ولا تذهب إلى عمق الموضع وتبسط الأمر.
إن الفكر ناجع ومؤثر، ولكن قبل أن يصل الفرد إلى مرحلة التشدد أو التطرف في أرائه ووضع تلك الأفكار موضع التطبيق العملي. وهذا ممكن القيام عندما يكون المرء طفلآ صغيرآ وطالبآ في المدرسة الإبتدائية والمتوسطة ولاحقآ في الجامعة. والأساس يبدأ من البيت أي التربية على يد الأهل ومن ثم أثناء وجود في المدراسة. عن طريق إتباع مناهج علمية منفتحة على الأخر وتعليم الطفل أفكار بعيدة عن التعصب والتطرف. ومن ثم إتباع نفس النهج في وسائل الإعلام ومنح الحرية للناس للتعبير عن أرائهم ووضع قوانين وضوابط قانونية تمنع التطرف والغلو وتحمي الجميع منه. 

وما أن يتشبع الشاب منذ صغره بأفكار متشددة ويؤمن بها إيمانآ راسخآ، بأن ما يؤمن به هو حقيقة مطلقة أو كلامآ منزلآ، لا يمكن بعدها منقاشة هذا الشاب فكريآ عبر الحوار. لأنه لا يقبل الحوار والنقاش أساسآ، فاما أن تقبل بما يطرحه عليك من أفكار أو تصبح في نظره عدوآ وخصمآ له، وفي النهاية لابد من القضاء عليك لأنك على باطل.
أي ليس هناك من مجال للنقاش والتحوار مع مثل هذه النماذج من البشر. وهناك قسم أخر من منهم، الشر فيهم غريزة متأصلة ويستلذون بالقتل والذبح وأذية الأخرين ونسميهم علميآ بالساديين. وما أكثرهم بين صفوف تلك التنظيمات المتطرفة كداعش والقاعدة وجبهة النصرة.

إن جميع هؤلاء الناس يتصرفون بغرائزهم كالوحوش، ولا علاقة لهم بالعقل والمنطق والتفكير السليم، ولهذا أجزم بشكل قاطع بأن الرد عليهم بالأفكار كما يطالب البعض، غير مجدي نهائيآ. المطلوب هو تغير المناهج التعليمية وأقصد بذلك موضوع الأديان والأفكار والنظريات الفلسفية. ومن الضروري جدآ الإهتمام بتربية الأهل لأن الأساس يبدأ من عندهم. وتعليم الطفل منذ الصغر أن يشك في الأشياء ولأفكار، وأن ينظر بنظرة ناقدة للأشياء والأشخاص من حوله، بما فيهم الأهل والمدرسين ورجال الدين والفلاسفة والقادة السياسيين والمفكرين والأحزاب وكافة الهيئات.

وإلى جانب ذلك علينا تعرية هذه المجموعات المتطرفة فكريآ وسياسيآ، عبر الإعلام وجميع المنابر الإخرى، ويجب إطلاق الحريات في جميع بلدان المنطقة وإقامة أنظمة ديمقراطية وتحقيق العدالة الإجتماعية. لأن غياب الحريات والديمقراطية والعدالة الإجتماعية وسياسة عدم قبول الأخر، تفرخ مثل هذه التنظيمات المتطرفة التي تعج بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأن، وبعض المناطق الإخرى من العالم.
إن ما ورد في هذه المقالة أيضا يجب أن يكون محل شكٍ ونقد، ولمن لديه شك في ما قلته عليه أن يجرب بنفسه ويناقش تنظيم داعش وجبهة النصرة وخواتها، من أجل وقف إجرامهم وإرهابهم وقتل الناس، ويخبرنا بماذا خرج من تلك النقاشات معهم. لعله ينجح فيما فشل الأخرون ويخلصنا من هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه المنطقة منذ سنين. وما ينطبق على هذه التنظيمات ينطبق على الأنظمة الإستبدادية أيضآ، لأنهما بنات نفس الأفكار والمدارس. أنا شخصيآ إنطلقت من تجربتي الشخصية مع بعض الجماعات المتشددة ولم أطرح كلامآ نظريآ هنا. 






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=5369