صورة و تعليق
التاريخ: الأحد 25 نيسان 2010
الموضوع: القسم الثقافي



غسان جان كير

كأنما نحن الذين نُمثل ذلك الفيلم الوثائقي, في بيئة تُخالف بيئته الأصلية , ذلك أننا نعبر البحر لنحوز رحمة مجمع الآلهة الإغريقية , في حين كان الفيلم الأصلي يُصور عبور الظباء لنهر أفريقي , طلبا للكلأ في الضفة الأخرى من النهر الجهنمي , حيث التماسيح لهم بالمرصاد إن عبروا النهر , والقحط والجدب يفتك بهم إن هم على حالهم بقوا.
خياران أحلاهما مُرّ , إما الموت جوعا , أو المقامرة بالحياة , حيث لا نسبة مئوية للنجاة , قد تنجو , أو قد يُقطّعها التمساح إلى نصفين قبل أن تتأوه.
أوليس هذا حالنا ونحن نُصارع اسماك القرش في البحر المتوسط , الذي أخذ من اسمه نصيبا , فليس كل الأمور في أوسطها خير.


ولمّا كان الكاتب يعمل في لفّ المحركات , وخرّيج كلية الحقوق يعمل في (الباطون) , وخرّيج كلية التربية يعمل في تربية الدواجن , وخرّيج الصحافة يعمل في بيع حمالات الصدر , والفلاح يعمل كرسونا , والعامل يبيع الكازوز بعد الدوام الرسمي , والطالب (المكتوم القيد) الذي حاز علامات تُخوّله لدخول كلية الطب , يبيع الشاي بالقرب من المدينة الجامعية , والمهرّب يعمل في التجارة والمقاولات والعقارات , فكان من الصعوبة تباين الخطوط الخضر من الحمر , فمن الخطوط الحمراء , التي حفظناها في مادة الإخراج الصحفي, أن لا تُناقض الصورة الخبر , بل عليها أن تدعمه , وأن تُحدث تأثيراً بذات الحجم و العمق للخبر , فلا يجوز إطلاقا تصوير مراسم الدفن بالألوان , خاصة في فصل الربيع , حيث العشب مخضوضر والسماء صافية زرقاء والزهور يانعة , كما لا يجوز أبدا إظهار الموجودين وأيديهم مشبوكة على خلفياتهم كما شخصية حنظلة في الرسوم الكاريكاتورية ل(ناجي العلي) , ولكن , ولأننا في بلد العجائب , فكل شيء جائز , بل , يمكن قراءة الصور المرفقة لمراسم دفن العائلة المنكوبة , بمأساوية عظيمة , بل , نكاد نجزم بالحرفية الفائقة للمصور , أوليس العشب المخضوضر في الحقيقة حقول القمح في منطقة تُعتبر من أخصب مناطق العالم , ومع ذلك الناس يهربون من غائلة الجوع , أوليس تشبيكنا لأيدينا يُفصح عن عدم مبالاتنا بهذه الحياة , التي أصبحت عبئا نتمنى الخلاص منه , إن بالوصول إلى البلاد البعيدة التي أصبحت مأوى للهموم , أو بالغرق دونها.
نكاد ان نهزأ بالأموات ووصاياهم بالدفن في الوطن الذي لفظهم لآلاف الأميال , غير أن ما يلجمنا عن السخرية , حبنا أيضا للوطن , أولسنا كنا ننمو أكثر فأكثر كلما أكثرنا من تناول ترابه , حينما كنا نحبو على ذلك التراب , وأُمهاتنا لاهيات في جمع الحشائش إن للبقرة , أو لبطوننا الخاوية , ونفهم الوطن و نتفهمه , ليس كأولاد حديثي النعمة الذين ولدوا وفي أفواههم معالق من النفاق والتملق , الذين يسعون لتعليب و بيع كل ما يمكن بيعه , ابتداء بالماء وليس انتهاء بالهواء الذي يصلح لتغليف رسائل مدفوعة الثمن لقراءة حظنا , الذي لم نعرفه إلا ساخطا و مُتعثراً بنا.  











أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2937