البنيوية.. في اللغة والعقيدة
التاريخ: الأحد 29 تشرين الثاني 2009
الموضوع: القسم الثقافي



خالص مسور

البنوية بالأصل ارتبطت بالبناء والمعمار، أي أن البنيوية هي كلمة لاتينية  (stuere). وتعني إسلوب البناء أونمط الإسلوب الذي جرى بموجبه التخطيط  لبناء ما من الفنية المعمارية. وتأسيس الأساسات والأعمدة والهيكل العام...الخ.
بعدها تم تطبيق البنيوية على اللغة على أيدي أقطاب البنيوية ومنهم رولان بارت مثلاً، الذين ذهبوا إلى أن اللغة تتألف من بنيات وتراكيب وجمل في سياقات لغوية، وكل الظواهرالإنسانية أوالأعمال والنصوص والخطابات الأدبية، تشكل بنية، وللإطلاع على هذه البنيات ودراستها، يتوجب علينا تحليلها وتفكيكها إلى عناصرها المؤلفة منها دون النظر إلى أية مرجعيات أو عوامل خارجية.


وأن ليس بإمكان المرء إدراك شيء قبل البنية اللغوية، كما أن الفكر والمفاهيم يثبتان تواجدهما على خلفية البنية اللغوية، ولهذا تذهب البنيوية إلى دراسة النص بمعزل عن الذات وضمن سياقه اللغوي فقط، وهي بذلك لاتعترف بالتأويلية (الهيرمينيوطيقا) وليس لديها للعلامة معنى إلا وهي في نسق لغوي، وأن التاريخ يتكفل بالتغيير الدلالي للكلمة فمثلاً، قد يكون معنى كلمة ما الآن كان غيره في عهود مضت.      
ومن هنا يمكن القول بأن البنيوية كمصطلح هي منهج نقدي عام، تقوم على ما يجري في ذهنية أو رؤية الناقد البنيوي وتعتمد على مخطط داخلي تنم عن روية واستبصار لدراسة النص أو العمل الأدبي، ليصار بعدها إلى تحليله وفق معطيات نظرية خاصة بكل علم، عن طريق اكتشاف هذا العمل توصلاً إلى فهمه فهماً دقيقاً. ويعتبر الناقد الروماني(جاكوبسون) هو الشارح الأهم للبنيوية في الأدب.
ومن أقطاب البنيوية كان لوي آلتوسير، والفرنسي فرديناند دوسيسير، والإنتروبولوجي كلود ليفي شتراوس، وكل من الفلاسفة رولان بارت، ودريدا وغيرهم. وحسب مفهوم كلود ليفي شتراوس للبنيوية في الأدب يجب البدء بدراسة اللغة قبل أي علاقاة لها يالعلوم الأخرى من (تاريخية، اجتماعية، ونفسية)، وأن الكلام هو الشكل الصوتي المسموع من اللغة الذي يحلل إلى عناصر بسيطة كالفونيمات وأن عناصر اللغة تحدد وفق علاقاتها. ويذهب ليفي شتراوس أيضاً إلى: (أن الثقافات لم تتطور استجابة للحاجات الخارجية فقط، بل تطورت بشكل أعمق غوراً طبقاً للضوابط الداخلية في الذهن البشري). 
وبشكل آخر فإن البنيوية بالأساس تهتم بالمعرفة، وهي منهج فكري تحليلي للنص اللغوي تنبني على الشمولية او الكلية أو المجموع المنتظم، وحسب هذه فكل ظاهرة طبيعية أو إنسانية لها بنية خاصة بها. ولدراسة الظاهرة علينا أن نفككها ونحللها إلى عواملها الأولية، ويعتبر اللغوي الفرنسي (دوسوسير) رائد البنيوية الأول في مجال اللغة والذي استخدم مصطلحي التزامن(synchronic) ومصطلح التعاقب أو السياقات اللغوية التطورية العامة ( diachronic) . وفي مجال النقد الأدبي البنيوي ترى البنيوية أن العواطف أو الوجدان والإنفعال عاجزة عن الهدف أو إنجاز دراسة النص الأدبي، ولذلك يتطلب الأمرفي دراسة النص التركيز على عدة ثوابت منها موت المؤلف، والنص المغلق، والمضمون، والسياق، والترابط العضوي لاكتشاف ملامح فنية مستقلة في وجودها. أي أن البنيوية تركز على التعامل مع البنية في النص ودراسة العلاقات الداخلية مابين البنى وتفسيرها، لإظهار مدى أصالة النص دون أن تتعدى ذلك لتدرس علاقاتها مع المحيط الخارجي، أو علاقته مع كاتبه لأن الأدب لايقول شيئاً عن مبدعه أو عن مجتمعه وإنما يقول عن نفسه فحسب.
وقد قال رولان بارت وقبله جوليا كريستيفا بالتناص ليحول كاتب النص أو المبدع إلى مجرد ناسخ للنص الذي ليس إلا نصوص تداخلت وانتجت نصاً واحداً مرئياً أو أن النص هو فسيفساء من النصوص المتعالقة. وبذلك تم تهميش دور المؤلف الذي أدى إلى ضياع الكثير مما يتوفر عليه النص الأدبي. لكن نرى في وقت لاحق أن رولان بارت قد هجر البنيوية حينما وجد أن البنيوية بهذا الشكل هي رجعية ومغلقة على نفسها، فكانت هجرته إلى منهج آخر هو المنهج التفكيكي في اللغة والأدب. ولكن في الحقيقة لقد عجزت البنيوية في مهمتها واقتصرت على مستوى واحد من تحليل البنى الرمزية، والأفكار التي قامت عليها ليست علوماً أساسية في مجملها بل هي علوم مساعدة في تحليل الظاهرة أو النص، ولم تهتم بالأسس العقائدية لأي ظاهرة إنسانية، فهي والحال هذه تميل صوب الإلحاد في مفاهيمها، حينما تذهب إلى أن كل ظاهرة إنسانية أو أدبية هي غامضة وغير مفهومة إلا بعض تحليلها إلى عناصرها الأولية المؤلفة منها، ويتم ذلك دون تدخل أي فكرة أو عقيدة أو مرجعية، لتبقى نقطة الإرتكاز فيها هي الوثيقة لاالمرجعيات الخارجية،  وترتبط بالناقد وثقافته وفكره قبل أي شيء آخر. 
وقد حلل دوسوسير العلامة الى دال صوتي  (signifier)ثم مكون فكري هو المدلول (signified). فالمدلول يدل على مفهوم الشيء لاالشيء ذاته، ولهذا فالدال هو الجانب المادي الكتابي للغة أو علامة ذات معنى مكتوب على الورق، أما المدلول فهو الجانب الذهني من اللغة وهو ما يعتبره غير مادي وهو في الدماغ حادث ذهني عصبي. ولكن الحقيقة وبعكس تفكيكية (دريدا) الدال والمدلول لاينفصلان بهذه الطريقة إلا من قبل المنظر اللغوي، فصوت الدال فيها لايدل على شيء بدون المدلول وليس هناك مفهوم لايعبر عنه أي إذا لم يتخذا شكلاً مادياً، ولايمكن أيضاً الحصول على مدلول بدون دال. هذه المفاهيم الفكرة، والرمز، والدال والمدلول، هي ما يشكل قاموس الدلالة كما يقول بارت البنيوي لاالتفكيكي فيما بعد.. فيمكن تحويل أي شيء غير اللغة إلى رمز مثل الصور والبيانات فرفع الحاجبين إلى الأعلى ضمن ثقافة ما يكون دالاً نعبر به للمقابل عن الرفض والإمتناع،  فالإماءة برفع الحاجبين خارج ثقافة المجتمع ليس لها معنى. والرموز في البنيوية تجري دراستها تحت اسم (السيمولوجيا) وقد ميز (دوسوسير) بين اللغة (langue) والكلام ((parol.
فاللغة – حسب دوسيسير- هي مجموعة قواعد ثابتة ينبغي على المتكلمين الإلتزام بها، أما الكلام فهو الاستخدام اليومي للنظام اللغوي من قبل المتكلمين به. والعلامة أو الدال لديه هو شيء اعتباطي وليس هناك علاقة طبيعية تربطه بالمدلول.
فليس هناك خاصية واحدة تشترك بها كل الزهور مثلاً، ولكننا اصطلحنا على كل زهرة ذلك اصطلاحاً، وهناك اعتباطية أيضاً على مستوى المدلول لدى الشعوب المختلفة بلغاتها المختلفة أي حول مدلول دال معين، فمثلاً المصطلحات الزراعية تختلف بشدة بين لغة وأخرى فالعرب يقولون (القمح) والإنكليز يقولون عنه (corn) والأكراد يقولون (Gennim). ولذلك يتوصل (سوسير) إلى أن اللغة ليست نطاقاً من الأمور الجوهرية الثابتة، بل هي أشكال غير مستقرة فيتغير معناها حسب السياق أو النظام اللغوي. ومن الناحية الفلسفية يعتقد بعض الناس بأن الرموز والأساطير كميات ثابتة تخضع حيثما وردت لتفسير واحد وبالعكس، ويرى(كلود ليفي شتراوس) بأن المعنى في كل حالة يتحدد بالمكان الذي تحتله هذه الرموز ضمن شبكة العلاقات التي تتضمنها تلك الأسطورة بالذات. ومعنى ذلك أن تفسير الأسطورة يكون من داخلها. كما تعارض البنيوية تعدد الكتابات لمؤلف بعينه بالرجوع إلى الحوادث التي وقعت آنذاك للمؤلف أو في بيئته ولهذا نرى أن البنيوية تحارب الذات وتركز لا على ما يقوله الموضوع أو النص بل على كيف يقوله. ولهذا يرفض بارت فكرة التنسيق بين سلوكنا الخارجي وجوهرنا الداخلي، كما يعارض دريدا فكرة الميتافيزيقا ويقصد بها دريدا الأفكار الجامدة والساكنة التي فقدت صلتها بمنبتها التاريخي والموضوعي، كما يستخرج العديد من المعاني من عدد محدود من الظواهر، أي أن الدال الواحد ينتج  مدلولات مختلفة للشخص الواحد في أوقات مختلفة، وبذا تدعو البنيوية إلى الأخذ بتعدد المعاني للعلامات اللغوية على المعنى الواحد لها، وعلى أن هذه المعاني لها معنى نهائي محدد وهو ما يعني النص البنيوي المغلق.
وطالما لا برى رولان بارت في الشخص الإنساني وحدة بل تعددية، لذلك فالسيرة الذاتية عنده لاقيمة لها بل مشينة لأنها تعني المركزية وأنها – وكما يقولون- نصب تذكاري زائف لشخص حي، أو بتعبير آخر هو شهادة وفاة زائفة لشخص حي.  وهكذا يمكن أن نتوصل إلى أن بارت وبهذه الطريقة المبددة المشظية لشخصية الإنسان ينفي العقائد وخالق البشر والشجر أيضاً.   
....................................








أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2686