الشاعر السوري حسين حبش: الشعر إيمان باللايقين.. المرأة نور العالم وجوهره العظيم
التاريخ: الثلاثاء 15 كانون الأول 2009
الموضوع: القسم الثقافي



حسين حبش يؤمن بقدرة الكلمات على خلق عالم افتراضي يشتم فيه رائحة الوطن الذي غادره ليقيم في مدينة بون الألمانية. شاعر كردي من قرية عفرين السورية كتب عن الأكراد وأحلامهم وانكساراتهم الكثيرة في ديوانه "هاربون عبر نهر إفروس". في الكتابة يجد إجابة عن كل الأسئلة التي لا تنتهي. عبر بريدي العادي تصلني دواوينه التي أعتز أن تحتل مكاناً في مكتبتي وعبر الملحق الثقافي لصحيفة الجماهيرية كان لي معه هذا اللقاء.

حوار: خلود الفلاح


تقول الشاعرة ليوسيل كليفتون " أكتب لأنني لا أستطيع عدم القيام بذلك" الشاعر حسين حبش لماذا يكتب؟

أما أنا فأكتب لكي أرفو ما تمزق من روحي ووضعها في عناية الحب المركزة. أكتب لأتأكد بأنه ما زال في المخيلة فراشات بألوان خرافية وطيور بأجنحة مهولة تودّ التحليق إلى المجهول وتعانق فتنة الغيب. أكتب لكي أغافل الأعطاب التي تعصف بالحياة من حولنا وأروي ظمأها  بحرف أو بجملة مكتوبة بدم القلب. أكتب لأنني ما زلت أنجذب إلى الفتنة وأجد ضالتي في المخاطرة والمجازفة والوقوف على حافة الهاوية. أكتب لأبقي شعلة الحب متقدة وملتهبة لا تنطفئ أبداً. أكتب لكي أكون فخوراً بالعصافير، منبهراً بأرياشها وشغوفاً بأجنحتها التي تملأ السماء بالطيران. أكتب لكي أحرر نفسي من الركون والركود الذي قد يصيبها. أكتب لأن الكتابة فعل حرية وتحرير من القيود، من السلطات والسطوات أياً كانت، تحرير من الإتكالية والأنانية والبغض والخداع... أكتب لكي أراعي دهشة الطفل الذي فيّ والذي لم يفقد براءته بعد. أكتب لأنني ما زلت أحب وأخاف وأرتعش وأجن وأحزن وأتألم وأمرض وأضجر وأفرح وأشتهي وأفكر وأنبهر وأحلم وأعيش في هذا العالم بكل إيجابياته وسلبياته وتناقضاته العجيبة. أكتب لأن فعل الكتابة إدمان ولا شفاء منه.
 
يتَّخذ من الشوق صديقاً لمنكبيه/ واضعاً على جبهته دهشة الطفولة والبراءة/ مثبتاً عزائمه على جوهر النجوم ولمعانها العميق.

في ديوانك "
ضلالات إلى سليم بركات" تعيد قراءة تجربة بركات الشعرية وكأنك بذلك تقدم رؤيتك للشعر والعالم. هل تتفق معي في ذلك؟

نعم كما قلتِ حاولت في ديواني، نصي الطويل "ضلالات إلى سليم بركات" الذي صدر هذا العام أن أقدم رؤية شاملة ومغايرة للشعر والعالم عبر تفتيت عوالمهما وإعادتهما إلى المادة الخام وصياغتهما من جديد ثم تقديمهما برؤية جديدة، ناسفة، منتهكة ومنشقة... وكأني بذلك حاولت إشعال نيران الفتنة في أعماق الشعر والعالم بغواية وجنوح وضلال وانحراف كبير، لأغري الآخر بجماليات المتاهة والطرق التي تؤدي إلى الشك والقلق، وإلى فوهة الهاوية. لأقول بيقين، أن الشعر إيمان باللايقين. هل وفقت؟ هل نجحت؟ لا أعلم بالضبط. لكن الذي أعلمه حقاً أنني اجتهدت بجنون وعمق.

شكراً لله/ لأنه عرَّفني بك/ شكراً لذكائه/ لأنه أختار لنا صدفة اللقاء/ شكراً لرهافته/ لأنه خلق الكرة الأرضية لنا/ شكراً لإبداعاته/ لأنه أبدع في تشكيل الحياة وتلوينها/ شكراً لنا/ لأننا نحبُّ الله.

_  نصوص ديوان "أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال" تحتفي برومانسية جميلة جدا. أنت تمضي بالقصيدة إلى لعبة جديدة. كيف توظف تقنيات هذه اللعبة؟
ديوان "أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال" ديوان حب بإمتياز، قدمت فيه قصائد تشتغل على ثيمة الحب والعشق والجسد والمرأة. احتفيت من خلاله بالأنوثة والحنان والرقة والشفافية التي هي من خصائص المرأة وتألقها. فالمرأة بجمالها وفطرتها ورقتها ترطب القسوة من حولنا وتعطي الحياة معنى وعمقاً جوهريين وتجعلها جديرة بالعيش والقبول... كما أنها تحررها من ربقة الذكورة التي تستحوذ على كل شيء تقريباً. فالمرأة نور العالم وجوهره العظيم، هي الحضن الذي نرتاح فيه والصدر الذي نتوسده والقلب الذي يضمنا إليه ويمنحنا بسخاء الأمل والجمال والشوق. هي الأمومة والخصوبة التي تجنّب حياتنا من الجدب والعطش والجفاف والتصحر. هذه الثقة اللامحدودة بالحب والمرأة والأنوثة دفعتني للإنشغال والبحث طويلاً عن لغة شعرية جديدة ومختلفة أصوغ بها قصائد ديواني هذا، لكي تأتي القصائد على مقاس الحب وروعة المرأة.

عما تبحث من الكتابة؟

من خلال الكتابة أبحث عن نفسي وعن ذاتي فكل كلمة أو جملة أو سطر أو قصيدة أكتبها أعرض من خلالها جزءاً من مجاهيل نفسي وأعماقها للشمس أو هي تفتح لي كوة جديدة على دهاليز العالم وعتمته. بالكتابة أبحث عن لغة نادرة تحفزني على الخلق والتمرد والرفض وتجاوز القيود والكوابح والإنتماء الكلي إلى الجمال والحب والشغف والحرية والنظر إلى أبعد نقطة في الكون مع الرغبة الحقيقية في الوصول إليها. وفوق كل هذا وذاك أبحث عن طريق الكتابة ربما عن علاج ما لروحي وخيالي وقلقي وتفكيري، أو عن أجوبة غير قاطعة لأسئلتي الكثيرة والتي لا تنتهي أبداً. طبعاً كل ما قلته ينطبق على القراءة أيضاً، فعندما أقرأ نصاً عميقاً لغيري أراني أتغير به في العمق.   
 
إلى أي مدى يشغلك الإنسان؟

يشغلني الإنسان إلى المدى الذي يحترم فيه نفسه. فالانسان متى عرف قيمته واحترم نفسه، يستطيع أن يسير بخطى واثقة نحو الجمال والحب والحرية والابداع... يستطيع أن يحترم أخاه الذي يشبهه في كل مكان ويحترم الحيوان شريكه الأبدي في هذا العالم... يستطيع أن يحترم الطبيعة التي أنجبته من رحمها وربته وقدحت في ذهنه شرارة الوعي والمعرفة والبحث والإستقصاء... يستطيع أن يتألم لآلام الآخرين ويحزن لأحزانهم ويشاركهم الأفراح والأتراح والأماني... يستطيع أن ينأى بنفسه عن الجشع والايذاء والمكر والغش والخديعة والتلوث والزيف والكذب والأخطاء القاتلة... يستطيع أن يمتلك قلباً حقيقياً يكون له صمام أمان يصدّ عنه الخوف والكراهية والمقت والأنانية... يستطيع أن يحترم أنوثة الأرض التي يعيش عليها ويغرف من ينابيعها التي لا تنضب... يستطيع أن يغوص إلى أعماق الحب ويزيل عن نفسه الأدران التي ربما قد لحقت أو لصقت به. هذه هي يوتوبياي عن الإنسان، هذه اليوتوبيا التي قلت حظوظها في العيش والوجود بعدما ابتعد الإنسان عن إنسانيته كثيراً وتحول شيئاً فشيئاً إلى وحش كاسر لا يعرف الرأفة والرحمة والمحبة والهدوء...!!

جبل أغري_الشيخ سعيد_ مواثيق الكرد _عفرين_ أحمد خاني. أسماء لأشخاص وأمكنة   شكلت جزء من ديوانك " هاربون عبر نهر إفروس" هذه المرجعيات حاولت من خلالها اعادة كتابة مفردات الذاكرة البعيدة برأيك هل كان لها تأثيرها الايجابي على النص؟

أعتقد أن هذه الكلمات والرموز التي ذكرتيها والمقتطفة من نصوص ديواني "هاربون عبر نهر إفروس" قد أخذت مكانها الطبيعي في السياق الذي وردت فيه واندمجت اندماجاً هارمونياً مع أخواتها من الكلمات والجمل الأخرى وما كانت تلك النصوص لتكتمل من دونها. وكل قارئ نبيه سيدرك أن أغلب قصائد الديوان تتناول ثيمة العائلة والبيت والأمومة وعالم الطفولة والغياب والهروب والمنفى. وفي العمق يتناول خيبات الكرد وإنكساراتهم، أخبارهم وهجراتهم القاسية وقلوبهم المحطمة دوماً وكذلك الظلم الذي تعرضوا له عبر التاريخ... إذن كان لا بد أن تجري بعض الأسماء والرموز والمرجعيات والمواثيق الخاصة بالكرد وحياتهم في شرايين القصائد  كما يجري الدم في شرايين الجسد. في المجمل أستطيع أن أسمي ديواني هذا بديوان الأنين الكردي بإمتياز. إنه "الحب والموت بألوان كردية" كما كتبت عنه برهافة صديقة شاعرة حين صدوره.
 
طقوس الكتابة هي الكتابة نفسها

للكتابة طقوسها. هل الأمر حقيقة ؟

في الحقيقة لا أدري إن كان للكتابة طقوساً أو كانت طقوسها حقيقة أم لا. عن نفسي لن أقول مثلاً أنني أكتب فقط عندما أستمع إلى الموسيقى الهادئة وأغلق باب الغرفة علي، كاتماً أنفاسي! وكذلك لن أقول أنني أكتب فقط عندما أتناول فنجان القهوة مع جريدة الصباح والسيجارة تتلألأ في فمي وأتأمل من خلال دخانها الأبيض السماء الزرقاء! ولن أقول أيضاً أنني أكتب حين أستيقظ في منتصف الليل مهلوساً ومتعرقاً وأخط قصيدتي مباشرة على الوسادة!... لكن الذي أستطيع أن أقوله حقاً هو أن القصيدة تأتي هجومية ومباغتة لا تعترف لا بالزمان ولا بالمكان فإما أن تلتقطها بذكاء وتحفظها وتحتفظ بها في مكان أمين وأما أن تهدرها وتضيعها وتندب حظك بعدها. فالقصيدة تأتي سواء كنت في البيت أو في الشارع، في السوق أو في العمل، تحت المطر أو في البرد، في الصخب أو في الهدوء... تأتي سواء كنت في حالة حزن أو فرح، أو كنت في حالة ضياع أو تيه أو تشتت، أو في حالة حب وتتيم، أو في حالة يرثى لها أيضاً... فالقصيدة تأتي كيفما شاءت وكيفما أرادت وهي التي تفرض طقسها عليك وليس العكس. بمعنى آخر طقوس الكتابة هي الكتابة نفسها.

عن الملحق الثقافي لصحيفة الجماهيرية
الليبية
الجمعة/السبت  4. 5/ 11 / 2009   






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2703