الإقتصاد، الإله الماركسي الذي قضى على أتباعه
التاريخ: السبت 16 ايار 2009
الموضوع: القسم الثقافي



خالص مسور

يقول ماركس ما معناه، إذا أردنا أن نحكم على فكرة ما يجب أن نضعها في زمن ولادتها وعصرها، وهذا ما يدلل على التاريخانية في الفكر الماركسي أي أن الفكر والأيديولوجيات والنظريات تتطور وتتغيير مع الأيام والمراحل الزمنية شأنه شأن ما يسمى دياكرونية اللغة في علم النقد الحديث. واعتماداً على هذا الأمر وبعد فشل الماركسيبة السياسية أو المؤدلجة وحتى الفكرية أيضاً، يرى الشيوعي المخضرم السيد كريم مروة أن التغيرات السياسية والمسيرة الإيديولوجية في الماركسية حاصلة وأن الحزب من طراز الحزب الشيوعي اللينيني يبقى هو أداة التغيير ويقول: (لكن الحزب الذي ورثناه،الحزب اللينيني المعمم، لم يعد صالحاً للمهمات الراهنة). الطريق العددان 5-6- 2003م -  ص- 36.


ومن هنا أيضاً نرى أن مستقبل اليسار سيكون قاتماً إن لم يستطع تجديد نفسه وتغيير الكثير من ثوابته ومقولاته التي أثبتت الأيام عدم صحتها واهترائها وخاصة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي السابق، وفي هذا نرى مفكراً مثل (ألان تورين) يقول بالحرف: (يتطلب من الفكر اليساري تجاوز الراهن ولكن ليس هناك اليوم فكر سياسي نتجاوز به هذا الراهن المستهلك،  لكن دون أن نجد العلاج الأمثل للحاضر ونتهرب من الأوضاع الحالية باسم المستقبل...) هكذا فالأحزاب والقوى اليسارية يجب أن تعبر اليوم وتدافع عن الآخر المختلف أو الذات المغايرة، وعن كل القوى التي تعبر عن التنوع الثقافي وعن التنوع الإثني وحقوق الأقليات وحق الشعوب في النهوض والمساهمة في الحياة الاقتصادية العالمية.
وفي الحقيقة وبمزيد من التأمل والدرس، نرى أن الكثير من المفاهيم الماركسية قد تحولت في فترة معينة وحتى اليوم إلى إيديولوجية ميتافيزيقية تعيق مسار التطور والتغييرفي مسيرة السياسة والمجتمعات العالمية التي تتطلع إلى النهوض في مختلف سوياتها الحضارية. ولهذا يمكن القول وبكل جرأة أن الأزمة تكمن في جوهر المفاهيم الماركسية وخاصة في كاريزماتها الأساسية، وفيما أسمته هي بالمادية التاريخية تلك المقولة الماركسية الشهيرة التي حاولت التمحور حول العامل الإقتصادي وإعطائها الأولوية على باقي الظواهر الإجتماعية وتهميش الجوانب الأخرى في الإنسان كالجوانب الروحية مثلاً وقد نسي ماركس أن ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان. فـحتى (لينين) مثلاً كان لايأبه لهذا الجانب ويرى أنه لايمكن بناء الإشتراكية دون تحييد وتحجيم دورالدين. وهذه النزعة الإقتصادوية المرتكزة على الجانب الاقتصادي وحده في تفسير وتغيير تاريخ المجتمعات البشرية والتي استندت إلى فكرة التقدم المستند بدورها الى التطور المتواصل للقوى المنتجة، هذه النزعة أدت إلى إلى الوصول إلى نظرية ماركسية عرجاء بقدم واحدة، مثلما نعت ماركس يوماً الديالكتيك الهيغلي بأنه يقف مقلوباً قدميه نحو الأعلى ورأسه للأسفل. كما خاب آمال ماركس بانهيار الرأسمالية الإحتكارية أو الإمبريالية العالمية تحت وطأة تناقضاتها المستعصية والتناقض الأساس بن الإمبريالية والتكتلات العمالية متآزرة مع البرجوازية الصغيرة.
لكن أثبتت الأيام ومن خلال الأزمات التي تعرضت لها الرأسمالية والتطورات الدراماتيكية المتلاحقة والمثيرة لاقتصادات العالم، عكس ما ذهب إليه ماركس حيث أبانت الرأسمالية قدرتها الفائقة على التجديد والتلاحم بعد كل أزمة تعرض لها، معتمدة التكنولوجيا والمؤسسات العالمية وأنماط التسيير...الخ. لكن الظاهرة الأبرزاليوم والأكثر دراماتيكياً على صعيد بنية الكاريزمات الأساسية للنظرية الماركسية، هي تراجع المثير لدورالطبقة العاملة كأحد قطبيى الصراع الرئيسيين في العصر الرأسمالي، ومن خلالها انحسار الصراع الطبقي الذي كان المحورالرئيس الذي عول عليه ماركس في بناء نظريته الإشتراكية، وحلمه بالوصول إلى عالم تنتفي فيه الطبقات وتخلومن استغلال الإنسان للإنسان. والإثارة تكمن فيما اعتبره ماركس بأن الصراع الطبقي هو محرك التاريخ.
ومن هنا ندرك مقدار الضعف والشلل الذي اعترى المحرك الماركسي العتيد وتوقف عجلة التاريخ وتصدع بنيان نظريته التي بدت طموحة أكثر من اللازم. واليوم وبعد تصدع وانهيار بنيان أول تجربة اشتراكية في العالم يزدالد المحرك الماركسي تباطؤاً، وخاصة في ظل تنوع الأفكار اليسارية والطروحات الإيديولوجية - السياسية التي تطرحها وما يدور بينها من تنافس على انتلاك زمام الامور، والتلميح والتصريح من قبل هذه المكونات على أنها تمثل الأفكار الإشتراكية الديلة عن الماركسية والآخرالمختلف عنها، ومن هنا ندرك بأن الدعوة إلى الماركسية الماضوية بمثابة شبه المستحيل أو تكون على الأقل عديمة الجدوى وسط هذه التنوعات الأساسية المختلفة، وخاصة أن ماركس نفسه كان يؤمن بالحتمية التاريخية والإجتماعية وحتى إنه رآى أنه لايمكن فهم دلالة نظرية ما بمعزل عن الممارسة التاريخية والاجتماعية التي تتوافق معها والتي تتغلغل داخلها وتشكل ستاراً لها. وخاصة أن الاحداث الدراماتيكية التي جرت في الدول الإشتراكية السابقة أثبتت وهن وهشاشة مقولة كبرى من مقولات النظرية الماركسية ألا وهي مقولة البنية الفوقية والتحتية. البنية الفوقية متمثلة في الدين، والفن، والأفكار، والإيديولوجيات، والتي اعتبرتها ماركس لبنات أساسية تبنى فوق أساسات البنية التحتية، أي أن البنى الفوقية ترتبط في تطورها بتطور البنية التحتية كالقوى المنتجة وعلاقات ووسائل الانتاج...الخ.
ولهذا وبناء على ماسبق نقول: لم تثيت النظرية الماركسية صدق مقولتها حول أن الرأسمالية تزرع بذرة فنائها بنفسها، والبذرة ليست هي سوى الطبقة العاملة والتناقضات والأزمات الدورية التي تنتاب الرأسمالية بين فينة وأخرى، وقد أثبتت الأيام عدم صدقية ما ذهب إليه ماركس، لأن من الواضح أن الرأسمالية تحمل معها بذرة انتشائها وتجددها في نفس الوقت، مثلها مثل الثعبان الذي يسلخ جلده كلما ضاق عليه جلده القديم.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2397