الشاعرة بهرة علي، لهاث إيقاعات الحب وألم البعاد.. دراسة في النقد النفسي
التاريخ: الأحد 20 شباط 2011
الموضوع: القسم الثقافي



خالص مسور

في القصيدة الأولى من قصيدتين غزليتين نشرتهما على المواقع الإلكترونية، تخاطب الشاعرة بهرة علي فارس أحلامها قائلة:
1-
عزيزي، ما يهمني هو الخيال
أوان مخاصمتي معك
فالخيال يأخذني، يا قلبي،
بأبهى صورته اليك، عزيزي


تظل سعادة قلبي أنت
مهما ابتعدت
لا تظن في عدم لقياك
ستمحو صورتك من قلبي
ففي ذاك الوقت، تكون أكثر دلالاً،
 في غيابك عن المكان
تشعل بهرة كلماتها الشعرية بلهيب انفعالانتها النفسية الموارة بالحب والغرام، وبخلجات قلب شاعرة تاهت بها المسعى في فضاءات عشق سرمدي، فبدت تتذلل لفارس أحلامها وتناديه بعبارات موحية بحالة من الحميمية والنداوة، تعيد الأضواء إلى شموع عمرها المطفأة منذ أمد مديد، وتنير طريق عمر عمياء تاه في دروب الحب وآهات العشق والأحلام، فالشاعرة تعاني حالة الانكسار وألم الفراق ونيران الهوى والعذاب وهي تنتظر حبيب أحلامها، وفي حمأة هذا الانتظار لحبيب غادر ولم يأت بعد، باتت تنهشها مخالب البؤس وعذاب الحب والهوى وحياة ظلماء لا نبض فيها وجسد فاقد الروح لاحياة فيه ولا حراك، إن لم تسلم قلبها الذي داهمه الحب من غير معاد، لحبيب طال بعاده ليخفق بين يديه في لحن حب سرمدي نابض بالعشق والجمال.          
أما في مقاربتنا النقدية لنص القصيدة الأولى نقول، رغم توفر حالة من النثرية الطاغية على السطور الشعرية كما في:
تظل سعادة قلبي أنت
مهما ابتعدت
وفي:
لا تظن في عدم لقياك
ستمحو صورتك من قلبي.....
بالإضافة إلى تكريس بعض الصور الكلاسيكية المعتادة وغير المبتكرة وما جر ذلك جزئياً إلى الاقتصاد في الصور الشعرية الحداثية، لكن القصيدة تتوفر على حالة من الوحدة العضوية وعلى توهج حالة من العشق طغى فيها المضمون على الشكل والنفسي على المادي، لكن الشاعرة استطاعت تبهير سطورها الشعرية بإسلوب الالتفات أو الابتداء بأداة النداء المحذوفة في كلمة /عزيزي/ التي خلقت حالة من التكثيف الدلالي للعبارة المستوعبة لكل آهات العشق والشوق، بحميميتهما الطافحة بالحب الصوفي المتناغم مع فضاءات الغرام والحب الأبدي، بالترافق مع الإيقاعية الجميلة المنسجمة مع الحالة النفسية المتوترة والمستفزة للشاعرة، كما في - عزيزي- ياقلبي – عزيزي- ورغم أن الجملة الإسمية تعطي انطباعاً عن جمود الحركة الشعرية، ألا إن الشاعرة افلحت في تحريك المشهد العشقي الحافل بالمآثر الإنسانية والثراءات الدلالية للكلمة أو العبارة الشاعرية الموحية بالحركية والنشاط باستخدام الأفعال المضارعة كما في – يهمني- لتخاصمه في الخيال – موجهة كاميرتها الخفية بدقة معهودة لتلتقط حبيبها في وضعية الإدانة البريئة وهي تخاطبه بالكلمة الكاثرسيسية (التطهيرية) المحببة على النفس والشديدة الثراء والإيحاء وهي كلمة -عزيزي- بالإضافة إلى ما تتوفر في هذه الكلمة من رنة موسيقية متناغمة ومنسجمة بفعل التنغيمية الرهيفة الصادرة عن تكرار حرف الزين المهموس في تصويرها الشاعري المثير لمشهد عشق حالم  يحفل بالإثارة والإدهاش.
وتظل المعاناة تعتصر قلب الشاعرة فتفصح عن مكنوناتها وأحاسيسها المتقدة في لحطة مزج بين عاطفتي الحب والحزن، حزن على حبيب تتذكره وعشيق لاتبغي مفارقته. كما اتصفت الموسيقى الشعرية بكثير من الجمال والتناغم مع رنين أجراس عبارات وحروف السطور الشعرية، أغنتها اختيارها للألفاظ السهلة القراءة مع استعمال قلة من الصور الحداثية الجميلة كما في – القلب المتداخل- القامة المجنونة – سراج طريق قلبي – تعرجات طريق عمري عمياء – بالإضافة إلى قدرة الشاعرة على تفجير الطاقة اللغوية وتلوين سطورها الشعرية بألوان من العبارات المتعددة المعاني الدلالية، لتكون تجسيداً في نفس الوقت لمعاناتها الذاتية عن طريق اللقطة التلفزيونية المباشرة لتعبر بها عن صحراوية الحياة التي تعيشها جراء فقدها لحبيب تاه في صحاري الحب فطال انتظارها وهي تترقب عودته ولو في الحلم على فرس شهباء باذخة المنظر. كما أفلحت الشاعرة في التعبير عن قلقها الوجودي وشعورها الداخلي وانكسارها العميق بالكلمات المؤثرة والعبارة الموحية ذات النغمة الحزينة في محاولة منها للتأثير على المتلقي ودفعه نحو الشعور بما تعانيه هي من قلق وتوتر.
هكذا رأينا الشاعرة بهرة علي وهي تحاول القفز من فوق عوائق الحياة الاجتماعية لتعانق فارس أحلامها الحاضر الغائب قائلة: أيها الحبيب الغائب عني حاضر أنت في مخيلتي رغم غيابك جسدياً أمام ناظري، لكن ليس مهماً الغياب الجسدي بل الأهم هو الذكرى والخيال وأحلام اللقاء. هذه اللقطات التصويرية التي ترسمها الشاعرة في مخيلتها للحبيب الأثير هو ما يخلق حالة من التوهج السينمائي الباذخ والمشهد الدرامي المثير في محراب عشقها الإسطوري وقلقها الوجودي الدفين، من خلال سطورها الشعرية الصادحة ببوح الوجد وشدو الروح وآهات قلب خافق مجروح، مستخدمة في هذه النداء وأداته كما في- عزيزي- يا قلبي- عزيزي- كما استطاعت الشاعرة خلق حالة من التوتر مرة أخرى، بالانتقال من المخاصمة المجازية إلى حالة من فض الإشتباك بين المحبين، من خلال جملة الاستقبال- ستظل سعادتي- كما أن البعاد و المكان ليس لهما أي أثر سلبي على الوداد الذي تكنه الشاعرة لحبيبها الغائب لتستميت في إبعاد الشكوك عن حبها العذري باستخدام حرف النفي والفعل المضارع الظنوني - لاتظن-  في تأكيد صريح ومباشر من الشاعرة، بأنه مهما طال بعاد الحبيب عنها فسوف لن تمحو الزمن صورته من مخيلتها أبداً.
وفي القصيدة الثانية تقول بهرة علي:
2-
تعال ، لأعلن لك حال القلب
المتداخل، كحال مجنون
وكل ثروتي، دمار وخراب وأنقاض
تعال، لترى هذه القامة
المجنونة، لبعدك عنها
فكل خطوات طريق القلب
متشعبة، متهورة
تعال، لتصبح صاحب مُلكٍ أملُكه
كي لا يقولوا أني وحيدة
فكل لياليّ وأوقات حياتي
تصبح حدثا زمنياً ويمضي
تعال، لتشعل سراج طريق قلبي
لأن شمعة عمري مطفأة منذ أمد
وتظل تعرجات طريق عمري عمياء.
* شاعرة كوردية من السليمانية
فبينما تقل الصور الشاعرية الحداثية المبتكرة في القصيدة الأولى لدى بهرة علي، ألا أننا نرى الشاعرة وقد أفلحت في استعادة زمام الأمور في القصيدة الثانية، لتعبر فيها وبشكل شاعري ودراماتيكي جميل عن حالة الإنكسار النفسي التي تعيشها الشاعرة بعدما غاب عنها حبيبها الأثير بجسده ولكنه باق بخياله وروحه وأنفاسه اللاهثة كما في كلمات- مجنون- دمار- خراب- أنقاض- متهورة- وأن كل ما تملكه الشاعرة في هذه الدنيا بعد الحبيب الحاضر الغائب هو الأنقاض والدمار، معبرة عن ذلك بالجمل التي تتوفر على الضمير المخاطب وتكرار كلمة- تعال- بالإضافة الصدى الشجي المنبعث من إلى السطرين الشعريين:
فكل ليالي وأوقات حياتي
تصبح حدثاً زمنياً ويمضي
هذان السطران الشعريان تبدوان وكأنهما يرددان موسيقى رقيقة قادمة من أعماق الزمن الحزين وخاصة الرنة الإيقاعية المثيرة الصادرة من كلمة / يمضي/ فتعيد للمرء الخيالات والذكريات الحزينة، تفسح بها الشاعرة عن اللهفة والشوق والرغبة في الالتحام مع الحبيب الغائب وهي تدعوه إليها، ليعود للقلب رواؤه ورونقه، وتصبح حياتها كلها سعادة أبدية ويصبح الحبيب سراج يضيء دروب قلب واله أضناه البعاد وعيون جافاهما النوم وأضناهما السهر.
لقد بدت الشاعرة بهرة علي وهي معتكفة في محراب عشقها الصوفي لتتماهى مع المعاني الدلالية لسطورها الشعرية المفعمة بحالة من الانكسار وقلق وجودي لا تبدو لنهايته حد وحدود. فشمعة حياتها مطفئة بعد غياب حبيبها وسيظل طريق عمرها عرجاء مادام الحبيب في بعاد عنها وهجر. ونرى أن الشاعرة أعطت هنا صورة مبتكرة وجميلة من الوفاء والإخلاص لعشقها السرمدي الأثير وهي تخاطبه بقولها – لتصبح صاحب ملك أملكه – فهي تريد أن تهبه أعز ما تملكه وهو القلب ذاته ليصبحا شريكين ينبضان بقلب واحد، وهي صورة شاعرية معبرة بعمق متوفرة على كثير من الابتكار والإيحائية والجمال. كما استطاعت الشاعرة بهرة أن تسبغ هنا نوعاً من الإيقاع الرهيف على سطورها الشعرية الرقية المشاعر بتكرار كلمة- تعال- أربع مرات في أول كل سطر منها وهو ما أعطى بالإضافة إلى هذا الإيقاع الشاعري اللهيف رنة موسيقية شجية صادحة بأعذب الألحان وأشجاها، جامعة بين عدد من الصور المعنوية الموحية مثل- حال القلب المتداخل- القامة المجنونة- سراج طريق قلبي- تعرجات طريق عمري- وتدل كثرة استعمالها لكلمة القلب على الشوق واللوعة والأسى والحساسية الزائدة التي تمور في سرمدية عشقها العذري المتوهج حباً والمتدفق هياماً وجنوناً.
تعال لاعلن لك حال القلب
المتداخل، كحال مجنون
.................................................







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=3379