كوباني والتحدي الكبير للكتاب والفنانين
التاريخ: الجمعة 31 تشرين الاول 2014
الموضوع: القسم الثقافي



 ابراهيم محمود

المسافة هي التي ترسم نوعية العلاقة بين أي منا وموضوعه، وكوباني ليست مركز الدائرة، وكل من يحدد علاقته بها ليس واقفاً في نقطة محيطية، إذ لا محيط دائرياً للمساواة بين الجميع، كما يتوهم الكثير من الكتاب والفنانين الكرد، حيث إن نفَس مقاتلة كردية، وتوثب مقاتل كردي، يستحيل التعبير عنهما بالكلمة واللون ولو في عشرات الكتب واللوحات والأغاني، سوى أنهما مخاض ولادة منتَظر في الكتابة والفن.
واللافت في الكثير مما يكتَب ويتردَّد حول الفن: نصوصاً ورسماً وغناء، كمثال، هو هذا التركيز على كوباني في كتابات ولوحات وأغان كردية كثيرة باعتبارها تترجم مدى ارتباط أصحابها بكوباني اسماً وأهلاً وموقعاً ودلالة كردية.


من حيث الارتباط، لا يجوز إلغاء القيمة الوجدانية ولا الأثر الثقافي والفني في كل ما يشير إلى كوباني هذه، إنما ثمة ما هو مهم ينبغي النظر فيه، إذا أراد أي منا تقدير المسافة الفعلية بين ما يقوله ويقوم به عن كوباني كقلعة مقاومة كردستاني مجتمعة، وواقع كوباني، وحيث إن الحديث عن كوباني هذه لا يلغي الحديث عن أي رقعة جغرافية كردية، إذ لكل منها مأثرتها، ومدوناتها التاريخية المدماة والبطولية الكبرى، وما يقال عن كوباني يخص الواقع المكثَّف الذي يعيشه الكرد وهم في مرئياتهم العالمية: الإعلامية والخفي فيها ضمناً.
ثمة مستويات من النظر، وكيفية تمثيل المجابهة بالمعنى الثقافي والفني:
أسمّي أولاً، ما هو شعاراتي واستعراضي، وهذا يشمل نسبة كبرى مما يكتَب ويقال بوصفه أدباً ويرسم ويُغنَّى باعتبارهما فناً، لأن المضمون لا يتجاوز فورة العاطفة، لا بل ثمة معايشة لما هو استهلاكي وعلى حساب الثقافة الفعلية والفن الفعلي، وهذا يذكّرنا بما ردده اندريه جيد " إن العاطفة الجيّدة تنتج أدباً رديئاً "، والمتابع يشاهد ما لا حصر له من الذين يهتفون باسم كوباني والدعوة إلى الاستمرار ومجابهة الغزوة الداعشية ومن معها، لكن حرارة الهتاف تعادل زمنية الترداد أو لحظة التعبير في أحسن الأحوال، وأعتقد أن هذا الحضور النوعي الكبير والمفجع يرسم خطاً عريضاً وواسعاً حول أولئك الذين يجيّشون مشاعر الناس باسم الحزبية والانتماء الحزبي الواحد، والشخص الحزبي، والمزايدات التعبوية المضلّلة، كما لو أن الوطن معرَّف به حزبياً، والصور والشعارات شهود عيان على ذلك .
أسمي ثانياً أولئك الذين يذيّلون عناوينهم وما يرِد في الأسفل بالمكان الذي يقيمون فيه " الجهة الجغرافية والبلدة أو المدينة، ربما للتباهي أحياناً بالمقابل...الخ "، وكيف يختلط حابلهم بنابلهم. إذ ماذا يمكن أن يقال في من يكتب قصيدة شعرية في كوباني ذات نفحة استنفارية، وهو في أوربا، أو ما يعتبَر مقالاً عن صمود أهل كوباني بأسلوب إنشائي، وهو وغيره في وضعية استهوائية بعيداً عن أي تخوُّف يذكر ؟ وحتى بالنسبة لمن يكتب بعيداً بصورة نسبية عن كوباني، كأن يقيم في إقليم كردستان العراق، في أمان واستقرار معينين، وهو يكتب بالطريقة هذه، وكأنه ينافس الرابض على خط النار، أو على مشارف كوباني أو داخلها، وما في ذلك من سوء استخدام المكان والتشويش على الكتابة والفن .
أسمي ثالثاً ذاك الذي يوحّد في ذاته بين رؤية العدو وهو يشدد الخناق على كوباني، والكتابة أو الفن، حيث الأثر يكون مختلفاً .
هنا، لا بد من التنويه إلى مسألة رئيسة، لئلا يجيَّر مضمون المقال هذا، وهو أن المسافة" قرباً أو بعداً " لا تمنح أياً كان: كاتباً أو فناناً وسام إبداع، أو تصادره منه، إنما تكون القدرة على تمثل المكان بمن وما فيه، هي القابلة الكبرى لهذا النفيس المنتظَر من ناحية، وحين يأتي الأثر المكتوب والمرسوم أو المغنى تبعاً للجهة وخاصية الجهة تلويناً وتطعيمَ قيمة من ناحية أخرى، أي إن الإبداع وقوة التمثيل لا بد أنهما يتوقفان هنا على كيفية معايشة الجغرافيا وأهلها، كما في قراءتنا لكتابة ما، أو مشاهدة لوحة ما، أو الإصغاء إلى أغنية ما تخص الحدث: كوباني وأكبر منه، وكأن ثمة وحدة حال في الصميم أو بالعكس تماماً.
بعيداً عن التجريد، إن أهلية الكردي فناناً أو كاتباً، في الانتماء والإبداع وترْك الأثر، ترتبط بتسمية المكان بالذات، فما " أسخف " المقيم في بلد أوربي مثلاً، وهو يكتب قصيدة، أو مقالة، أو يرسم لوحة، على طريقة المقيم في جوار كوباني، على شاكلة: ثوروا، انتفضوا، الخلود للشهداء...الخ، بطريقة شعبوية، حيث يُشتمُّ منها أن الدافع هو تأكيد روح كردايتية ، ولكنها مبتذلة وللإيحاء إلى بطولة " منفاخة ".
وهذا ينطبق تالياً، على من يحاول منافسة غيره بعيداً عن الخطر، وليس في تاريخه الطويل أحياناً ما يشفع له بهذه " المقاومة " الثقافية، بالعكس، إن المكتوب والمرسوم والمغنى في الحالة هذه يعرّفنا بما هو مشوَّه في الواقع الكردي وانقساماته الكبرى.
طبعاً، وما يجب التركيز عليه، هو أن ليس في مقدور أي كان مصادرة أي كان من انتمائه الكردي أو الإنساني، إلا إذا انطلق مما هو متداول أو معمول به، وهو أن الولاء التحزبي والتكتلي والفئوي مدخل إلى المراد الكردي أو الكردايتي .
لكن ما يبقى، وكما تم لفْت النظر بداية، هو وجوب مراعاة أمرين اثنين: القدرة على الكتابة عن كوباني، كمثال حي لأكثر مما هو كردستاني، أو التعبير عنها رسماً وغناء، باستثمار المكان فيغتني كلٌّ من الفن والثقافة، والأمر الثاني، هو اعتبار المسافة محك الكتابة الجادة والمثمرة وهي الوحيدة التي يمكن أن تستمر في التاريخ.
ما يهم أيضاً، كما هي الدرْجة " موضة لها عراقتها في المنطقة ولدى الكرد ضمناً "، رؤية نسبة كبيرة " أقول نسبة كبيرة، وليس الجميع " من المنتمين إلى دائرة الثقافة أو الأدب أو الفن، وهم يظهرون على شاشة التلفزة الكردية هذه أو تلك، ومن جهات بعيدة، بحيث يتشدق كل منهم، وبحسب بلاغته، على أنه يستمد قوة أثره الثقافي والأدبي والفني من لحظة كهذه، ثم وهو يختلط بالمهاجرين المغلوبين على أمورهم، والمشردين الكرد، والمنكوبين الكرد، وهو يحرك يديه أو يفخّم صوته، ليلقى تصفيقاً، ومن ثم ثناء من المذيع التلفزيوني المشدود إلى المشهد، وليختفي أثره، كما لو أنه أثبت حضوره في سجل الخالدين الكرد بامتياز طبعاً، ويا لها من " شقلبة " مستهجَنة "، تترجم بؤس المأخوذ به كردياً.
وما يزيد في الطين بلَّة، هو أن لا حيلة فعلية لهؤلاء الذين يهتفون باسم هذا الطرف أو ذاك، هذا الشخص أو ذاك، وأرجلهم في النار، وأيديهم إلى الأعلى كما لو أنها مقيدة " من فوق "، وهم مكشوفون أماماً وخلفاً، لحالات جور وابتزاز قيمة، ومن يرى عن قرب ليس كمن يسمع من خلال المتلفز وطريقة بثه.






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=5180