تبرير غيابٍ عن حضور اللقاء التشاوري لتأسيس اتحاد الكتّاب الكرد
التاريخ: الخميس 15 اذار 2012
الموضوع: القسم الثقافي



  عمر رسول

تلقيت قبل يومين دعوة "ككاتب" لحضور لقاء تشاوري لتأسيس (اتحادٍ) للكتّاب الكرد في سورية على غرار اتحاد الصحفيين الكرد، ليجد تمثيله فيما بعد في المجلس الوطني الكردي في سورية.
لا شكّ أن أية خطوة صوب المؤسسات المدنية هي موضع ترحيب وتشجيع، ولكنني لم ألبِّ الدعوة للأسباب ذاتها التي بيّنتها في الرسالة أدناه، (الموجهة إلى الأخ الأستاذ Melayê Kurd المحترم، بتاريخ 1/9/2001 )، راجياً قبول اعتذاري.  



نص الرسالة كاملة:

 الأخ الأستاذ Melayê Kurd المحترم
تحياتي القلبية الحارة
أتمنى أن تكون صحتك على خير ما يرام لتبقى سيداً على عرش وقتك دائماً.
أُخبرتُ بأن اسمي قُدم إليك كـ"كاتب كردي" بغية إجراء مقابلة معي لتنشرها فيما بعد في كتاب يضم أصوات رهط من الكتاب والأدباء في الساحة الكردية في سورية.
ومنذ ذلك الحين وأنا أرتعش رهبة، لا أعرف ما الذي أصابني بالضبط، وتساءلت: هل أنا على هذه الدرجة من الأهمية في الساحة الأدبية ولا أعرف لمكانتي قيمتها أم أن مجرد أن يكون اسمي في دائرة الكتّاب (وأنا لست كاتباً) هو السبب في إثارة هذه الزوابع الراكدة في أعماقي، وليضعني وجهاً لوجه أمام هذا التساؤل الحاد:
إذا كنت كاتباً، فمن هو إذاً ليس بكاتب؟
ويتناولني، على الفور، تساؤل آخر أكثر حدة وهو:
أساحتنا تخلو، إلى هذه الدرجة، من الكتاب والأدباء حتى يطرح اسمي عليك لإجراء مقابلة معي؟ وقبل أن التقط أنفاسي، ينهض من دائرة القلق ذاتها، تساؤل آخر يحمل خطاباً في يديه، يتقدّم مني، على مسرح الوقت، يفرد خطابه بكثير من الهدوء والثقة ثم يبدأ بإلقائه حتى النهاية وهو يحدّق في البعيد البعيد، ويقفل الخطاب بهذه الكلمات:
"أيها المرتعش، كغيرك، في غابة الأبجديات...لماذا لا تلملم أجزاءك من جراحك المتناثرة هنا وهناك لتصوغ منها كلمة تليق بقامة آلامك وبحلمك الإنساني الذي ينمو ويتصاعد في القوارير رغم غياب الضوء والهواء."
ثم يختفي التساؤل في الخطاب ذاته.
لتبدأ التساؤلات الأخرى بالتشابك كالديكة...فالدم وفير، والوقت أوفر، وساحة الاشتباك واسعة.
" ما الذي يجري، أهي لحظة لعنة أم لحظة ثورة؟"، يهمسها في أذني تساؤل قادم للتو من أسفاره ورحلاته، ويعبرني متابعاً مسيرته الشاقة..بينما الروح منهمكة في نزيفها، والطيور المهاجرة تعود عابرة فضاء نزفي وقد اختلطت عليها نواميس الطبيعة مثلما اختلطت عليّ تساؤلاتي.
حاولت أن ابتعد قليلاً عن فوهة التساؤلات الثائرة الهائجة وهي تقذف بمهيلها الحار صوبي في كل الاتجاهات.. وتلاحقني بألسنة لهبها أينما سرت، ولكنني فشلت. ولم تسعفني محاولات إغلاق الباب عليها إغلاقاً محكماً لتفطس كقطط جائعة..ولم يسعفني أيضاً الهروب منها إلى دائرة الأصدقاء باهتماماتهم المختلفة. لم يبق لدي مفرّ سوى اللجوء إلى رحمة القلم..لجأت إليه مضطراً، وأقولها بصراحة لولا ضراوة الحالة، ولولا معرفتي العميقة بأن الكتابة وحدها ستنقذني من هياج وثورة التساؤلات لما كتبت لك الآن.
لذا فأول ما أعلنه على الملأ هو:
إنني لست كــاتباً.
ولست متحمساً قط أن أنضم إلى جيوش القلم-جيوش الحرية، وأنا بهذا الهندام البائس حيث لا امتلك نعلاً، ولا أتقن فنون السير في قوافلها بعد.
ثم إنني لا أريد أن أغتصب الكلمة، وأفض بكارتها كقروي عنيف فظ، لا يجيد الاستلطاف والمداعبة، لأشكّل بذاك العنف وتلك الفظاظة أسرتي مع الكلمة، فأي ذرّية ستكون نتاجها؟!
ومن بعدها،
كيف سأقف في محراب الجراح، وأنا بهيئتي الرّثّة، أرتدي معطفاً من الكلمات الباهتة الممزقة، واقفاً في مهب العواصف العاتية أرثي تاريخي الشخصي، وتاريخي الأكثر من الشخصي والأبعد من العام.
من بعدها،
بأي روح سأستمع إلى عبقري الألم والنغم، الخالد محمد شيخو، وقد ترك لنا، بعد رحيله صوته ظلاً لروحه، يطوف بالأمكنة والأزمنة ليحمي أرواحنا من الخراب والشيخوخة المبكرة.
من بعدها،
بأي قلب سأقف أمام سليم بركات لأتلو عليه شيئاً من "سيرة ثالثة" تنتعل صباحاتها الحنين والاغتراب وهي تقضم، في مسيرتها، ما تيسّر من "تراتيل" يبثها ملوك الحروب والطاعون وهم منهمكون في هندسة المزيد من الحروب المنظمة المدمرة للاستيلاء على جمجمة عائمة في مياه حلم طفل بدء يتشكل للتو في الرحم.
من بعدها، بأي جسارة سأقف أمام لوحة من لوحات عمر حمدي "مالفا"، وهي تندلع بأرواح الملائكة حدائق تجري فيها أنهار اللون لغزاً يبحث عن مفاتيحه في ملكوت الأسرار!
وكيف سأعبر الجسر إلى دمشق، وأنا هزيل لهذه الدرجة، لأستمع إلى محاضرة يلقيها الأستاذ صادق جلال عظم عن مأساة إبليس.
وكيف سأقف على ساحل المتوسط، لأستمع بكثير من الحنين لصوت محمود درويش قادماً من اللانهاية مع زرقة البحر لتعلو أبراج روحي وتعلو دورة الخراب في أزمنة الممالك والمدن. ولأخطف من الموج صوت أدونيس وأقطف كلماته من أشجار السنديان الأزلية في الجبل..وأطلب منه بلغتي أن يعلّمني كيف أطحن الفضاء بالموج والشجر لأقدّم عقداً من لؤلؤ الكلمات لأنثاي في أعياد نوروز المندلعة بالنور والنار، حتى تفرد لي خصلات شعرها وتقبل أن أقصّ خصلتين منها: لأجرّ بالخصلة الأولى البحر إلى برّنا الأرمل، وأقدّم الخصلة الثانية إلى طيف صلاح الدين وروحه الشامخة أمام القلعة الدمشقية ليرتّق بها حكايا الياسمين على أكتاف المدينة ويشكّل منها رسناً لحصانه الجديد علّه يكمل المشوار في بناء الحصون لنعلن فيها، أنا وأنثاي، عن زفافنا المتأخر كثيراً !
وبأي ملامح سأقف أمام خيول "يوسف عبدلكي" وهي في مناظرتها الساخنة مع الشمس ترسم ملامح مرحلة بكت حتى النزيف على نفسها، وهي تعبر سلالم التاريخ نحو طفل كسيح يقدّم أقدامه شموعاً لبروميثيوس الضرير !
لكل هؤلاء أنحني إجلالاً وأقول:
                           سوف لن أسيء إليكم.
ولك أيها الأخ العزيز " "Melayê Kurd أقول:
اعتذر شديد الاعتذار عن المقابلة لأنني لست كاتبا ًبعد، ولا أريد أن يتقدّم ظلّي على جسدي، كالبعض، فأنا شديد التعلّق بظلّي، وأعشقه وأتشبث به كي لا ينفصل عني، أريده علامة على حركة جسدي في المكان وليس العكس.
أشد على يديك
متمنياً لك كل النجاح في مشروعك الثقافي
دمشق -  1/9/2001
----------------------------------
انتهت الرسالة
barano@mail2world.com







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=3807