باب الحارة أم باب الوطن؟
التاريخ: الخميس 09 ايلول 2010
الموضوع: القسم الثقافي



  جودي حسن
   
تتغير شاشات التلفزيون في شهر رمضان الكريم رأساً على عقب، إذ تكثر المسلسلات والبرامج الدينية والترفيهية والكاميرات الخفية وما إلى ذلك من أعمال تزيد من خصوصية هذا الشهرالمبارك. أمّا الملفت للنظر من كل ذلك  فهو سيطرة الأعمال السورية على الشاشات العربية في السنوات القليلة الماضية؛ إذ بات من النادر أن تجد قناة عربية لا تنقل عملاً سورياً، أو تنقل على الأقل عملاً يضّم ممثلين سوريين، وهذا إذ دلّ على شيءِ إنمّا يدل على قوة هؤلاء الممثلين وقوة الدراما والعمل السوري ككل. حتى بات بالإمكان القول: أنّ هذه الأعمال قد سلبت بحق عقل وقلب المشاهد ضمن المحيط العربي وحتى خارجه، وأصبحت ظاهرةً تشغل بال كل من عمل في هذا المجال.


وليس خفيًا على أحد أن مسلسل باب الحارة بأجزائه الخمسة يعد من أكثر تلك الأعمال رواجاً واستقطاباً للجماهي، هذا المسلسل الذي يستعرض فيه المخرج وكاتب النص تاريخ الشام في فترة الاستعمار الفرنسي وعادات وتقاليد وتفاصيل حياةِ أهلها، مازجًا أيّاها في بوتقة العواطف الوطنية الجياشة -والتي تلهب صدور الجماهير- متمثلةً في مقاومة السوريين للاستعمار الفرنسي، ورفضهم الخنوع له، كل ذلك جاء في إطار صورة اجتماعيةٍ جميلةٍ أجبرت المشاهد على التحول من مجرد متابعٍ للمسلسل إلى أحد شخصياته و تقمص أحد الأدوار مراتٍ عدة، فتراه يأج بمشاعر الحب أو الكره تجاه هذه الشخصية أو تلك، ولا يتردد في إمضاء ساعات أخريات في الحديث عن المجريات مع الأهل والأصدقاء.
ومجمل الكلام إمكاننا القول أنّ المخرج قد حقق ما أراد من عمله؛ أوليس هذا هو الدور المبتغى من وسائل الإعلام (التغلغل إلى عقل وقلب المشاهد وتحقيق التواصل،وتعريف العالم بما لدينا من قيمٍ، وعاداتٍ، ومبادئ، وتراث وأفكار،و و و ؟؟).
كل هذا إن نحن حكمنا على العمل من وجهة نظرٍ درامية بعيون غيرسورية، ولكننا إن عدنا الى العمل ذاته ونظرنا إليه بعيون المواطن السوري وتساءلنا: هل حاكى العمل واقعنا أم أنّه كان مجرد عمل أراد منه أصحاب العمل تحقيق النجاح، والنجاح فقط في الإطار الدرامي؟؟.
في الجزء الرابع من هذا المسلسل تمت إضافة شخصية (أم جوزيف) كشخصية وطنية مناضلة إلى مجرى الأحداث، فكان ذلك نقطة تحول بالنسبة إلى شريحةٍ كبيرةٍ من المجتمع السوري، إذ نقلت هذه الشخصية العمل من مجرد دراما حدثية تعيش في إطار حارةٍ ضيقة إلى عملٍ يعكس الواقع السوري مضافاً إليه بعد التنوع الديني، ليعطي بالتالي لهذا العمل قيمةً أكبر، وواقعيةً أكثر.
ليس خفيًا على أحد أن شخصية (أم جوزيف) تمثل معتنقي الديانة المسيحية، فهل كانت هذه الشخصية مجرد إضافةٍ لخلق أحداثٍ جديدة بعد أن أوشك العمل على السقوط في وادي الرتابة وتشابه الأحداث من جهة؛ وتفاقم الأزمات بين أصحاب العمل وبعض الممثلين، واضطرار المخرج إلى إضافة شخصيات جديدة من جهة أخرى؟ أم تعمّد كاتب النص والمخرج إضافة هذه الشخصية ليصوروا الواقع السوري في تلك الفترة كما كان ؟؟؟.
طوبى لأصحاب العمل إن كانوا قد أرادوا منها تصوير التنوع الديني الموجود في سوريا والإشادة بمواقف المواطن المسيحي ووقوفه جنبا الى جنب مع إخوانه من معتنقي الديانة الإسلامية في مواجهة الاستعمار الفرنسي آنذاك.
إن كانت هذه الأخيرة هي الغاية الأساسية فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم تتم إضافة شخصيات  أخريات تكون ذات دلالات أوسع وأكثر؟ ليعكس العمل بالتالي واقع الحال. لقد انتطرنا حدوث ذلك بفارغ الصبر لا بل تأملناه، ولكن ذلك لم يحدث لا في الجزء الرابع ولا حتى في الخامس.
لماذا لم تتم إضافة شخصية تدل على التنوع العرقي أيضاً أم أن ذلك لا يزال ممنوعاً في أعمالنا حتى الآن؟ لماذا لم تتم إضافة شخصيةٍ تكون لها إشارة إلى المكون الكوردي -ثاني أكبر قومية في سوريا- على سبيل المثال، أم أنّ الكورد كانوا بعيدين عن الشام وعن مقاومة الاستعمار؟!.
إن التاريخ يشهد بعكس ذلك تماماً إذا ما نحن تحدثنا عن نضال الشعب السوري في وجه الغزاة والمستعمرين، وما أكثر الاسماء الكوردية التي لابد لنا من ذكرها إذا ما تحدثنا عن النضال ضد الاستعمار الفرنسي على وجه الخصوص من أمثال يوسف العظمة وإبراهيم هنانو و و و، هؤلاء الذين لم تفِهم الأعمال والإعلام السوري حقهم حتى الآن، إذ لا يزال خفيًا على الكثير من السوريين حقيقة كونهم كورداً ناضلوا و ضحوا بأرواحهم في سبيل عزة وكرامة وطنهم.
وإني لأتفق مع الكثيرين من الذين سيقولون بأنّه ليس من الضرورة أن يشير كل عمل إلى كلّ تلك الأبعاد، ولكني واثق كل الثقة من أنّ المخرجين السوريين وكاتبي نصوص تلك الأعمال مازالوا يتجنبون التطرق إلى هذه الحقائق بالذات.
لا تزال الأعمال السورية ضيقة الأفق وغير شفافة ولا تحاكي الواقع السوري، إذ تراها تتقوقع في إطار الشام (دمشق)، اللاذقية، وربما حلب كبيئةٍ جغرافية، وتحاكي القومية العربية من حيث اللغة والخصائص والعادات والتقاليد، وفيه تغييب واضح للمكون الكوردي على سبيل المثال وليس الحصر. ولم يحدث أن شاهدنا عملاً سورياً واحداً تدور أحداثه في محافظة الحسكة ذات الأغلبية الكوردية؟؟؟؟ أوعملاً أو برنامجاً يعرّف الناس بتلك القومية وعاداتها وتقاليدها ولغتها ومعاناة أهلها وطبيعة حياتهم أسوة بغيرهم من ساكني هذه البلاد؟؟.
إن كنّا نقول بأننا شركاء في هذا الوطن فعلينا أن نقوم بتسخير إعلامنا لخدمة هذا الشعار أولاً، وليس في خدمة طمس معالم الحقيقة وتغيب أعراق و تهميش مناطق أو ديانات!!. وإذا كنا نعاتب في هذا المجال فإننا نعاتب بالدرجة الأولى تلك الشخصيات الكوردية العاملة في هذا المجال من كتاب وممثلين وكاتبي نصوص وإعلاميين و سينمائيين و و و وما أكثرهم ومن دون ذكر للاسماء.
لنكن صرحاء مع أنفسنا نحن مجتمعٌ متنوعٌ لايجوز فيه تهميش البعض لحساب الآخر، وتلك هي حقيقة الإعلام السوري والتلفزيون السوري: إعلامٌ موجّهٌ بامتياز له خطوط حمراء لا تعد ولا تحصى، وذلك ما حول سوريا إلى مجتمعاتٍ صغيرةٍ لا يعرف بعضها عن الآخر شيئًا؛ فأهل الشام والساحل لا يعرفون شيئًا عن أهل الجزيرة ومناطق الشمال الشرقي من سوريا إلا ما تنشره الدولة عن طريق أزلامها وليس عن طريق إعلامها الرسمي، كل هذا فقط وفقط لأنها مناطق يكثر فيها الكورد طبعاً، ومن هنا كان سؤال الكثيرين لنا من طلاب الجامعات -حين كنا طلاب علم فيها- من أنتم؟ وهل تعيشون في خيم ٍأم تسكنون بيوتاً؟ و ماذا تعني كلمة كوردي؟ ومن هم؟ و وو و؟؟؟ فمن أين لابن الشام أو ابن اللاذقية أن يعرف كل تلك الحقائق إذا كانت كلمة (كوردي) ممنوعةٌ أصلاً في إعلامنا من أن تقال وذكرها يعتبر جريمة لا تغتفر ترتكب في حق وطن مسكين ألبسوه ثوب اللون الواحد!! ويعد محاولةً لاقتطاع أجزاء من أراضي الدولة وإلحاقها بدولٍ مجاورة؛ فكرة باطلة حاولوا جاهدين زرعها في عقول السوريين من غير الكورد حتى بات هؤلاء يرمقوننا بنظرات الشك والريبة إذا ما التقت أعيننا مصادفة.
إنّها دعوة منّا لمخرجينا وممثلينا وكتّابنا للقيام بواجبهم تجاه وطنهم، وإنّها لمسؤولية كبيرة لمن أّراد التحلي بالشجاعة وتحمل المسؤولية، إنها لمسؤوليتكم بناء جيل يتقبل فيه الجميعُ الجميعَ، ويحترم فيه الجميعُ الجميعَ، مجتمعٌ لا يفرق بين كوردي وعربي، بين مسيحي ومسلم، بين سنّي وعلوي بين سوريٍ وسوري.
وإني لواثق من أنكم ستجدون في هذه المنطقة بيئةً خصبةً لبرامجكم التفزيونية، وأعمالكم الدرامية والتلفزيونية، فأرض الجزيرة متنوعة اللغات، والثقافات، والتقاليد والديانات، وقد كانت مهداً للحضارات منذ القدم ومصدراً لإلهام الكثيرين من ممتهني الفن على مرّ العصور. وإذا حدث وأن حللتم ضيوفاً أعزاء على بيوتنا –وهذا جل ما نتمناه- لربما لامستم جروحنا و أوصلتم إلى العالم فكرةً عن (حصار الحسكة) وسياسة التجويع التي تطبقها الحكومة عليها والتي أدت بدورها إلى نوع من الهجرة القسرطوعية (قسرية-طوعية) بين شبابها وأرتفاع مستوى الأمية والبطالة وانقطاع سبل العيش فيها، ولربما أوصلتم إلى الشعب السوري و العالم فكرة أننا جزءٌ من هذا الوطن، وأننا لا نريد أكثر من أن نعيش، أن نعيش كبشر، وأن نتواصل معكم كبشر.
  7-9-2010







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=3154