حين تكون «مصر» دون فاجوميها
التاريخ: الخميس 05 كانون الأول 2013
الموضوع: القسم الثقافي



   إبراهيم اليوسف

رحل أحمد فؤاد نجم..!
تقرأ الخبر العاجل عبر شبكة التواصل الاجتماعي، تشعر بمرارة وقع الصدمة الكبيرة، وأنت تتلقى النبأ، حيث ترمح أمام عينيك  قامة الرجل العالية، صوته المدوي، إباؤه، شموخه، مواقفه، بسالته، صلابته، ارتباطه بالناس، والتزامه بهمومهم، وآلامهم، وآمالهم، وتناوله كل التفاصيل اليومية التي تعنيهم دونما مساومة، كاريزما روحه، وضوح خطابه، أصالته، مشروعه الرؤيوي، انحيازه إلى عوالم البسطاء، والمغلوبين على أمورهم، نأيه عن الزلفى، والممالقة، ومناوأته المستبد،


 أياً كان، تحاول أن تسابق عقرب الساعة، وأنت تبحث عن أية ذريعة تدحض بها فحوى الخبر الأليم، دون جدوى، لاسيما عندما تجد أن صورة الشاعر الكبير تواجهك، وإلى جانبها، ما يثبت واقعة غيابه الصاعق، أنى مضى بك مركب العالم الافتراضي، كي يتعزز ذلك بتسلل الخبر إلى شاشة التلفزيون، كحدث استثنائي مرير:

 
رحل أحمد فؤاد نجم..!
لن تكون بحاجة إلى كتاب نقدي لمعرفة دور قصيدة نجم في متلقيها، هذه القصيدة التي استمعت إليها عن قرب، وتلقيت شحنة عالية من كهربائها، في إحدى أمسياته  في وطنك، وهو مع توأم روحه، أو الطرف الآخر في ثنائية الأغنية الثورية الأكثر بروزاً،أي: الشيخ إمام، وكان ذلك في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، حين أحييا أمسية فريدة، في تاريخ مدينتك، بينما كانا في ضيافة بلدك، يتقريان روحه، وخريطته، في مناسبة يوم عيد العمال، هذا البلد الذي ستعلم أن آخر ما قام به الرجل قبل ساعات من وفاته، أنه كان في زيارة إلى الأردن، ضمن مشروع مؤتمر لإغاثة أهله السوريين، وهو يأتي ضمن حياة مديدة، أهلته كي يكون الشاهد على مراحل عديدة، في حياة وطنه، منها ما كان في ظل الإنكليز، أو سواهم، بيد أنه دأب على دفع الضريبة، في كل مرة، ليسجن سبع مرات خلال حياته، من بينها أنه سجن مع الشيخ إمام، ليكون السجن محطة انطلاق جد مهمة في حياته، إذ تعرف هناك على عمال المطابع اليساريين، ليجد هؤلاء الذين سينضم إلى حزبهم الشيوعي، أقرب إلى روحه الرافضة للضيم، والذل، والعبودية، بل لتكون قراءته لرواية "الأم" لمكسيم غوركي تلك الزوادة الفكرية المهمة، التي راح يترجمها، وهو يكتب قصائده الأكثر أهمية، والتي لم يرددها شبابه مصر، في تظاهراتهم، سواء أكان ذلك في مواجهة الفساد، أو التطبيع، بل إن جمهور قصيدته باتت دائرته تتوسع، إلى الحد الذي كان أي متلق لخطابه، يحس إنما هو ليس مواطنه، فحسب، ولا جاره، بل ابن بيته، من دون أن تحول اللهجة المختلفة، التي كتبت بها، دون وصولها إليه، وهو أعظم ما يمكن أن يحققه أي مبدع على الإطلاق.
 
 
وإذا كان شاعر الشعب الأكبر أحمد فؤاد نجم، حامل جذوة الثورة، على امتداد عقود مديدة من حياته، فإنه وجد في ثورة أهله ترجمة لحلمه، ونبوءته، التي طالما كرس من أجلهما حياته، وهو يعاني من ألم حرقة أصابعه، ودفعه ثمن ذلك، سائراً عكس اتجاه الرياح الموقوتة في كل مرة، ما جعله يكون أحد أبرز من رددت الجماهير، الغفيرة، الثائرة، في ميدان التحرير، قصائده، تزرع في نفوسهم أمل الخلاص، الذي طالما بشرت به، في أصعب اللحظات في تاريخ مكانه، ما يجعلها جزءاً من ذاكرة الناس، جزءاً من تاريخ المكان، جزءاً من الثورة، كما قيل
 عنه بأن فصائده كانت جزءاً مهماً من حالة صناعة حرب تشرين1973 ،بل وهو ما يستحق أكثر من ذلك، مادام قد ارتقى عبر كلمته إلى مقام العالِم العالَم، والشاعر الكبير الحق، هو عالم وعالم على حد سواء، و هو ما سيجعل مصر ناقصة في غيابه، كما سيجعل عالمنا ناقصاً من بعده..!.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=4722