تشرذم الحراك الثقافي في غرب كردستان - الجزء الثاني
التاريخ: الأربعاء 08 كانون الثاني 2014
الموضوع: القسم الثقافي



د. محمود عباس

  لو سايرنا الانقسامات الجارية في الحراك الثقافي وقارناها بالبعد الزمني التي ظهرت فيها أعدادها، بدءاً من أول بوادرها عند مواجهة مجموعة من الإخوة لرابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا ومحاولة بناء اتحاد كتاب خاص بهم إلى ظهور نقابة الصحفيين ومن ثم أتبعها بعد سنة ونيف أو أكثر اتحاد الكتاب التابع لأحزاب سياسية أو في كثيره للمجلس الوطني الكردي وغيرهم من المنظمات والتجمعات المتنوعة في منطقة غرب كردستان، وما يحضر له اليوم لإحياء اتحاد المثقفين بمؤتمر في الخارج يتبع في أبعادها السياسية مجلس الشعب لغربي كردستان، بعد مواته، ودون علم بعض مؤسسيه، لتبين بشكل فاضح مدى تشرذم الحراك وتشتته والمستقبل الهش الذي تنتظره، ولظهر لنا أسباب هزال كلمته وضعف تأثيره الفكري على المجتمع والحراك السياسي. 



وما سينجم عن هذه التجمعات من محاور وتنظيمات قادمة بتبعيات متضاربة، ذات الخلفية المتذبذبة لأغلبيتها، استمرارية على قبول الثقافة الجارية التي لا تزال تستند عليها معظم الأحزاب السياسية في غرب كردستان، وسوف لن تحاول أن تصلح هذه العطالة في ذاتها وستبقى  مستمرة على  الدرب ذاته  وبقناعة، بل وستتكالب على تكرار تجارب الأحزاب السياسية حيث الإلتهاء بالتنظيمات وفتح المكاتب وبناء المؤسسات والانجراف في الخلافات الحزبية والانتماء المطلق والتي ستؤدي إلى نسيان ماهيته ككاتب ومثقف ومنها إهمال القلم كسلاح رئيس، وبهذا يكون قد قضى على ذاته كرسول فكري للأمة.

  إن لم تقف الشريحة الثقافية المنتمية عند حدود ما هم عليه الآن من الانقسامات والتكالب على الأهواء السياسية، سيتجاوزون الحراك السياسي في الانعزالية وبعدها عن معرفة غاية الشعب ومتطلباته، وستصبح أعداد التنظيمات بأعداد الأحزاب السياسية وأكثر، ولا نستبعد أن يتحول البعض منهم إلى تنظيمات سياسية بحتة قائمة بذاتها!

  فعليه يجب التركيز والتنبيه على ما يجري في الواقع الكردي السياسي والثقافي لرؤية القادم من الزمن بشكل منطقي، لأن الغاية أبعد من تبيان ما يقوم به البعض من الأعمال الأنية والمليئة بالأخطاء، بل إن تنبيههم أصبح مهمة ملحة أهم من توعية وتوجيه الحراك السياسي. لا شك قبول التنوع في السلوكيات التنظيمية والانتماءات الفكرية وأساليب التنوير، يخلق التوحيد، ويجب تقبل ذلك في واقعنا الكردي، فالعديد من كتابنا (على سبيل المثال) يعلمون عمق التأثير الإيجابي الذي خلقه صراع واختلافات ألبير كامو وسارتر في منتصف القرن الماضي، في الفكر والثقافة العامة في المجتمع الفرنسي، بل والأوربي في كثيره، لكن يجب ألا تكون هذه الاختلافات ضمن الحراك الثقافي الكردي على حساب تأثيرها وهيبتها وكليتها كحركة قائمة بذاتها تملي ولا تملى عليها.

 إننا نحذر من الاختلافات النوعية بين ماضي المنطقة، وحاضرها، والمستقبل الضبابي. ماض تحت سيطرة سلطة شمولية كانت ترهب وتسيّر وكان لها الكل راضخاً، وحاضر المنطقة الكردية يوهم بحرية لا بنية ولا قوانين لها، تسمح في كثير من الأحيان ببناء المكاتب المتنوعة وعقد مؤتمرات في وضح النهار في قاعات قامشلو وعلى مرأى ومسمع السلطة المخفية هناك، حيث تحركات أطراف من الحراك في المنطقة بكل أبعادها، ونشاطاتها التنظيمية تمر بمراقبة بلا قيود من سلطة شمولية لا تزال تحكم في الخفاء، وتسيطر على مقاليد الأمور، وهذه السيطرة تتزايد في بعض الأحيان، وتتقلص حسب المتطلبات التكتيكية، والمستقبل لا يبين عن تقلص دور السلطة الشمولية أو من سيحل مكانها، بقدر ما يظهر عن استمرارية في بقاء الثقافة نفسها ولفترة زمنية لا يستهان بها وقد تسود إلى حين، وهي السلطة المعروفة بتاريخها الإجرامي وعلى مدى عقود، وحاضرها مبان، ولا نستبعد استخدامها مستقبلاً لكل أنواع الطغيان والسيطرة، حينها فإن المكاتب والحراك يكونان قد قدما الضحايا لضحالتهم في رؤية المستقبل، وستكون الاعتقالات والاغتيالات، والسجون، بل وستكون "السمعة" على المحك، علماً أن جدلية تغيير السلطة الشمولية قائمة والثقة بزوال النظام لا تخمد، لكن الحذر هي من ضرورات المرحلة وأول من يجب أن ينبه إليه هو الحراك الثقافي، فالخلافات بين الحراك الثقافي  وعلى محيطهم الأحزاب السياسية يجب أن لا تؤدي إلى تعميق هوة الصراع الكردي -  الكردي.

وبمراجعة مقتضبة لماضي المنطقة ودراسة واقعية مختصرة لمجريات الأمور في غرب كردستان، تتبين العديد من الخفايا التي يتلها عنها البعض من الحراك الثقافي ويتغاض عنها الأحزاب السياسية.  فبسبب ذلك الماضي المشؤوم خسر الحراك السياسي الكردي سمعته، وخسر الكثير من ماهيته وكانت من نتائج ذلك ما نراه اليوم، من تبعية كلية لطرفي الصراع على المنطقة: طرف كردستاني من خارج المنطقة والسلطة الشمولية من الداخل، وتم على أثره تسخير الحاضر الكردي السياسي في الداخل لأجندات خارجية ولقوى إقليمية، والبعض منهم يحاولون الطغي على مسيرة الحراك الثقافي للسيطرة على المنطقة فكرياً وإعلامياً.

  مع ذلك هناك ثقة وأمل قوي بمستقبل الحراك الثقافي، ففي الحقيقة السيطرة في الكثير من  أبعادها وهمية، وما يتبدى ستبوء بالفشل، لأن القدوة التي لا تغيب عنها النبوءة، ورؤية المستقبل بمنطق، لا تزال خارج  مجال الاحتواء والسيطرة، وستبقى الكلمة القوية حرة حتى ولو كانت الأن محصورة في جغرافية  بعض المفاهيم  السياسية، وهذه هي الرؤية والعمل الذي طالبت وتطالب به رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا في العديد من بياناتها وخرجت على أثر رؤيتها المستقبلية، بعدم الدمج بين الحراك الثقافي والسياسي والإبقاء على استقلالية المثقف والكاتب وقلمه، وترك العمل السياسي للأحزاب في المنطقة و النقد والتنبيه وتنوير الطريق قدر المستطاع، وبهذه الطريقة يمكن للقلم أن يردم الهوة ويخلق التقارب بين الأحزاب وينقذهم من  مفاهيمهم التحزبية والانتهازية، ويقضي على بعض الخلافات بينهم، وبناء على هذه المفاهيم  أصرت الرابطة على قرارها بعدم عقد مؤتمر في قامشلو، وهي نفسها الرؤية التي تدفع بها في عدم فتح مكاتب لها "معلن عنها بآرمات فاقعة" ضمن المدن والقصبات داخل المنطقة، لأن الواقع المبان حاضراً مخالف للحقيقة، وهنا يتيه قسم من الحراك الثقافي المنتمي مع الظاهر الوهمي، ويغيب عنه رؤية المستقبل، وسيكون من بين الضحايا، يوم لا ينفع الندم .


د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية



صدرت في جريدة بينوسا نو العدد (20) الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=4758