أهل الحق أو اليارسان طائفة باطنية كردية (مخطوط غير مطبوع سيصدر قريباً عن دار الزمان في دمشق)
التاريخ: الأحد 01 تموز 2012
الموضوع: القسم الثقافي



دحام عبدالفتاح 

الحلقة الأولى
يتسم كتاب " أهل الحق " هذا بكونه ملفاً متعدد الروافد والمساهمات ، تتمحور خطوطه العريضة حول موضوع إشكالي في كثير من جوانبه . وهو ذو تشعبات متداخلة تجمع بينها خيوط دقيقة تكاد لا تُدرك تشابكاتها الضبابية إلا بسر الحدس الغنوصي الذي قد يزيد غامضها غموضاً في بعض تفسيراته الدلالية ... ومن ثم تتكامل نهاياتها على شكل منظور سلوكي عقائدي ، يأبى معتنقوه إلا أن يطلقوا على أنفسهم تسمية " أتباع الحقيقة المطلقة " التي هي حقيقة الذات الإلهية ، بينما ينعتهم آخرون غيرهم من الجوار المذهبي بما يكرهون ، إذ يدعونهم بـ " العلي إلهي " كناية عن مغالاتهم القصوى في حب الإمام علي ، ليحشروهم في زاوية التجديف الممجوجة إسلامياً وهم لها رافضون .


والكتاب ( الملف ) هذا يتكون من خمس مقالات متفاوتة العناوين مترادفة المضامين ، متكاملة . وهي لكُتّابٍ أربعة ، تتفاوت جهودهم المساهمة أهمية بتفاوت اقترابهم من المداخل المؤدية إلى الكشوفات المقصودة  من ظواهر " الكلام " المقدس وبواطنه ، سواء بالبحث الميداني أو التفسير الدلالي لموروث مغيَّب كثر فيه القول والاختلاف في مقاصد القول . و المقالات حسب تسلسلها في الكتاب هي :
-  المقالة الأولى للأب الباحث ( توماس بوا ) بالفرنسية . وهي حصيلة قراءة معمقة لكتاب " الباطنية الكردية " الذي ألفه ( الحاج نور علي شاه إلهي ) باللغة الفارسية استكمالاً لما بدأه والده ( الحاج نعمت الله جيحون آبادي مكري ) من قبله . وقد ترجم الدكتور محمد مكري الكتاب إلى الفرنسية فاطلع عليه الأب الأديب توماس بوا وأعجب به فكتب انطباعاته عنه  وعن الطائفة في مقالته هذه ، مستعرضاً نشأة المذهب ومبادئه وطقوسه كما وردت في الكتاب مع شيء من الشرح والتعليق .
-  المقالة الثانية بعنوان : " حقيقة باطنية وتاريخ خارجي عالم أهل الحق في كردستان " ، كتبها الباحث ( زيبا مير حسين ) بالإنكليزية . وهي مقالة بحثية تتناول جوانب عديدة من معتقدات الطائفة وطقوسها .
-  المقالة الثالثة للدكتور محمد مكري وهي بعنوان " تفسير الأحلام عند أهل الحق " ، كتبها بالفرنسية . يتناول فيها الدكتور مكري دلالات الأحلام الرؤيوية وتفسيراتها المختلفة عند أهل الحق ويقارنها بما يماثلها عند الشعوب الإيرانية عامة .
-  المقالة الرابعة بعنوان " رمزية الدرة في الفولكلور الفارسي وعند أكراد أهل الحق " وهي أيضاً للدكتور مكري وباللغة الفرنسية . في نهاية المقالة الرابعة هذه يورد الدكتور محمد مكري أبياتاً منظومة من الشعر المثنوي تبلغ نحو (415 ) بيتاً مقتبسة من كتاب " شاهناميى حقيقت " أي (كتاب ملوك الحقيقة ) للحاج نعمت الله جيحون آبادي مكري . والكتاب ملحمة شعرية فريدة بطابعها المميز ، متَفرّدةً بمضمونها المتوهج بالألق الروحي الفياض . يبلغ عدد أبياتها نحو (11117 ) أحد عشر ألفاً ومئة وسبعة عشر بيتاً من الشعر المثنوي ، المنظوم على البحر المتقارب . والكتاب مدوَّن باللغة الفارسية الممزوجة باللهجات الكردية ( الگورانية ، اللورية ، الهورامانية والكرمنشاهية ) . وهي لهجات كردية أصيلة ، متقاربة يسهل التفاهم بين أبنائها المتحدثين بها .
-  المقالة الخامسة والأخيرة كتبها ( إصلاح دحام عبد الفتاح ) ، مترجم المقالات الأربع([1]) السابقة إلى العربية ( الأولى والثالثة والرابعة من اللغة الفرنسية و الثانية من الإنكليزية ) ، عنوان هذه المقالة " الأثر الإيراني القديم في الثقافة الدينية لأهل الحق " . ويبدو واضحاً من العنوان أن الكاتب يعقد مقارنات بين بعض وجوه التشابه والتلاقي في معتقدات وطقوس أهل الحق وما يناظرها في ديانات الشعوب الإيرانية القديمة .
أصل العقيدة عند أهل الحق ( باختصار شديد ) قائم على الإيمان بالله الواحد الأحد ، المتفرد بوحدانيته ، خالق أزلي ، عندما كان لم يكن أحد أو شيء سواه . خلق من جوهر ذاته الإلهية الدرة البيضاء ، الكامنة في قاع المحيط البدئي ، ومن الدرة خلق السماوات والأراضين وما بينهما ، وخلق الأرواح قبل الماديات . فهو الخالق لكل موجود ومتواجد في باطن كل مخلوق ( على مبدأ وحدة الوجود ) . الأرواح في معتقد أهل الحق خالدة والأجساد بالية . والجنة وجهنم مفهومان معنويان لا وجود لهما في الواقع المادي . والمفهومان يعنيان القرب من الله والبعد عنه . فبقدر ما يكون العبد قريباً من الله ينعم بالفرح والسعادة والاطمئنان ، وبقدر ما يكون بعيداً عنه يشعر بالمرارة والخزي والعذاب .
تقوم أسس المعتقد الديني عند أهل الحق على مبدأين :
1-  مبدأ التجسد أو ما يسمى عندهم بالـ ( دونه – دون ) . وهو أن تتجسد الذات الإلهية أو أحد الملائكة أو الرسل أو أحد الأولياء في شخص ما ويظهر على هيئته .
2-  التجلّي أو ما يسمى بـ ( مظهريت ) . وهو ظهور المتجسِّد في صورة وهيئة  الشخص المتجسَّد فيه .
وبناءً على هذين المبدأين فإن حياة الإنسان في هذا العالم رحلة الروح المستمرة عبر سلسلة متلاحقة الحلقات من التجسدات والتجليات قد تبلغ الـ ( 500 ) حالة تقمصية في مدة زمنية قد تبلغ الـ ( 1000 ) سنة . ( الكتاب ) .
إن درجات الارتقاء أو الانحدار في حالات التجسد مرهونة بأعمال الإنسان . فبقدر ما تكون الأعمال صالحة يرتقي المرء في تجسداته حتى يبلغ الكمال المنشود . وينحدر بسوء أعماله إلى الحضيض في تجسدات حيوانية أو حشرية .
إن هذا الاعتقاد يخلق حافزاً قوياً عند المؤمنين من أهل الحق ، يدفعهم للتسابق إلى الخيرات وصالح الأعمال أملاً في المكافأة المجزية التي يحصلون عليها في حياتهم ( الدنيوية ) هذه .
وفق " الكلام خان " فإن عقيدة أهل الحق هذه قديمة ترجع إلى الأزل ، وان العالم المحيط بنا من الجهات الثماني ، في إطار الزمن الكوني يمتلك أبعاداً دائرية ، تتكون من حلقات دائرية متلاحقة ، من التجسدات والتجليات المختلفة ، التي عبرت عن مفهوم التبدلات المرحلية لشكل الحقيقة المتجلية ، التي تُدرك بالكشف العرفاني ( معرفت) كالتالي :
-   في دائرة الحلقة الأولى كان الـ " خوندگار" الخالق ، فكان خلْق العالم وما فيه .
-  في دائرة الحلقة الثانية كان التجسد الإلهي في " عليّ " فكان الإسلام وكانت الشريعة  .
-  في دائرة الحلقتين الثالثة والرابعة كانت الطريقة العرفانية والإستشراقية الصوفية الـ ( معرفت ) ، معرفة الحقيقة الإلهية المطلقة .
-  في دائرة الحلقة الخامسة تجلّت الذات الإلهية في جسد السلطان "إسحاق " ( سيهاك ) فكانت الحقيقة المطلقة التي نسخت كل ما قبلها من عقائد وديانات وشرائع . وبهذا التجلي تحررت طائفة أهل الحق من قيود أحكام الشريعة الإسلامية ، التي كانت مفروضة عليهم قبل ظهور السلطان إسحاق ( الكتا ب) .
وأحياناً يطلق على مذهب أهل الحق تسمية " مذهبي ياري " أي مذهب العشاق ( عشاق الحقيقة المطلقة التي هي حقيقة الذات الإلهية ) كما يطلق على أهل الحق تسمية ( يارسان ) . ففي المعاجم الكردية والفارسية تأتي الكلمة بمعنى واحد ، فهي كلمة مركبة من ( يار + سان ) . و( يار ) تعني العاشق ، الصاحب ، الخليل ، الصديق ، الأليف . أما ( سان ) ففيها آراء :
1-  هي في اللهجة الگورانية الكردية وفي اللغة البهلوية القديمة تأتي بمعنى " الشاه " ([2]) ( الملك أو السلطان ) . وبهذا تكون كلمة " يارسان " بمعنى ( ملك العشاق ، سلطان العاشقين ، أتباع الشاه ، أصحاب السلطان ...) . وتطلق عموماً على الدراويش من أتباع السلطان إسحاق ومريديه ( أهل الحق ) .
2-  والتفسير الثاني هو أن ( سان ) لاحقة مكانية مخففة من ( ستان ) التي تدل على المكان ، وبهذا التفسير فإن ( يارسان ) تعني موطن ( اليار ) أي مكان أهل الحق وموطنهم .
3-  التفسير الثالث ، نبهني إليه المرحوم ( حسن قزلچي ) في بحثه القيم حول الإبدال في اللغة الكردية ([3]) ، إذ يقول ، تُبْدل الـ ( ك ) بالـ (س ) في بعض الكلمات ، مثل ( سات = كات ). وبناءً عليه يمكن تحليل كلمة " يارسان " على الوجه التالي :
-  بالإبدال المذكور : يارسان = ياركان
-  فإذا افترضنا أن ( الراء ) في ( يارسان ) مفتوحة وأن الفتحة حذفت للتخفيف في الاستعمال الشعبي ( يارَسان = يارَكان ) .
-  يارَكان : - ( يار ) بمعنى العاشق ، المعشوق ، الحبيب ...
           -  ( ئه كان / أَكان ) في الكرمانجية الجنوبية علامة الجمع تلحق الأسماء المعرفة .
وعلى هذا الوجه تكون كلمة ( يارَكان ) بمعنى العشاق ، الخلان ، الأصحاب .... وبإعادة الحرف الأصلي (س) ، تكون ( يارَسان ) أو بحذف فتحة (الراء) ( يارسان ) بمعنى العشاق ، الخلان ، الأصحاب ...
وتأييداً لهذا الرأي فإن كلمة (يارسان) مستعملة في كل ما مرّ معنا  في الكتاب بصيغة الجمع ( الياريون والياريين ) بمعنى ( أهل الحق ) . ويقول الباحث في شؤون أهل الحق " گلمرادي مرادي " :
" إن تسمية الطائفة بأهل الحق  خطأ والأصح تسميتهم بـ  يارسان " ([4]) .
..... يتبع

[1] - حصل المترجم على المقالات الأربع من أرشيف المركز الثقافي الفرنسي في دمشق
[2] - فؤاد عبد الرحمن : مجلة " سَرْدَم " Serdem)) باللغة الكردية ( الصورانية ) العدد (84) لعام (2009) – السليمانية – كردستان العراق .
[3] - حسن قزلچي : مجلة المجمع العلمي الكردي – المجلد (6) – بغداد (1978 )
[4] - فؤاد عبد الرحمن : مجلة " سَرْدَم " Serdem)) باللغة الكردية العدد (84) لعام (2009) – السليمانية – كردستان العراق .
.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=4045