لقاء مع المسرحي السوري أحمد اسماعيل إسماعيل
التاريخ: الثلاثاء 26 تشرين الاول 2010
الموضوع: القسم الثقافي



حاوره :أديب حسن محمد

يعد الكاتب المسرحي والقاص أحمد اسماعيل إسماعيل من أهم الأسماء في الساحة المسرحية السورية،جسدت مسرحياته العديد من الفرق المسرحية داخل وخارج سورية،ونال العديد من الجوائز في مجال مسرح الطفل، وفي القصة القصيرة،كان آخرها جائزة هيئة المسرح العربي بالشارقة المركز الأول عن مسرحية"الطائر الحكيم"وهو إلى ذلك من المؤسسين للمسرح الكردي في كتابه (مسرحنا المأمول) ومن المهمومين بالشأن الكردي رغم كتابته باللغة العربية التي يعشقها..


س 1- فلنبدأ من الازدواجية المفترضة بين كاتب كردي يكتب بلغة غير كردية .أنت تطرح مواضيع كردية بلغة أخرى..كيف الرد على من يقللون من قيمة هذا الإبداع ؟
ج1 – بداية لا بد من التنويه إلى أن هذه الازدواجية ليست ظاهرة كردية صرف .ففي تاريخ الأمم  الأخرى مبدعون كثر لم يكتبوا بلغتهم الأم ، والأمثلة من الكثرة بحيث تتجاوز المثال الجزائري المطروق دائماً، أفارقة.أيرلنديون. لبنانيون.. ولهذه الظاهرة أسباب عديدة بتقدمها القهر السياسي لدى أمم مضطهدة  مثل الكرد في الوقت الحالي . وقد يكون هذا السبب بالذات هو ما يجعل المبدع الكردي محل اتهام لدى أبناء جلدته. كزارع في أرض غير أرضه ، وسارق النار من موقد أهله ومنحها لقاهر شعبه ..إلى آخر قائمة الاتهامات . والمفارقة التي تثير السخرية المرة هي: إن الطرف الآخر الذي يكتب المبدع الكردي بلغته ،لا يتوانى عن رشق هذا المبدع بسهامه، تهميشاً أو منعاً أو ملاحقة ،وذلك بسبب مواضيع هذا المبدع التي تكون كردية عادة :عصبيتان تجعل المبدع الكردي الذي يكتب بغير لغته الأم كمن يقع بين المطرقة والسندان. وإذا كنت، أنا الكاتب الكردي الذي يكتب بالعربية، على قناعة تامة بأن اللغة هي التي تمنح الأدب هويته، لأن عوالم الأدب ليست من لحم ودم ، أو من طين و أسمنت ،أو أسفلت ،أو عشب أو ما شابه كل ذلك.بل من كلمات منسوجة من خيوط اللغة،هي كائنات وأشياء من ورق وحبر، ومن كلمات خرجت من رحم اللغة ، هذه الحقيقة التي لا يمكن إغفالها ليست مطلقة، أو دقيقة، في أي زمان و مكان، كما أن الازدواجية التي أشرت إليها ليست مرفوضة ، أو مدعاة للسخط والإدانة في كل زمان ومكان ، ففي الحالة الكردية مثلاً، الازدواجية هنا لا تقتصر على الأدب والأدباء، بل تشمل كل الحقول والمجالات الحياتية الكردية ،ويكاد كل كردي أن يكون ازدواجياً بمعنى من المعاني ،بدءاً بالمطبخ وما يصنع فيه من طعام هو كردي وعربي، أو كردي وتركي، أو كردي وفارسي ، وليس انتهاءً بالمطابخ والمجالات الحياتية الأخرى: السياسية.الاقتصادية.الاجتماعية.. ناهيك عن التاريخ والجغرافيا والعلم والدين والعادات والعلاقات الاجتماعية التي أصبحت تربط الكردي السوري بالعربي السوري أكثر من ارتباطها بالكردي العراقي أو التركي أو الفارسي، على الرغم من انتماء كل هؤلاء الكرد إلى أمة واحدة وحلم واحد .وأعتقد أن الكثير من الكرد قد بدأوا بتقبل هذه الازدواجية ،سياسياً وثقافياً واجتماعياً.. وأجد من الضروري حالياً أن يحسن الكرد التعامل مع هذه الحقيقة والتفاعل معها شريطة عدم الذوبان في مياه ، أو أسيد الآخر، الشريك، والحفاظ على هويتهم الكردية بكل علاماتها الفارقة، وبالمقابل على الآخر:العربي . التركي. الفارسي. تقبل وتفعيل هذه الحالة الخاصة واستثمارها بما يفيد ويخدم الوطن. حينها يصبح الكاتب الكردي الذي يكتب بغير لغته الأم ، لسبب لا يرتبط بالتعالي، أو العدمية القومية، جسر محبة ووطنية وتواصل بين الشعبين. الكرد الذين يكتب عنهم ، والعرب.الفرس.الترك، الذين يكتب بلغتهم ويتلقون رسالته باحترام ومحبة، دون تهميش أو منع .فسليم بركات الأديب هو عربي بقدر ما هو كردي ، وما ينطبق على سليم بركات ينطبق على يشار كمال ومحمد عارف وبلند الحيدري وغيرهم كثيرون .

س2 – تُعد مسألة مسرحة التاريخ من أصعب ألوان الكتابة المسرحية ، وأنت تخوض تجربتك الثانية مع شرف خان البدليسي المؤرخ الكردي الرائد،بكتابة نصك الثاني عن زعيم جمهورية مهاباد القائد قاضي محمد. وذلك بعد الحلقة الأولى التي تناولت فيها حياة القائد الكردي ملا مصطفى البارزاني، كيف ترى محاذير هذه التجربة ومغرياتها وضرورتها في الحالة الكردية خصوصاً ؟
 
ج2 – مسرحة التاريخ تجربة قديمة قدم المسرح نفسه ، بدأت مع أسخيلوس-أبو الدراما- مسرحيته الفرس ،الرائدة في هذا المجال ،وتجارب مسرحية كثيرة لعل أبرزها هي تجربة شكسبير، الذي طوع المادة التاريخية بما يناسب هذا الفن دون تشويه ،أو تزيين، فلجأ إلى الحذف والإضافة والتكثيف والتركيز والاختصار .. وأنا في تجربتي المتواضعة التي أسميتها سلسلة جراب البدليسي _والبدليسي هو أول مؤرخ كردي وصاحب كتاب شرفنامه (رسالة شرف) _والمفارقة هنا أنه كتب رسالته هذه باللغة الفارسية-وجدت من الضروري أن أمسرح تاريخ الكرد للناشئة الذين يجهلون تاريخهم، ليس بقصد التمترس خلف بطولات الأسلاف،أو التباهي ، أو الانغلاق على الماضي ،بل من أجل معرفة الذات التي لا تستقيم ولا تستوي بدون معرفة ماضيها ، ، لكنني شديد الحذر من السقوط في مهاوي الانفعال والتزييف والانتقائية، ونسيان أن ما أقدمه هو مسرح بالدرجة الأولى .

س3 -  تقدم نفسك كقاص من خلال مجموعتك الوحيدة (رقصة العاشق) التي نالت جائزة الشارقة للإبداع سنة 2000 ،هل تعتبر القصة استراحة من الكتابة المسرحية التي كرست جل إبداعك لها ؟
ج 3 – على الرغم من أنني بدأت قاصاً، وكانت قصة (الطائرات وأحلام سلو) أول نص إبداعي كتبته وقد استوحيته من مأساة حلبجة ، المدينة الكردية الشهيدة ، ولدي قصص متفرقة كتبتها في أوقات متباعدة لم أضمها إلى مجموعتي القصصية اليتيمة، إلا أن المسرح بعوالمه المدهشة والمعقدة ،استطاع أن يجذبني ويأسرني في عالمه الساحر ، فكتبت له بغزارة وصلت إلى سبعة عشر نصاً مسرحياً،وكتاباً ضم مجموعة دراسات مسرحية ،صدر عام 1997 بعنوان (مسرحنا المأمول) ودراسات مسرحية أخرى متفرقة، مقابل هذا الكم في المجال المسرحي،لم يصدر لي سوى مجموعة قصصية واحدة هي رقصة العاشق التي نالت جائزة الشارقة للإبداع ،وصدرت عن هيئة الجائزة ، وقد كانت المجموعة نفسها قد قُدمت قبل فوزها بعام واحد إلى وزارة الثقافة لطباعتها، فأعيد المخطوط مرفقاً بالرفض ؟!!

س4- قدمت العديد من الفرق المسرحية الكردية والعربية مسرحياتك داخل سوريا وخارجها،و لاسيما مسرحية (الحقل المنيع) كيف ترى الفجوة بين النص والعرض ولاسيما إن النظرة قد اختلفت من عرض لآخر ؟
ج4 _  لم يتسن لي مشاهدة نصوصي التي عرضت خارج محافظتي، وليس فقط خارج سوريا،ولذلك لا يمكنني الحكم على مستوى العروض التي تناولت نصوصي المسرحية، وأخص هنا نص مسرحية الحقل المنيع بالدرجة الأساس، هذه المسرحية (المحظوظة) عرضت في اللاذقية-إخراج لؤي شانا. والشارقة إخراج: سيف الغانم ،وفي العراق والمغرب: إخراج: د .كريم عبود ، وما تزال طلبات الاستئذان تصلني من خارج الوطن خاصة بهدف تقديمها.وكذلك الأمر بخصوص نص مسرحية الأشقياء الثلاثة .الذي عرض في دمشق وريفها .إخراج: هشام نشواتي.وفي رأس الخيمة: إخراج آمنة الزعابي .ناهيك عن بعض نصوصي المسرحية الأخرى التي قدمت داخل المحافظة من قبل فرق مسرحية كردية وعربية .غير أنني لا أعارض المخرج المتمكن من أدواته، والذي أراه مبدعاً آخر للنص، لا أعارضه في معالجة النص بما يوافق فنية التجسيد على الخشبة،و خصوصية الجمهور المتلقي، شريطة أن لا يسيء للنص ، فكرياًُ وفنياً .الأمر الذي قلما يحدث في مسارحنا التي اغتصبها المخرج، وراح يمارس فيها، وعلى خشبتها، ديكتاتورية حاكم عسكري في تعامله مع مرؤوسيه،يعدم النص بدل أن يُعده . غير أن لكل قاعدة استثناء ،والاستثناء مهما تألق ،يؤكد القاعدة ،لا ينفيها . 
 
س5 – أنت من القلائل الذين يهتمون بمسرح الطفل ،هل كان ذلك لسد فراغ في الساحة المسرحية الطفلية ؟أم لعملك الطويل لأكثر من عقدين من الزمن في سلك التعليم الابتدائي ؟أم لدواعي أخرى؟  
 
ج5 – لا أعرف بالضبط . عوامل كثيرة كان لها دورها في كتابتي لمسرح الطفل بغزارة واندفاع، بدأت بكتابة مسرحيات قصيرة جداً لطلابي في المدرسة. عرضت في المدرسة وفي المهرجانات المدرسية السنوية، بعدها كتبت نصوص مسرح دمى لقناة تلفزيونية كردية تم عرض معظمها.جمعت بعض ما كتبت من نصوص قصيرة في كتابي (توبة الثعلب) و قدمته لوزارة الثقافة فصدر سنة 2000. تم كتبت بعدها مسرحية الحقل المنيع التي شاركت بها في مسابقة ثقافة الطفل العربي (جوائز أنجال الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان). بعدها تتالت كتاباتي المسرحية للطفل، في حقلي النص والدراسة. أما كردياً، فقد كنت قد كتبت قبل ذلك كله دراسة طويلة عن المسرح الواجب تقديمه للطفل الكردي المحروم من قراءة ومشاهدة هذا الفن بلغته الأم ،ومنذ سنة 2003 بدأت بمشروعي الخاص في هذا المجال وهو (سلسلة جراب البدليسي) الذي يهدف إلى تقديم سيرة الأبطال الكرد في، وعلى المسرح بأسلوب قريب من إفهام الأطفال ، ومحبب إلى قلوبهم . قد يكون لكل ذلك،عربياً وكردياً ،دوره في توجهي إلى الكتابة لمسرح الطفل، وقد يكون حرماني من مرحلة الطفولة بسبب اليتم المبكر وما صاحبه من فقر مدقع، قد يكون لذلك أيضاً دوره في ذلك، أقول قد. تاركاً الأمر لناقد مأمول. منصف.

-جريدة الدستور الأردنية-العدد-رقم 151145  -تاريخ: الجمعة-22-تشرين الأول -2010








أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=3211