اليوم العالمي للتسامح / قبول الأخر
التاريخ: الخميس 24 تشرين الثاني 2011
الموضوع: القسم الثقافي



برزو محمود

في النصف الأول من القرن العشرين عانت البشرية من ويلات وكوارث حربين عالميين، وهذا ما  جعل الحكماء والعقلاء في الدول العظمى يفكروا في إيجاد منظمة دولية تهتم بالنزاعات الدولية والأقليمية ومسألة السلم العالمي، فشكلوا منظمة (الأمم المتحدة) التي صدرت ميثاقها في 26 حزيران من عام 1945 في سان فرانسيسكو بهدف تجنيب الأرض ويلات الحروب والمعاناة بقولها: “نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية”.


ومع انتهاء فترة الحرب الباردة، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة" في عام 1993 بأن عام 1995 سيكون سنة الأمم المتحدة للتسامح (القرار 48/126) وفي16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 بادرت منظمة اليونسكو للطلب من الدول الأعضاء اعتماد إعلان المبادئ المتعلقة بالتسامح (tolerance) وخطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح تلا ذلك دعوة الجمعية العامة الدول الأعضاء عام 1996 إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام من خلال القيام بأنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور (القرار 51/95 المؤرخ 12 كانون الأول/ ديسمبر).
نتيجة لتزايد مظاهر النزاعات القومية والعنصرية العدوانية وحالات كراهية الأخر ورفضه، إلى جانب حالات الاستبعاد والتهميش والتمييز ضد الأقليات الوطنية والاثنية والدينية واللغوية، وتزايد أعمال البطش والعنف ضد كل من يحاول ممارسة حقه في حرية الرأي والتعبير. هذا الوضع الدولي دفع بمنظمة الأمم المتحدة أن تولي أهمية كبيرة لمسألة التسامح، وفي السادس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر لعام  1995 أصدرت اليونسكو إعلان المبادئ بشأن التسامح وأوصت دول الأعضاء الاحتفال بهذا التاريخ من كل سنة كيوم دولي للتسامح وقبول الأخر وحثهم على نشر ثقافة التسامح بين المواطنين عن طريق تنظيم احتفالات وأنشطة وتقديم برامج خاصة.
وللمساهمة في تطوير رؤى وطرائق التعامل بين البشر وشعوب الأرض، قدمت منظمة الأمم المتحدة توضيحاً لمعنى التسامح/قبول الأخر وفق التعريف التالي: “يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وأنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجبا أخلاقيا فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضا، والتسامح، هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب" وبأنه "لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل، بل التسامح هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا. ”
وبأن ممارسة التسامح: “لا تعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها. بل تعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم. والتسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهي تعني أيضا أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض علي الغير. ”
ومن الملاحظ أن كثيراً من الدول المستقرة التي لا تجد فيها نزاعاً إثنياً او عرقياً أو دينياً تهتم بهذا اليوم إهتماماً مميزاً، أما الدول التي تعيش فيها مكونات عدة، كالعراق وسوريا وتركيا وايران، حيث تفشي روح الكراهية ضد الأخر وعدم الاعتراف بالآخر ووجود النزاع الشرس والدموي بين مكونات المجتمع، نجد أن حكومات هذه الدول لا تحاول ولو التذكير فقط بهذا اليوم، لأنها تتصرف في الأساس خلافاً لمبدأ قبول الأخر، وإلا لأعترفت على الأقل بالقومية الكوردية بين ظهرانيها. الأمر الأخر هو أننا نلمس تعتيماً إعلامياً واضحاً وممنهجاً يمارس في هذا الشأن، إذ نجد أن منظمات المجتمع المدني المعنية بالأمر لا تعطي الموضوع الأهمية اللازمة، فضلا عن أن الكتاب والمثقفين والأعلاميين لا يلتفتون إلى أهمية هذا اليوم علماً ان الدين الاسلامي يتميز بثقافة التسامح.
          إن العمل من أجل بناء مجتمع خال من التعقيد والكراهية والتوحش والإقصاء، من أجل بناء مجتمع الأمان والسلام، يستوجب علينا جميعاً، وخاصةً النخب الثقافية والسياسية، الإسهام في بث ثقافة التسامح وقبول الآخر والاحترام بين أبناء المجتمع فضلاً عن تشجيع الحوار والتعاون فيما بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب. وهذه المناسبة الدولية تعد فرصة جيدة للحديث عن التسامح سواء في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أو في المساجد والجامعات والمدارس، أو الندوات والاجتماعات مما يرفع من قيمة الموضوع ويضعه أمام أعين الناس فيلتفتون إليه ويفهمون معناه.  
فالأديان السماوية جميعها جاءت بالسلام، وتعمل من أجل نشر الأمن والأمان بين الناس في الحياة، وغرس الإطمئنان في النفوس، والسعادة الحقيقية هي اللحظة التي تنام في بيتك آمناً ومطمئناً. ولن يتحقق السلام الحقيقي ما لم يحميها قادة مصلحون، قادة سلمت قلوبهم من الطغيان، ومن الأنانية ومن الأحقاد، وهؤلاء القادة تسندهم قوة، هذه القوة ليست للبطش، وليست للإرهاب، وليست للعدوان، وليست لإنتهاك الحرمات، وإنما لتأمين الحرية والكرامة والمساواة بين جميع فئات الشعب. 
ثقافة التسامح/قبول الأخر هي محاولة لصياغة علاقات حضارية متطورة وراقية تستند على فهم واعي وادراك سليم بإحقاق الحق، والإعتراف بالأخر، ونبذ الحروب، والبعد عن الاقتتال الداخلي. وعلى هذا الأساس من الضروري العمل على نشر ثقافة قبول الأخر بين طرفي الصراع باقناع الشعب المقهور من ناحية، والحكومات القاهرة من ناحية ثانية لكي نكون قادرين على تحقيق الأهداف المرجوة من هذه القضية، وفي النهاية سوف يؤدي الأمر إلى تكوين رأي عام عالمي قادر على "تفهم حقوق الشعوب والجماعات البشرية المناضلة من أجل استقلال أو كسب حقوق متساوية في وطنها، أو الاعتراف بحق كل المنتمين لأقليات عرقية أو دينية أو مذهبية أو عقائدية في أن يتمتعوا بحقوق متكافئة وفق نصوص ومواثيق الدولة ذاتها أو حسب ما جاء في ميثاق حقوق الأقليات الذي تم التصديق عليه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الثاني عام 1991 ".  وإذا أردت في الوقت الراهن أن تصنع حاضراً متوازناً ومستقبلاً ينعم بالاستقرار ولا سيما في الشرق الأوسط، ثمة حاجة ملحة إلى نشر مبدأ قبول الأخر/ العفو/التسامح كسلوك حضاري يلتزم به الناس في علاقاتهم بالأخرين المختلفين معهم سواء في القومية أو في الدين أو في اللغة أو في المذهب.









أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=3697