قراءة في كتاب «حياتي الكردية»
التاريخ: الثلاثاء 29 ايلول 2009
الموضوع: القسم الثقافي



المناضل و المثقف الكردي الكبير الدكتور نورالدين ظاظا.. بمناسبة الذكرى الـ (21) لرحيل مؤسس و رئيس الحزب الدمقراطي الكردي في سوريا الدكتور نور الدين ظاظا

إعداد و تقديم: ليلوز عبد الغني 

كلمة لابد منها
أخيراً وبعد طول انتظار دام أكثر من حقبة كاملة تم ترجمة وطبع مذكرات الدكتور نورالدين ظاظا "حياتي الكردية" أو "صرخة الشعب الكردي"
المكتوبة باللغة الفرنسية وهو – أي  الكتاب – من نوع السُّيرالشخصية, مكتوب بأسلوب سلس وشيق للغاية وجدير لأن يتحول إلى فيلم سينمائي طويل.


 وبما أن الشخص الذي كتبها غير عادي وذلك بكل المقاييس والمعايير, إذ أنه رجل مثقف من الطراز الرفيع ومناضل ومفكر قومي كبير, ويعتبر بحق مؤسس ورئيس أول حزب كردي في سوريا.
ينحدر الدكتور نورالدين ظاظا من عائلة كوردية عريقة كانت تحسب لها سلاطين بني عثمان الكثير, لهذا يمكن اعتبار الكتاب سيرة حياة شعب بكامله طوال قرن من الزمان.
ورغم حاجة الشعب الكردي في كردستان -الجزء الملحق بسوريا- لكتاب كهذا بسبب الغموض المقصود والغير المقصود الذي يلف تاريخ الحركة الكردية في هذا الجزء من كردستان فقد أهمل هذا الكتاب من تسليط الأضواء عليه وطبعه في الوقت الذي تم طباعة أكثر من كتاب لبعض القياديين والكتاب الذين يتناولون تاريخ هذه الحركة بشكل مشوه وانتقائي بعيداً عن الحقيقة والموضوعية مع كثير من التجني والإساءة للدكتور نورالدين بغرض النيل من دوره ومصادرة شخصيته لحساب بعض الشخصيات الهامشية وتبيان دورهم بشكل مبالغ فيه وتصويرهم كمؤسسين للحركة الكردية, في حين ماكانوا سوى أرقاماً في عدادها.
فمعلوم لذوي الإطلاع أن الدكتور نورالدين لم يكن يعاني من عقدة الجاه والمال والشهرة, فقد كان من أشهر وأغنى العائلات الكردية على صعيد كردستان وحائز على أعلى شهادة في الوقت الذي كان عدد الحاملين على مثل هذه الشهادة يعدون على أصابع اليد الواحدة. لذا فإن انخراطه في النضال القومي كان بدافع من القناعات الراسخة والإحساس العالي بالمسؤولية التاريخية وبدافع من كبريائه القومي الأصيل, بخلاف العديد من الأشخاص الذين كانوا ومازالوا يلهثون وراءالشهرة والمناصب, ويستخدمون أرخص الوسائل في سبيل تحقيق غاياتهم تلك. وإذا صدقنا
القول فإن الدكتور نورالدين ظاظا هو الشخصية الوحيدة الذي استطاع أن يصبح رمزاً للشعب الكردي في سوريا. وفي عهده فقط التف عشرات الاّلاف من الكرد حول الحزب وكانت شعبيته طاغية حتى على شعبية الحزب في اوساط الجماهير مثَله في هذا  مثل العديد من الشخصيات التاريخية في الأجزاء الأخرى من كردستان الذين استطاعوا توحيد الصفوف في فترات زمنية متباعدة. من هنا كانت شخصيته مصدر قلق لدى السلطات السورية فعملت هذه السلطات بشتى الوسائل لإنهاء دوره, فتم سجنه وتعذيبه ونفيه دون هوادة والأقسى من ذلك أن بعض المتقنفذين
في الحركة الكردية قاموا بالإساءة الى شخصيته مستغلين فترات اعتقاله ونفيه فأطلقوا الإشاعات الكاذبة وصوروه كإقطاعي ومساوم, بل وشككوا حتى بأصله الكردي.!..
في الوقت الذي كان بإمكان هؤلاء المسيئين أن يتفيأوا بظلال قامته الشامخة وما كان لهم أن يصبحوا منافسين له, كل هذا أدى بالدكتور نورالدين لأن يبتعد عن الحزبية المباشرة, ولكن لم يبتعد يوماً عن قضية شعبه.
لقد قامت قيامة الدكتور نورالدين عندما صرح أمام المحكمة بأن بناء الدولة الكردية المستقلة مازال حلم بعيد المنال وأننا نناضل من أجل انتزاع حقوقنا الإدارية والثقافية, والاعتراف بالشعب الكردي في دستور البلاد, ومن هنا لنا أن نتساءل هل طلب هؤلاء الذين حاولوا تشويه سمعة الدكتور نورالدين شيئاً أكثر مما طلبه هو؟ وهل وصل مستوى خطابهم وبعد حوالي خمسين سنة إلى المستوى الذي خاطب به الدكتور نورالدين السلطات أمام المحاكم العليا؟.
إذا كان الدكتور نور الدين مساوماً حسب زعمهم, فلماذا لم يصروا هم على التمسك بشعار تحرير وتوحيد كردستان ؟. واسم الحزب أي الديمقراطي الكردستاني؟ ألم ينحدر هؤلاء المحسوبين على الحركة الكردية زورا وبهتانا إلى الدرك الأسفل من الانهزامية حينما حاولوا التأكيد بأن الكرد في سوريا ليس شعباً بل أقلية مثلهم مثل الأرمن والجاجان..!. ألم يصل الحال بهم إلى درجة أن بمقدور عنصر أمني ومن أدنى مرتبه أن يجمع الكثيرين منهم في الوقت الذي يريد ليزودهم بالتوجيهات السامية؟
ألم يتحول أكثرية الأحزاب إلى أكشاك لتقديم عرائض العتاب والرجاء إلى بعض الجهات وأشباه المسؤولين الذين لاحول لهم ولاقوة لذر الرماد في العيون؟.
أليس هذا إهانة لكل كردي واستخفافاً بعقله؟. أيعتقدون بأن الكرد لا ذاكرة لهم حتى يعكرون المياه كل هذا التعكير ليصطادوا فيها كما يحلو لهم.
على كل حال أردنا أن نقدم صورةً شبه كاملة عن حياة هذا المناضل الكبير مستعينين بكتابه فلجأنا إلى مايمكن أن نسميه باختصار كتاب "حياتي الكردية" بسبب عدم توفر الكتاب من جهة, ولكي يكون رداً على أكثر من غمز ولمز من جهة أخرى, وبسبب إن أجيالنا متتالية من شباب الكرد يكاد لايعرفون شيئاً عن هذه الشخصية نتيجة تجاهل الحركة الكردية له كتجاهل الابن لأبيه, ولكن لابد أن نؤكد بأن ما سنقدمه لايمكن أن يشكل بديلاً عن الكتاب بأي حال من الأحوال.
وبما أننا في  صدد ذكرى أحد أبرز مؤسسي الحركة الكردية في سوريا, فمن المفيد أن نسجل هذه الملاحظة وهي انه بالإضافة إالى الدكتور نورالدين ظاظا و الأستاذ عثمانصبري (المؤسسان الرئيسيان للحزب) هناك العديد من الشحصيات الكردية الذين لعبوا دوراً مهماً جداً, ومهدوا السبيل لتأسيس هذا الحزب من خلال نشر الثقافة والوعي القومي وذلك قبل تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا بعشرات السنين, في الوقت الذي كان المجتمع الكردي يعيش في جهل مطبق وفقرٍ مدقع إلى درجة كان يسيل لعاب الأعداء وكانوا يراهنون بأن مايسمى بالكورد بات قريباً من الموت قاب قوسين أو أدنى.
ففي تلك الظلمات الحالكة كان هؤلاء شموعاً للكرد ينيرون لهم الدرب ويشدون الهمم, ويأتي على رأس هذه الشخصيات المثقف الكبير واللغوي الفذ وسليل أعظم عائلة كردية على الأطلاق الأمير جلادت بدرخان وأخوه الدكتور كاميران بدرخان والدكتور نافذ والشاعرجكرخوين, وممدوح سليم والدكتور نوري ديرسمي المستشار السياسي للسيد رضا قائد ثورة ديرسم, وعلي اّغا زلفو وعائلة حاجو اّغا وعائلة يونس وعائلة جميل باشا وحمزة بك مكسي...الخ.
وباعتقادنا أن استغفال دور هذه الشخصيات والعائلات في سياق الحديث عن ظروف نشوء الحركة الكردية في كردستان -الجزء الملحق بسوريا- يعد إجحافا بحقهم وجهلاً بتاريخ الكرد في هذا الجزء من كردستان. وهذا الموضوع يحتاج إلى وقفة خاصة ومطولة لسنا بصددها الاّن.
بقي أن نذكر أن الكتاب من ترجمة روني محمد دملي , ويقع في /221/ صفحة مع العديد من الهوامش والحواشي القيمة وطبع في دار اراس للطباعة والنشر-اربيل.  


الصورة: جلوسا من اليمين: الدكتور أحمد نافذ من اليسار سيناي فندي
وقوفا: من اليمين مصطفى محمد (رشاد نافذ) من اليسار الدكتور نورالدين ظاظا





                       قراءة في كتاب «حياتي الكردية»

ولد نورالدين ظاظا في شباط  عام 1919 في مدينة "معدن" تشتهر بالنحاس, عند منابع نهر دجلة في بلاد جبلية رائعة "كردستان تركيا" من عائلة أرستقراطية كردية عريقة وفريدة.
فقبل اكثر من قرن استدعي جده الأكبر ابن زعيم قبيلة شاديان,وعين وكيلاًعلى معدن ومنح لقب أفندي الذي كان حكراً على العلماء والأمراء ثم أصبح المحافظ الأداري للمدينة, ويذكر أن معدن كانت ضيعة صغيرة في عهد الإمبراطوريات الحثية والاّشورية والميدية.
كان عدد سكانها يبلغ في ذلك الوقت حوالي ثلاثة الاّف, بادر إبراهيم أفندي لترحيل /500/عائلة يونانية من مدينة طرابزون إلى معدن لتشغيل مناجم النحاس غير المستثمرة منذ قرون, وكان من بين النازحين مهندسون وبناؤون شيدوا الجسور والطرقات وهناك خياطون وحدادون ومختصون في النحاس, وفي عام 1792 استخرج النحاس وصهر, وسرعان ماأصبحت معدن تبيع الاّلاف من الأطنان من معدن النحاس الشديد النقاء.
تكونت المدينة وزاد عدد سكانها أربعين ألفا يتمتعون بحياة اقتصادية وثقافية عالية, لكن النجاح العظيم الذي حققه إبراهيم أفندي أخاف الباب العالي فأنذره بالذهاب في عام 1830إلى استنبول لكنه رفض ذلك فأرسل إلى معدن جيش يتألف من عشرة اّلاف جندي فغادر إبراهيم أفندي متنكراً حيث وافته المنية.
كبر ابنه مصطفى واشترى ممتلكات والده التي صودرت وكاد أن يصبح رجلاً أسطوريا, واكتشف طريقة جديدة لصهر النحاس أما ابن مصطفى إبراهيم الثاني الذي أصبح حاكم معدن بعد والده فقد كان سيداً لايرتدي إلا ربطات العنق وأزرار الأكمام والقمصان التي يأتي بها من فرنسا, وبرع في استخدام الأسلحة ونال شهرة واسعة في الفروسية واستطاع جمع الكرد مع الطوائف اليونانية والأرمنية والتركية التي تعيش في معدن في وفاق وازدهار, ولكن لدى نشوب الحرب العالمية الأولى قرر الأرمن مساعدة الروس فأعد الألمان بمساعدة الأتراك خطة لإبادة الأرمن وذلك في عام 1915 وكان كل مرؤوس عثماني يظهر أقل كراهية لهذه السياسة يعد خائناً يستحق الموت رغم ذلك بذل الكثير من الكرد أموالهم وأنفسهم في سبيل حماية الأرمن ومساعدتهم في اللجوء إلى سوريا.
يصف نورالدين مدينة معدن في سنوات طفولته بالجنة الأرضية حيث كان يعيش في دلال وترف ولهو في كنف عائلة ثرية متنورة ومسالمة ومحبة للخير في مدينة تحيط بها البساتين الرائعة, مع هذا كانت هناك مناطق واسعة من كردستان تعاني من أوضاع مأساوية رهيبة لدى ولادة نورالدين, حيث كانت تجري معارك ضارية ومدمرة بين الروس والعثمانين وتوقفت مناجم استخراج النحاس من معدن وانتشرت البطالة والفقر وتدفق المهاجرون من المناطق المجاورة على معدن, فكان والد نورالدين الذي عرف عند الناس بالولي يبعث عند حلول الظلام أكياس الطحين ويضعها على أبواب الأسر الفقيرة ولازمَ هذه العادة حتى وفاته وفي سنوات حرب الاستقلال التركية هزم مصطفى  كمال اليونانين بفضل مساعدة الكرد. الجماعية له وفي المقابل وعد أتاتورك الشعب الكردي في احتفال رسمي بحكم ذاتي ضمن الجمهورية التركية,وكان الشعار المشهور:تنتمي تركيا إلى أمتين (الأمة الكوردية والأمة التركية).ولكن في عام 1923 استبدل معاهدة سيفر بمعاهدة لوزان وتنكر مصطفى  كمال لكل وعوده للكرد واتخذوا موقفاً عدائياً لهم, وتم سحب أشرطة الكاسيت التي تشيد ببسالة وشجاعة الكردفي حين كان يجري الاستماع إلى تلك الأشرطة داخل برلمان أنقرة وهكذا بدأ بتضييق الخناق في الكرد.
 وفي هذه الأثناء كان خالد بك جبري أحد سادة قبيلة جبران في منطقة موش قد أحاط نفسه بالمثقفين والضباط وكان خالد بك مثقفاً وقومياً ومتحمساً,وفي وقت قصير استطاع الاتصال بصفوة المجتمع وعزموا على القيام بثورة كردية شاملة
وحدد موعد انطلاق الثورة بالسادس عشر من اّذار 1925,ولكن قبل إتمام الاستعدادت سبقت المفاجاّة الأحداث وانطلقت الثورة في السابع من شباط ائر مناوشات بين مفرزة تابعة للسلطات التركية ورجال شيخ سعيد وهو من ببران وكان الشيخ سعيد رجلاً حكيماً له مكانته في كردستان يسكن في أرضروم وأصله من بالو وكان يحظى باحترام قسم كبير من الكرد,بحيث يستطيع تعبئة جيش جرار وكان قد اقسم اليمين بالولاء للزعيم خالد بك. وفي غضون أشهر قليلة حررت الثورة معظم أراضي كوردستان ودخل الشيخ عبد الرحيم الأخ الأصغر للشيخ سعيد مدينة معدن. وقبل دخوله المدينة فر جميع الموظفون الأتراك الكبار متنكرين بزي الفلاحين الكرد تاركين حتى نسائهم وأطفالهم يلتجئون إلى دار نورالدين يتوسلون إليه من أجل حمايته من رجال شيخ سعيد,فرد عليهم والد نورالدين بأن الكرد لايضمرون الحقد للشعب التركي إنما يريدون فقط إرغام أنقرة على احترام التزاماتها المتعلقة بالحكم الذاتي لكردستان.
ولكن الثورة فشلت نتيجة ولادتها القصيرة ونتيجة أخطاء عديدة أخرى لامجال لذكرها بعد أن دعت السلطات الكمالية خالد بك بحجة التشاور ومناقشة مستقبل كردستان فتم إعدامه غدراً, وكان مصير المثقفين الذين تعاطفوا مع الثورة مأساوياً حيث تم تقطيع العشرات منهم إرباً إرباً  ووضعوا في إكياس وألقوا في بحيرة وان. وفي معدن تم اعتقال حوالي ثلاثين شخصاً من بينهم والد نورالدين وابن عمه عثمان أفندي, وعندما دعاهم الضابط التركي لإهانة الشيخ سعيد لم يتمالك عثمان أفندي نفسه وصرخ بصوت عال: المجد والخلود للشيخ سعيد وثورته فربط الضابط عثمان أفندي بجذع الشجرة وسكبوا عليه الماء في ليلة بلغت درجة الحرارة /35/درجة تحت الصفر فكان عثمان أفندي في الصباح كتلة من الجليد إذ فارق الحياة,وتم شنق /55/من زعماء الثورة من بينهم الشيخ سعيد البالغ من العمر /80/سنة وفي السجن هاجم مبعوث مصطفى كمال والد نوالدين فأوقفه أمامه وجر لحيته وأهانه قائلاً: أنت بمظهرك الدال على أنك سيد عظيم وبهدوئك الجليل تبدو كأنك تتحدانا دوماً وبعد أن رد يوسف أفندي بكلمات مناسبة انزعج الضابط وقال لوالد نورالدين أيها الكردي القذر, وهنا هاجم الدكتور نافذ شقيق نورالدين الأكبر الضابط علي حيدر وصفعه بقوة ألقت بمبعوث مصطفى كمال أرضاً.
وبعد فترة من الزمن تمكنت عائلة نورالدين من رشوة السلطات التركية بمبالغ باهظة من أجل إطلاق سراحهم وفي عام1927جرت انتخابات بلدية في تركيا فرشح أهالي معدن الدكتور نافذ لمنصب رئيس البلدية وهو في ديار بكر وفاز في الانتخابات واضطر للمجيء إلى معدن, وإلى جانب منصبه في البلدية كلف بإدارة مستشفى معدن وهنا حاول الدكتور نافذ استغلال موقعه المهم لخدمة (معدن) في المجال الصحي والإداري وباشر بالإصلاحات, ولكن بعد فترة وجيزة الغي تكليف رئيس البلدية المنتخب في المناطق الكردية فغادر الدكتور نافذ مجدداً إلى ديار بكر ليفتح عيادته هناك. في هذه الأثناء بلغ نورالدين العاشرة من عمره وتخرج من الابتدائية ولحق بأخيه نافذ في ديار بكر لإكمال دراسته الثانوية. في عام 1930بدأ فصل جديد في حياته.
فبناءً على طلب ممدوح سليم وهو من مدينة (وان) كان مجازاً في الحقوق والعلوم السياسية. أسس بعض مثقفي الكرد تنظيماً سياسياً في سوريا يهدف إلى استقلال كردستان وسمي (خوي بون)وحاول أعضاء هذه الحركة بتحالف مع الأرمن العبور إلى تركيا وتنظيم حركة مسلحة ضدها واستطاعوا إرسال إحسان نوري باشا الذي كان ضابطاً سابقاً في أركان  الجيش التركي إلى جبل ارارات ونجح إحسان نوري في جمع عدد كبير من الزعماء الكرد ولكن  قام مصطفى كمال بضوء أخضر من فرنسا ومساعدة شاه إيران بحملة جديدة لإبادة الكرد فأحرقت مئات القرى في مناطق ارارات ونفي الاّلاف من الكرد إلى الى غرب تركيا وتم التركيز بشكل خاص على الشخصيات المهمة والمثقفة لترحيلهم من المناطق الكردية وابلغ الدكتور نافذ بضرورة رحيله إلى أي مدينة تركية أي منصب يريده, فرفض الدكتور هذاا الأمر ولكن بعد أن بلغت الضغوطات حداً لايطاق غادر الدكتور نافذ مع (عارف عباس وشوكت زلفي) مصطحبين معهم أخوه نورالدين الذي بلغ العاشرة من عمره ولجئا إلى سوريا.
في البداية سكنا حلب, وفتح الدكتور نافذ عيادة في شارع الخندق وتابع نورالدين دراسته في مدرسة داخلية ولكن بإلحاح من الكورد في دمشق قرر الدكتور نافذ مغادرة حلب واستقر في دمشق, ولكن ثمة عامل اّخر لهذا الاختيار وهو الحالة البائسة لعارف عباس وشوكت زلفي بسبب البطالة حيث لم يجدا عملاً في حلب وكان ذلك في عام 1930فاستقبلهما علي اّغا زلفو في منزله وكان أحد زعماء الكرد في دمشق وكان منزل علي اّغا زلفو يعج بالمنفيين الكرد من ضحايا السياسة التركية والفرنسية ومن بين أولئك محمد وأكرم وقادر أبناء جميل باشا وهم من ديار بكر. وكان حاجو اغا زعيم عشيرة هفيركان وأبناؤه حسن وجميل وجاجان وأيضاً الأمير جلادت بدرخان, وكان طويل القامة ذو لحية صغيرة وكان حمزة بك مقسي وهو من مدينة مقس قد أمضى عشر سنوات في السجن لنشره مؤلفات الشاعر الكردي العظيم أحمد خاني وكان منزل علي اغا زلفو بمثابة منتدى يجمع فيه الشخصيات الكردية المهمة يتجاذبون فيه أطراف الحديث عن السياسة والفلسفةوعن القضية الكردية, وخلال تلك الأمسيات الطويلة يستيقظ الفكر القومي الكردي لدى نورالدين ويبدي إعجابه ب(علي اّغا زلفو) إذ كان رجلا ًفي غاية النزاهة والاخلاص لوطنه سوريا ,ففي عام 1925 عندما نهضت سوريا في وجه ابتزاز الفرنسيين ترأس علي اّغا زلفومتطوعي الكرد من أبناء حيه وكبدالفرنسيين خسائر فادحة,وبعد فترة من إقامتهم في حي (عرنوس) بدمشق, ورغم أن معيشتهم في دمشق كانت رائعة والعمل متوفراً فإن الدكتور نافذ لم يكن راضياً عمن مصيره إذ لم يغادر بلاده واسرته من اجل المصالح المادية بل من أجل الكرد.
وكانت رغبته بالذهاب إلى الجزيرة شديدة ولكن الفرنسيين لم يكونوا ليسمحوا له بالإقامة على مقربة من الحدود التركية إرضاءاً لحكومة أنقرة,وأخيراً جاء الفرج إذ قتل الطبيب الشرعي في عين ديوار, وهكذا تم الموافقة على تعيين الدكتور نافذ طبيباً شرعياً في عين  ديوار إذ لم يكن له منافس وبعد أن أوصى أكرم جميل باشا برعاية أخيه نورالدين حيث كان يتابع دراسته في الثانوية الفرنسية.
غادر الدكتور نافذ دمشق متوجهاً إلى عين ديوار. ويقول نورالدين عن أكرم جميل باشا بأنه درس الفنون في لوزان وكان شغفاً بالمطالعة والمكننة الزراعية, وأول من أدخل الجرار إلى سوريا وكانت عين ديوار كبقية مناطق الجزيرة قد اتلفت أشجارها فشجع الدكتور نافذ رئيس بلدية عين ديوار عبدالكريم ملا صادق الوجيه الكردي على تجميع مياه النبع في حوض وإنشاء روضة حوله, فاستقدم عبد الكريم أشجار الفاكهة من دمشق وتركيا والعراق باسم البلدية وزرعها على جانبي الوادي وبعد بضع سنوات كانت ثمار تلك الأشجار تباع في أسوق عين ديوار وديريك والقامشلي. وفي عام1945أدخلت زراعة القطن لأول مرة إلى منطقة الجزيرة. ولدى وصول الدكتور نافذ إلى المنطقة شخص الأمراض الرئيسية المتفشية في المنطقة بين السكان كالملاريا والتراخوما والسفلس وتمكن بمساعدة الملازم الفرنسي من جلب الأدوية المطلوبة من وزارة الصحة والحد من تلك الأمراض وظل الدكتور نافذ في عين ديوار حتى عام 1935,ثم انتقل إلى القامشلي بصفة الطبيب الحكومي الدائم حتى عام 1937. وهنا أيضاً عمل الدكتور نافذ الشيء الكثير فقد كان يستقبل يوماً أكثر من مائة مريض, وكان يمنح أكثرية مرضاه الفحص والأدوية المجانية أما بقية المرضى فكان يتقاضى منهم خمس ليرات في الوقت الذي كان الأطباء يتقاضون خمسين ليرة, وعندما يسأل عن هذه الأجرةالرسمية أنني ادخل البهجة في قلوبهم ويضاف تأثير هذا السرور إلى مفعول الأدوية التي يصفها لهم, ورغم احتجاجات السلطة التركية على وجود الدكتور نافذ في هذه المنطقة فان الفرنسيين لم يتجرؤوا على إبعاده نظراً لشعبيته الواسعة.
وفتح الفرنسيين المجال للكرد للتعبير عن اّرائهم باللغة الأم,فأصدر الأمير جلادت بدرخان مجلة هاوار لمدة ثلاث سنوات حتى هاجمت السلطة الفرنسية الكرد نتيجة مساندة الكرد للقوميين السوريين سنة 1937 في النضال من أجل استقلال سوريا, فاتخذت إجراءات قسرية ضد الكرد
عامة والمثقفين خاصة وتم نفيهم إلى دمشق وتدمر في حين كان المأجورين السريان الذين كانوا مرتزقة للفرنسيين يعملون على إرهاب الكرد ويهددونهم بالقتل إن لم يغادروا ديريك.
تأثر نورالدين ظاظا تأثيراً شديداً بالويلات التى تعرض لها الكرد في ساسون وخاصة ديرسم على يد السلطات التركية وهو مازال في الثانوية الفرنسية بدمشق فترأس وفد من طلبة الكرد وسلموا مذكرة لبعض السفارات احتجاجاً على ماكان يجري في كردستان وفي عام 1937 أسس جمعية هيفي وقامت هذه الجمعية بالعديد من النشاطات وأيقظت الشعور القومي لدى الكرد ومهد الأرضية عملياً لتأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا هذا الحزب الذي أسسه هو وعثمان صبري في عام1957وأصبح نورالدين رئيساً له.
إن رؤية نورالدين للأمور لم تعجب أخيه الأكبر فطلب منه أن يدرس الطب,لكن نورالدين كان قد قرر مصيره قراراً لارجعة فيه وهو الانخراط في النضال والعمل السياسي ويقول :"حرصت أن أعيش بين الكرد محاولاً تثقيفهم وتنظيمهم لاستقبال اليوم الذي يتغير فيه الوضع في منطقة الشرق الأوسط حيث كان من الواضح أن خارطة الشرق الأوسط التي كانت مرتبطة بسلسلة متوالية من الظروف والتسويات الطارئة بعد الحرب العالمية الأولى ستتغير.!
وكانت الظروف قد تكشفت وفجع بها الكرد الذين ضحوا بأنفسهم لصالح الشعوب أخرى في المنطقة على مذبح المصالح العليا للدول العظمى ولكن يهمنا هذه المرة هو أن لاندع أنفسنا نتعرض للمباغتة ونغتنم الفرصة لنفرض حقوقنا الأكثر شرعية وكم كانت ظروف النضال شاقة ومريرة  في وسط يعيش السبات بسبب الأمية والجهل المطبق والفقر المدقع,ويشيد نورالدين بالدور الكبير للشاعر جكر خوين لإيقاظ الشعور القومي لدى الكرد.
يقول الدكتور نورالدين:لقد كان تأثير أشعار جكر خوين قوية ًعلى الشعب الكردي وكان الشاعر يتمثل بالنسبة للشيوخ الظلاميين والإقطاعيين خطراً عاماً ويجب القضاء عليه!.ولكن ازداد الذين يحفظون قصائد جكر خوين عن ظهر قلب,وفي عام1939تم تشكيل فريق كرة قدم باسم فريق كردستان وحصل على البطولة في عام1940, وكان الجمهور يذهب من القامشلي إلى دمشق لتشجيع الفريق وكتبت الصحافة عناوين عريضة "كردستان المنتصر" وتدخلت أنقرة لدى فرنسا لوقف النشاط الكردي فأوقف الفرنسيون جميع الروابط والنشاطات, ولم تكتف أنقرة بهذا بعد أن كشف عمق المشاعر القومية في جبل الكرد إذ قامت بإدخال ضابط تركي متنكراً بذي زعيم ديني كردي باسم شيخ ابراهيم خليل,واستطاع هذا الضابط أن يجمع حوله عدداً كبيراً من المريدين وأعلن الحرب ضد وجهاء المنطقة ودامت الحرب التي نشبت عام 1939. بين سكان المنطقة أكثر من عامين وقتل فيها حوالي عشرة اّلاف شخص وبعد أن أدى هذا الشخص مهمته اختفى بصورة غامضة .
وفي عام 1942سافر نورالدين بالقطار من حلب إلى القامشلي نتيجة لمجادلة ساخنة بينه وبين موظف تركي في القطار يبدو أن الأخير قد كشف هويته فحاولت الشرطة التركية إلقاء القبض عليه ولكن نورالدين وفي اللحظة الأخيرة رمى نفسه من القطارونجا من الموت المحقق.
وفي عام 1943 استطاع مصطفى البارزاني الهروب من السليمانية إلى بارزان وسرعان ماجمع حوله مئات المقاتلين وهزم الجيش العراقي وسار إلى اربيل وعرض البارزاني الذي أصبح قوة في ذلك الوقت لائحة بالمطالب الكردية وحصل من الحكومة العراقية على اعتراف بالحقوق الكردية,فتملكت نورالدين رغبة شديدة في الالتحاق بالبارزاني, ولكن السلطات الانكليزية رفضت إعطائه تأشيرة دخول إلى العراق.
 وفي عام1944دخل نور الدين العراق سراً عن طريق أحد أعضاء هيوا البارزانيين على امل اللقاء بالبارزاني ولكن السلطات العراقية قبضت عليه وقضى سنة في السجون العراقية في موصل وبغداد,حيث لاقى كل أنواع العذاب والتعسف حيث غزاه القمل في سجن الموصل المركزي ويقول نورالدين:في هذا السجن تركز اهتمامي على قتل القمل,فكنت أضعها بين أظافر إبهامي واضغط عليها وكان الصوت الناتج عن سحقها يمنحني متعة غريبة وكنت أعتقد بأنني اصرع بهذا العمل أعداء شعبي الكوردي الحقيقيين. حتى كان إبهامي يتلون باللون الأحمر نتيجة دمائها.ولقد حاول بعض المحامين الكرد في الموصل الدفاع عن المسجونين ولكن السلطات منعتهم فأضرب نورالدين  عشرة أيام عن الطعام حتى وصل خبر اعتقال نورالدين إلى رفيقه البارزاني عن طريق حمدي ممثل تنظيم هيوا وتدخل البارزاني لدى السلطات الإنكليزية والعراقية,ولم تستجب تلك السلطات. ومن ثم تدخل ستة عشر نائباً من البرلمان السوري لدى نوري سعيد لاطلاق سراحه, وكان يتم نقل نورالدين من سجن إلى سجن في سجون العراق وأثناء هذه التنقلات تعرف على الكثير من السجناء الكرد وكذلك العرب ومن هؤلاء صديق شنشل صاحب الإيديولوجية القومية الاشتراكية العربية برغم إقامته الطويلة في أوربا كان شوفينياً متزمتاً قصير النظر لم يتفهم مشاعر الكرد ومطالبهم العادلة وكان يحلم بتعريب الكرد بعد رحيل الإنكليز وبعد اثنا عشر شهراً سلم الأمن العراقي نورالدين إلى السلطات السورية في نقطة الحدود بتل كوجر وبعد فترة سجل نورالدين في معهد العلوم السياسية والاقتصادية في الجامعة الفرنسية  ببيروت,وسافر إلى هناك وحل محل الأمير كاميران بدرخان في قسم البرامج الكوردية بإذاعة بيروت. وفي هذا الأثناء كان الكرد في إيران على وشك إعلان جمهورية مهاباد والإنكليز يعدون العدة لمحاربة البارزاني.
وإلى جانب نشاط نورالدين كمذيع كان قد أصبح ممثلاً للشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان,وكان يتحدث علناًعن القضية الكردية عامة ويقرأ القصائد القومية الحماسية لإيقاظ الكرد حتى الفت السلطات اللبنانية البرامج الكردية. وفي عام 1946 فتح نورالدين مدرسة ليلية لتعليم الكردية. قراءة وكتابة باللغة الأم حتى عام 1947. وفي هذه السنة حصل على إجازة في العلوم السياسية وسافر إلى سويسرا لتحضير رسالةدكتوراه, وهنا أيضاً باشر نورالدين بالعمل في سبيل تعريف قضية شعبه بالرأي العام السويسري فلجأ إلى الصحافة والإذاعة لإلقاء المحاضرات . وفي عام 1948 كان نورالدين في تشيكوسلوفاكيا بمهمة, فحاول إثارة القضية الكردية في إذاعة براغ ولكنه قوبل برفض شديد فأعيد إلى سويسرا قائلين له لقد أخطأت الباب أيها السيد.
لم ييأس نورالدين وكلف من قبل الكرد في المهجر بتسليم مذكرة إلى أعضاء الأمم المتحدة وشرح القضية لهم ولكن لم يلق اّذاناً صاغية ماعدا مندوب يوغوسلافيا الذي شجعهم وقال لهم:سيأتي اليوم الذي ستحصل  فيه كردستان على استقلالها.
وفي عام 1949 اسس نورالدين رابطة الطلاب الكرد في أوربا وقرروا إصدار صحيفة باسم (صوت كردستان) على أن تنشر باللغة الكردية والإنكليزية والفرنسية,وحوربت هذه النشاطات من قبل الحكومات المسيطرة على كوردستان وأحزابها الشيوعية وحسب رأي هذه الأحزاب فإن هذه  الأنشطة ماهي إلا تعبير عن الشوفينية الكردية وتخالف وحدة الطبقة العامة العالمية. واستجابة لدعوة من مؤتمر الشباب الديمقراطي العالمي الذي انعقد في بودابست حضر نورالدين المؤتمر على أمل طرح القضية الكردية في هذا المحفل وهنا أيضاً تمت محاربته من جانب الأحزاب الشيوعية في كل من تركيا وسوريا وإيران وحاولوا تصويره كمنبوذ وعميل للرجعية ونشبت بين ممثلي هذه الأحزاب ونورالدين حرب كلامية عنيفة وعملوا كل مافي وسعهم لمنع نورالدين من تقديم تقريره باسم الكرد ولكن رغماً عنهم تمكن نورالدين من إلقاء قصيدة أمام خمسة اّلاف من الجمهور حول الزعيم الكردي مصطفى البارزاني,وتم قبوله في اتحاد الدولي للطلبة كممثل لكردستان وكعادتها تتدخل تركيا لدى سويسرا عن طريق  سفيرها لطرد نورالدين وإلا سيتم سحب جميع طلاب الأتراك من جامعة لوزان, وكاد إن يطرد . وفي نهاية شهر حزيران 1956 وبعد أن أنهى دراسة الدكتوراة في العلوم التربوية من جامعة لوزان توجه نورالدين إلى سورية,وبجرد وصوله إلى سورية بدأ يعد العدة لتنظيم جهود الكرد في إطار ما للدفاع عن وجود الكرد وتأمين حقوقهم حيث لم يكن لهم تنظيم يجمعهم. وكان العديد من الكرد منتسبين إلى الحزب الشيوعي السوري الذي كان قوياً اّنذاك وكان ينافس هذا الحزب حزب اّخر ألا وهو حزب البعث العربي الاشتراكي ذو الميول الشوفينية الذي أسسه المثقف المسيحي ميشيل عفلق, الذي كان مروجاً نشيطاً للنازية فكان الكرد مهددون من قبل شوفينية حزب البعث ومخدوعين من جانب الحزب الشيوعي الاممي نظرياً. أما الحقيقة فكان محامي الدفاع عن القومية العربية وكان مطلوب من الكردي أن يناضل ضد الإمبريالية ويجمع التبرعات ويضحي بنفسه على الحدود السورية الإسرائيلية وان لايطلب أي شيء من أجل شعبه. وتحقق الحلم.ففي نهاية عام 1957 أسس الدكتور نورالدين والمناضل عثمان صبري الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا وانتخب الدكتور نورالدين رئيساً للحزب. وفي فترة قصيرة نسبياً ضم الحزب في صفوفه الاّلاف من الأعضاء وكان الحزب يعارض الوحدة بين سوريا ومصر المفروضة من قبل ناصر,فاتهمتهم السلطة بالخونة والانفصاليين وقامت بحملة اعتقالات واسعة وأوقف أكثرمن /5000/شخص ومن بينهم رئيس الحزب وعثمان صبري وعذبوا بوحشية, وحينما ادخلوا الدكتور نورالدين إلى مكتب الضابط المكلف بالتحقيق صاح أخيراً:(اّه هاهو الدكتور وقع أخيراً في قبضتنا بينما كانت الأمة العربية تناضل من اجل وحدتها حاولتم اقتطاع جزء من الجمهورية العربية المتحدة).فرد عليه الدكتور نورالدين: إن اتهاماتكم لاتوافق الحقيقة,ونحن لانواجه سوى سياستكم العنصرية الجنونية بحق الشعب الكردي والأمة الكردية بأسرها.حينئذ طلب الضابط من الدكتور نورالدين تقديم تقرير.وفي اليوم التالي كتب الدكتور نورالدين تقريره قائلاً:إذا كنا قد أسسنا الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا فهذا يعود إلى أنه منذ عام 1949 لم تفعل السلطات العسكرية المتعاقبة سوى إنها داست بقدمها على الديمقراطية في سوريا وألغت الحقوق التي كان يتمتع بها الكرد تاريخيا.ً..وإن وحدة مصر وسورية جعلت هذه السياسة أكثر عنصرية وفاشية واستبداداً, واليوم ليس هناك ضابط كردي في الجيش ولاموظفون ذو مستوى عال وفي الإدارة, ولا شرطة كردية في المناطق الكردية ...فالمستقبل يبدو لنا مظلماً..فغضب الضابط وطلب من الدكتور تغيير تقريره فرفض الدكتور نورالدين قائلاً:لن أحذف أية كلمة من تصريحي ولن أضيف عليه شيئاً...وحينما سمع الضابط من الدكتور نورالدين مصطلح الفاشية صرخ قائلاً :انك لاتحسن اختيار كلماتك فالقومية العربية بعيدة عن الفاشية,فرد عليه نورالدين إن القومية بشكلها العربي الجامع, التي ينادي به البعث والتي يمارسها اليوم الرئيس ناصر ليست إلا فاشية بعينها.
وفي الثامن من أيلول تم نقلهم ثانية من حلب إلى دمشق حيث كان ينتظرهم التعذيب الوحشي والمسبات البذيئة, فكان رفاق نورالدين يركضون يساراً ويميناً لتجنب الضربات الموجعة أما نورالدين فيبقى صامداً في مكانه مما أغاظ مدير السجن وسأله من أنت فقال نورالدين:أنا ببساطة كردي.فأصر المدير أن يعرف اسمه وبعد أن عرف قال:إذاً أنت رئيس الحزب..حسناً سأصحح لك مسارك من أجل القضية الجميلة التي صعدتها ضد العروبة.وبدؤوا بضربه حتى أغمي عليه.
ورغم كل أساليب التعذيب والإرهاب رفض الدكتور نورالدين بعناد الركوع وأعمال السخرة التي كانوا يفرضونها على السجناء في الوقت الذي كان الجميع ينفذون الأوامر ويؤدون هذه الأعمال. وذات يوم صرخ المسؤول عن العلاقات بين السجون والمحاكم:ظاظا ومجموعته إلى المحكمة غداً... وفي المحكمة سألوا  نورالدين عن الكتاب الصادر باللغة الإنكليزية (كردستان بلاد مجزأة) وكان نورالدين قد ترجم الكتاب إلى اللغة الكردية بالأحرف اللاتينية فسأل قائلاً:ماهذا؟. فأجاب نورالدين :لغة كردية. فاندهش القاضي, أهكذا تكتبون باللغة الكردية؟ فأجاب الدكتور:نعم, فمنذ أكثر من أربعين عاماً يستعمل الكرد في سوريا وتركيا الحروف اللاتينية الموافقة للغتهم الكردية .فقال القاضي:هذا أمر عجيب, عجيب جداً وأنت أيضاً تكتب باللغة الكردية جيداً؟ رد الدكتور: نورالدين نعم, أعتقد ذلك.. وفي أحد جلسات المحكمة سأل القاضي الدكتور نورالدين:أنت بادرت بإنشاء الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا, أليس كذلك؟.
 نعم أنا.
لماذا قمت بهذا المشروع؟
 لندافع عن أنفسنا ضد الشوفينية العربية.وطلب القاضي من الدكتور نورالدين كتابة تقرير يثبت فيه وجود تمييز حيال الكرد.وكتب الدكتور بالتعاون مع رفاقه تقريراً مطولاً حول التمييز العنصري ضد الكرد,وعزم السلطات على قتل الثقافة الكردية بغياب المدارس والصحافة الكردية ورفضهم منح الجنسية السورية لعدد كبير من القاطنين في سوريا منذ عدة أجيال,والتعريب الجاري في المناطق الكردية وطرد الكرد من قراهم واستبدالهم بعرب وإغلاق باب الكليات الحربية والشرطة أمام الكرد.
طلب وكيل النيابة بتوجيه من السلطة السياسية إنزال عقوبة الإعدام بكل من الدكتور نورالدين ظاظا وعثمان صبري ورشيد حمو!.
وفي إحدى المرات وبسببب الرفض المستمر من قبل نورالدين أداء أعمال السخرة,سحبه مدير السجن إلى مكتبه وشتمه بأمه وأبيه وأسلافه وشعبه وقام يجلده مئة جلدة.وبما أنه كان واقفاً لايتحرك ولايلتمس الشفقة تخلى المدير عن سوطه ووجه لكمة إلى فكي نورالدين ,كانت ضربة قوية جداً إلى درجة كسر أحد أسنانه وغاب عن الوعي,وحينما ثبت إلى رشده رأى نفسه في مستوصف السجن . وفي سجن المزة وأثناء المرافعات ورداً على  تهمة العمالة التي تم توجيهها إلى  المعتقلين,صاح محامي عربي: كلا لاشيء من ذلك ...أيها السادة. إن أمامكم أناس شرفاء يطلبون احترام لغة وثقافة وتقاليد الشعب الكردي,هذا كل مافي الأمر . لقد أنقذنا هذا الشعب الباسل والأمين والمقاتل من ألف محنة ومحنة .لماذا نمنع الكرد من أن تكون لهم مدارسهم باللغة الكردية في حين نمنح هذا الحق إلى اليهود والأرمن والسريان؟!.
فهل من العدل منح حقوق ثقافية للطوائف الدينية ورفضها لكيان قومي هام؟. وقام الكرد في العراق ولبنان والسويد وألمانيا وبلجيكا وإنكلترا وإيطاليا والعديد من الأصدقاء والعلماء والأدباء السويسريين بتنظيم احتجاجات واسعة لإطلاق سراح الدكتور نورالدين ورفاقه,وبالنتيجة تم إلغاء حكم الإعدام وحكموا بعام وبنصف عام...وذلك في /5/ اّذار عام1961. في 8 اّب من نفس العام تم إطلاق سراحهم.وكم كانت خيبة أمل الدكتور كبيرة حينما كشف أن مستودعه لاستيراد والتصدير والأدوية قد نهب خلال فترة اعتقاله وقدر خسارته ب/50/ألف فرنك سويسري (ولقد تمت معرفة كل من قام بنهب المستودع) إن الوحدة بين سوريا ومصر التي جرت بشكل فوقي وقسري قد أنهكت الاقتصاد السوري وكان يزداد استياء السوريين من ناصر وكانوا يعتبرون بلادهم مستعمرة من قبل مصر.وفي الثامن والعشرين من أيلول عام 1961 قام العقيد نحلاوي والعقيد كزبري بإنهاء الوحدة السورية المصرية والإعلان عن إجراء انتخابات حرة في سوريا فشجع الكرد الدكتور نورالدين لترشيح نفسه للنيابة وكانت السياسة العنصرية للسلطة قد فعلت فعلها بالكرد في الجزيرة,إذ كان مئة ألف كردي محرومين من الجنسية (أجانب) حسب تسمية السلطة لهم مع ذلك كانوا يؤدون خدمة العلم وكانت الجيش يمنحهم هويات خاصة للتنقل الداخلي.كما أن هنالك عشرات اّلاف المسجلين في السجل المدني لم تدون أسماؤهم في اللوائح الانتخابية,واّخرين وجدوا أنفسهم محرومين من حق الاقتراع. وتم تشكيل قائمة كردية وكانت تضم بالإضافة إلى الدكتور نورالدين كرديين وسرياني مستكرد أي بشكل مخالف لرغبات السلطة ,فطلب من الدكتور تغيير قائمته ولكنه رفض بشكل قاطع فقامت السلطة بتشكيل قائمة مضادة مدعمة من الجيش وكان الشعب الكردي في كل مناطق الجزيرة يعبر عن دعمه اللامحدود للدكتور نورالدين .
وفي عامودا قامت الجماهير بمحاصرة سيارة نورالدين ووضعوها على أكتافهم , فاستدعي نورالدين من قبل السلطات قائلين له:يادكتور نحن نعلم إن الشعب يحبك وأنك لست بحاجة إلى دعاية لتنتخب,ولكن بما أن شخصيتك تثير مشاعر أهالي المنطقة فمن الأولى الا تخرج من بيتك قبل نهاية الانتخابات...!.
ولم تكتف السلطة بهذا الاستدعاء بل قامت  بتوقيف الدكتور نورالدين ورفيقه في القائمة,وضربوا وطردوا ممثلي الدكتور على الصناديق واعتقلوا العديد من مؤيديه وزوروا الانتخابات بالنتيجة أنجحوا قائمة السلطة علماً أن فرز الأصوات وحسب وصف شرطي للدكتور نورالدين لم تمر سوى قائمة ظاظا- في كل مكان ظاظا...ظاظا... ولم تمر سوى فترة قصيرة حتى وقع انقلاب وحل المجلس النيابي وألغي الدستور.
وفي 8 اّذار وقع انقلاب اّخر جاء بحزب البعث إلى السلطة وشكلوا قوائم سوداء تضم أسماء الشخصيات المعروفة ومن ضمنهم اسم الدكتور نورالدين وكان يذاع هذه البيان بالراديو عدة مرات باليوم لإرهاب الناس.!
وهكذا وجد الدكتور نورالدين نفسه ملاحقاً من جديد ,فلجأإلى منزل ممدوح سليم المناضل والمثقف الكردي المعروف.وكان يتم نقل الدكتور نورالدين من بيت إلى بيت من بيوت الكرد الفقراء في حي الأكراد بدمشق وكان الجميع يرحبون به أيما ترحيب إلى أن سافر سراً بالصهريج إلى لبنان وكانت قد تشكلت جالية كردية كبيرة في لبنان وصل عددها إلى مئة إلف كردي أكثريتهم من ماردين وكانوا يعيشون حياة صعبة جداً,وبتشجيع من الدكتور نورالدين لبعض الشخصيات الكردية هناك وبدعم من كمال جنبلاط تشكلت جمعية خيرية تقدم العديد من الخدمات الثقافية والطبية والرياضية للكرد هناك.
وأعد للدكتور نورالدين مكاناً خاصاً لتعليم اللغة الكردية وكان الدكتور نور الدين يتابع الأحداث عن كثب وخاصة في كردستان العراق حيث كانت تجري معارك ضارية بين البشمركة والجيش العراقي وكانت قد ألحقت بالجيش العراقي خسائر فادحة واستنجد البعث العراقي بالبعث السوري فانسحب عشرة اّلاف من رجال الجيش السوري من الحدود الإسرائيلية بقيادة الجنرال فهد الشاعر لينقل دعمه إلى القوات العراقية وبعد أن تكبدت خسائر فادحة انسحبت من المعركة وعادت إلى سوريا. في كانون الأول عام 1963 وكانت الصحف اللبناية تنشر العديد من الكتابات المشوهة والأكاذيب عما يجري في العراق بأقلام مأجورة من قبل النظام العراقي ,
فبدأ الدكتور نورالدين بتغذية الصحف اللبنانية بالمعلومات الصحيحة بعد أن أقنع رؤساء تحرير العيد من الصحف  كالحياة والنهار ولسان الحال وشرق النهار والمساء,ولكن نتيجة تواطؤ بين السفير العراقي ومدير الأمن اللبناني تم اعتقال الدكتور نورالدين. وعلى وجه السرعة جهزوا له الأوراق اللازمة (كي لايصل العلم إلى كمال جنبلاط وبيير جميل وزير الداخية)
أخذوه إلى مطار بيروت وتم تسفيره إلى الأردن. وفي مطار عمان تم توقيفه من قبل الأردنيين وأودعوه السجن .وبعد أن عرفوا بأنه شخصية كردية بدؤوا بتحقيق مطول معه, وفي اليوم التالي حطت به طائرة من جديد. وجد نفسه في يد الأمن اللبناني فقامت السلطات اللبنانية بوضع قيد في يده ووضعوه في سيارة لاندروفر محاطاً برجال الدرك وسلموه إلى سوريا.
ويصف الدكتور نورالدين مشاعره في الطريق ...كان النهار اّنذاك جميلاً
فالسماء زرقاء صافية  وشمس الربيع كانت تشرق على الجبال وكأنها تغطيها بحرير موصللي شفاف وكانت أشجار اللوز والمشمش والدراق المزهرة ترسل أريجاً ساحراً في كل الاتجاهات وكان هذاالمشهد قذ ذكره بسنوات طفولته في كردستان واقتادته السلطات السورية هذه المرةالى سجن "الشيخ حسن " حيث وضعوه في  زنزانة منفردة. وذات يوم دخل عليه رجل وعرفه بنفسه بأنه الملازم محمد رمضان وكيل مدير ناحية عامودا سابقاً وقال :ألا تعرفني؟.أعلم أنني كنت أهز جميع الكرد في الجزيرة بدبابة واحدة ...أتفهم؟؟ دبابة واحدة تكفيني لأدوس وأبيد واسحق كرد سوريا..لأنكم ترفضون الانصهار في بوتقة القومية العربية... وكان لهذا الشخص باع طويل في حرق السينما في عامودا وكان معروفاً "بجلاد عامودا".
أخذ هذا الجلاد نورالدين إلى مكتبه وقام بضربه وتعذيبه بوحشية حتى نقل الدكتور إلى مشفى المزة العسكري وبعد سبعة أشهرمن السجن في زنزانة منفردة تم إطلاق سراحه ونفيه إلى جبل الدروز. وهناك زاره مجموعة من المعلمين الكرد الذين نقلتهم السلطة كعقوبة لاسباب عرقية, ويتذكر حسن صالح عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الذي كان واحداً من هؤلاء المعلمين قائلاً: بعد أن استفسر منا عن أوضاع الجزيرة. أوصى بضرورة أن نتعلم لغتنا قراءة وكتابة وأن نعلمها للاّخرين.
وفي نهاية عام 1967نقل الدكتور نورالدين إلى دمشق تحت الإقامة الجبرية .وفي دمشق جاء ابن عمه من تركيا وأقنعه بالذهاب إلى تركيا. وهكذا تم تهريبه سرأ وعبر حقول الألغام إلى تركيا ,حيث مسقط رأسه وطفولته وذكرى الأهل.وكان يحلم منذ طفولته بالإقامة في برماز وهو سهل صغير ورائع..
 ولكن سرعان ماعرفوا من موظف كبير بوجود ملف كبير باسم الدكتور نورالدين يحوي نشاطه السياسي في بيروت فسافر شقيق الدكتور إلى أنقرة حتى استقبل بحفاوة من قبل سليمان ديميريل رئيس الوزراء.
وأخذوا أكثر من وعد ولكن كانت المخابرات التركية واقفة بالمرصاد. وبعد أن اقتنع الدكتور نور الدين بأنه سيعتقل ويسلم إلى سوريا استعد للتوجه إلى سويسرا وهو مفعم بالحزن ويعرف بأن هذه اخر مرة يرى فيها وطنه. وهكذا وصل الدكتور نورالدين إلى سويسرا في صيف عام 1970 بعد رحلة طويلة ومليئة بالشقاء والعذاب والسجون والضرب والنفي والاختفاء, كل هذا إلى جانب الإصرار على المقاومة في سبيل كردستان.
وفي الثالثة والخمسون من عمره تزوج من فتاة سويسرية صديقة للأكراد اسمها "جيلبير فافر",ولدت له طفل اسمياه (ŞENGO VALIRI).
وهنا أيضاً مثلما كان في شبابه عمل وكتب ونشر الكثير عن القضية الكردية حتى وافته المنية في إحدى مستشفيات لوزان في 7/10/1988 ودفن في يوم الاثنين /11/تشرين الأول1988 في مقبرة مدينة لوزان بعد أن أقيمت له مراسيم تأبينية متواضعة.
___________
ملاحظة:
صدرت هذه الدراسة في حلب عام 2002 وتم توزيعها هناك على المثقفين والطلبة الكرد .

 






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2604