شخصيتان مؤثرتان في حياتي «أولهما خطيب وثانيهما فوال»
التاريخ: السبت 30 تشرين الثاني 2013
الموضوع: القسم الثقافي



ربحان رمضان *

شخصيتان أثرتا على مجرى حياتي ، إحداهما كانت شخصية معلمي في الصف الخامس الابتدائي ، الأستاذ يسار الخطيب ، في مدرسة عثمان ذي النورين الابتدائية للبنين  بحي الأكراد في مدينة دمشق ، كان عمري يومها اثنى عشر عاما ً ، أي في بداية شعوري المجتمعي المرتبط بدمشق المدينة ، وحي الأكراد ذو الغالبية الكردية آنذاك .. مرتع الصبا ..
الأستاذ يسار " رحمه الله إن كان قد توفاه ، وطيب ذكره إن كان لايزال على قيد الحياة في ظل حرب الطاغية الممانع ، والقومجي المتهافت بشار الأسد .


يسار هذا كان قومجياً - عروبياً ... حول كل الحصص التي كان يدرسنا إياها  في مدرسة عثمان ذي النورين في حي الأكراد بدمشق إلى حصص تاريخ وأدب عربي ..
حاول فرض علينا العروبة فرضا .. رغم أن الكثير منا بدأ بتعلم العربية عندما دخل المدرسة الابتدائية .
كان من بين زملائي هاني الدركزلي الذي التقيت به هذا العام في مؤتمر لفصائل من المعارضة السورية بالقاهرة ، ومنهم أحمد تاجا ، ورضوان مارديني وعبد السلام رمضان ابن الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي و الأستاذ جمال ملا محمود الأمين العام الحالي للحزب الديمقراطي الكردي السوري ، ومعه ابن عمه محمود ملا عيسى.... وغيرهم .
كان يسار الخطيب يخرجهما إلى السبورة ليستمع اللغة الكردية ، ويطلب منهما التحدث بها امام زملاءهما التلاميذ الصغار الذين لم يستوعبوا وضعهما العروبي الذي حاول الخطيب وضعهم فيه .
ذات مرة ضربني بالعصا على يدي أكثر من عشر جلدات لأني كنت أقول له : كردي ، فيقول : كلا ، أنت عربي ، أقول : كردي ، فيضربني ، وكان عمري لايزيد عن اثنى عشر سنة ..!!
ولما أعود من المدرسة إلى البيت كنت أرى في غالب الأحيان أصدقاء والدي ووالدي معهم متحلقين حول المذياع يسمعوا نشرة الأخبار باللغة الكردية من إذاعة صوت كردستان ، صوت ثورة أيلول 1961 والتي كانت تبث من كردستان ايران .
أصدقاء والدي كانوا الأستاذ محمد فؤاد مارديني رئيس ديوان المحكمة الشرعية في قصر العدل ، وعلي يونس بائع الألبسة الجوال في سوق الحميدية ، وديبان نعمو المزارع هاوي تربية الخيول الأصيلة ، والشيخ محي الدين بكاري ، الشهيد  الذي أقدمت دورية اسرائيلية على ذبحه في " عمرته " أي بيته بقرية الرفيد الجولانية التي أمر الأسد المقبور بترحيل اهلها قبل مجئ الاسرائيليين إليها ..
كانوا جميعهم ذووا حس وطني سوري ، في نفس الوقت الذي هم فيه قوميون " كرد " يتضامنوا مع ثورة أيلول المجيدة وقائدها الملا مصطفى البارزاني .. يفتخروا كونهم كردا ، أحفاد صلاح الدين ، حتى أن الشيخ الشهيد محي الدين بكاري كان ينسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكرد إستنادا إلى كون البراهيم الخليل غير عربي ، فيقول أن " برا - هيم" أي أخ الصخر باللغة الكردية هو ابن آزر الكردي ، وبما أنه جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كردي أيضا ، ويؤكد وحسب الروايات الدينية في التوراة والقرآن بأن اللغة التي تكلمها الانسان على الأرض بعد الطوفان كانت اللغة الكردية ، وأن كلمة الجهاركسية  المنطلقة على منطقة الجركسية في حي الصالحية " كردية " ومعناه الأشخاص الأربعة ..
بين الخطيب المتعصب لعبد الناصر وفكره القومي - العربي ، وبين والدي وأصدقاءه ، ووالدتي معه ، وحديث أقراني في الحارة والمدرسة وجدت نفسي قد انتميت إلى الموقف القومي الكردي بتشجيع من والدي ووالدتي رحمهما الله .
**************
بعد سنوات ، وفي المرحلة الثانوية دخل علينا الأستاذ محمد الفوال العربي - الدمشقي طيب الله ذكره وهو أستاذ مادة  " العربي " وتوجه إلينا نحن الطلبة بالحديث قائلا ً : " أعزائي الطلبة ، زملاءكم في الفرع العلمي سيبادروا إلى افتتاح معرض مدرسي في ثانويتنا ، ونحن يتوجب علينا المساهمة فيه باسلوب أدبي ، ماهي امكاناتكم لهذا المشروع ؟؟
رفعت يدي وسألته : وهل من المفروض أن يكون موضوع العمل فقط عن الأدب والتاريخ العربي ؟
قال : أوتقصد أن يكون أدب كردي ؟؟
قلت : نعم .
قال : عليك به .
لما رجعت إلى البيت سارعت إلى نشرات السرية للحزب الذي انتمي إليه وهو البارتي اليساري الذي تحول فيما بعد إلى حزب الاتحاد الشعبي الكردي في مؤتمره الخامس /1980 ، فأخرجت نشرة كانت تصدر عن منطقية حلب وجبل الأكراد اسمها " جيا " أي الجبل وفيها قصيدة كان قد كتبها المرحوم محمد نيو عضو المكتب السياسي للحزب عنوانها " بلنغاز" أي الفقير ، ومطلعها :
Baran du bari
Hendra tari ..
Govin ..  Gojin
Ser maya re si ..
حتى تتمة القصيدة التي تصف حالة الفقير - ال " بلنغاز " المفقودة الأن بفعل القمع القومجي السلطوي .
حملت القصيدة وذهبت إلى مرسم  الفنان "نوروز آلوسي " رحمه الله في حي الصالحية وطلبت منه نقل حال القصيدة على لوحة فنية .
وافق الأستاذ آلوسي ، فطلب مني مبلغ خمسين ليرة سورية على أن تكون بطول متر ونصف وعرض 70 سم ، دفعتها له حين استلمت اللوحة .
لما استلمتها ، أخذتها معي مرفقة بالقصيدة مكتوبة بالأحرف اللاتينية الكردية إلى مدرســـــــتي " ثانوية العناية " المجاورة لكنيسة الزيتون في باب الشرقي بدمشق  ليضعها الأستاذ فوال في المعرض .
في اليوم التالي سمعت أن مشادة واسعة جرت بين الأستاذ فوال وبين مجموعة طلاب من شبيبة الثورة البعثية كان منهم جورج مواس وجورج بشارة ، رفض فيها البعثيون تعليق اللوحة على الحائط لأنها غير عربية ، ولأنها تعكس قصيدة لأدب  كردي ، كانت فيها الغلبة للأستاذ فوال الذي أصرّ على تعليقها في صدر صالة المعرض ، وعلقت غصبا عن البعثيين في ذلك الوقت .
الأستاذان الخطيب والفوال تركا أثرا في نفسي ، حيث أن الأول دفعني أن أكون قوميا كورديا ً أؤمن بحق تقرير المصير للشعب الكردي ، ذلك إضافة إلى تشجيع والدي في الانتساب للبارتي الكردي ، وثانيهما الفوال رحمه الله دفعني إلى ايماني بالإخوة العربية - الكردية .
******************
اللوحة بقيت فترة طويلة في المكان الذي كنت أحتفظ به بمطبعة الجريدة المنطقية لحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سورية بدمشق ..
لكن ، وبعد إطلاق سراحي افتقدتها في المكان ، لم أجدهاا لأنها فقدت مع مجموعة الوثائق الحزبية والكتب القيمة التي أخفاها الرفاق خوفا من أن تكون وثائق ضدي أثناء الاعتقال .. سألت عنها وعن بقية الوثائق ، قيل لي أنها بأمان .. لم أصحبها معي في منفاي .. ولم أعد أعرف مصيرها فيما بعد .
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
* عضو قيادي في الحركة الوطنية الكردية ، معتقل سابق ومشارك في الثورة السورية المجيدة.
 







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=4714