محمد الكلاف : إيماني القاطع بأن النقد والأدب كلاهما شيء واحد ، وحاجتي للإبداع الأدبي أسباب دفعت بي إلى تناول تجارب هؤلاء المبدعين ، حيث ساهمت بدورها في نضج خبرتي في الحياة (النقد والإبداع)، وهذا ما يهمني بالدرجة الأولى ...
إن النقد لم يعد ذاك الرقيب الذي كان يطلبه (هوراسيوس) وبعده (بوالو)، ولا ذاك المراقب بارد الأعصاب الذي تتطلبه شعرية(جاكبسون)، بل إنه الكاتب نفسه ، لأنه عند هذا الحد لم يعد هناك تمييز بين الكلام عن الكتابة والكتابة نفسها ، ولا بين " النقد" و" الأدب" ...
عموما ، فأنا لست حريصا على الحضور في الساحة الأدبية والنقدية ، كمومياء فرعونية محنطة ، يراها الجميع كأعجوبة الزمان ... حضوري في الساحة الأدبية والنقدية مرتبط أساسا بما هو متاح على مستوى النشر والانتشار ...وما تبقى يؤسسه " الزمن الإبداعي "
س4 – من الغرابة عندما يتحول الناقد إلى مجامل "جزاك الله خير " ليفقد قيمته المقدسة ويعيش في حالة من الضوضاء...ما راي القاص والناقد محمد الكلاف فيما يجري في المشهد الثقافي العربي وخاصة فيما يتعلق بكتابات نقدية وهل هو راضي عن ذلك ام له راي اخر ..؟!
محمد الكلاف : أنت تثير ظاهرة غريبة ، مستشرية في الأوساط الثقافية ، خاصة في الصحف السيارة...أعني ظاهرة النقد العابر المجامل ، والشبيه بفقاعات حبرية ...النقد الحقيقي إبداع على إبداع، وهو جهد جبار يضاهي جهود المكابدين الأقوياء ، الذين لا تخلد أسماؤهم بمحض الصدفة ، بل عن جدارة واستحقاق ...
فأنا لا أعتبر النقد المشجع مجاملة ، ما دام يساهم في بلورة وترسيخ الفعل الإبداعي ...
س5- هل يتفق محمد الكلاف مع الراي القائل : بإنّ النقد ليس ملاذ المبدع فقير الموهبة أو تكملة ديباجة كلّ من يحمل شهادة أكاديمية متخّصصة بالنقد، وهو كذلك ليس مادة مطاوعة لكلّ صحفي استلم زاوية نقدية في صحيفة أو مجلة صدفة أو على حين غرّة أو لتكملة عدد فقط،ولكنّه موهبة شأنه شأن أيّ موهبة أخرى .. هل انت متفق مع هذا الراي ام لك راي اخر بخصوص هذا الموضوع ..؟!
محمد الكلاف : صحيح أن النقد موهبة ، وكلمة "النقد" تعني لي ممارسة أكبر مجهود ممكن للحصول على الدرر ، ما لم يعاني الناقد معاناة المبدع لن يستطيع أن يقدم أي جديد ...
الناقد الفذ هو الذي يبذل قصارى جهده لصقل موهبته ، بالمثابرة في القراءة والكتابة، والممارسة والتجربة ...بعد هذا لايهم إن كان الناقد حاصلا على شهادة جامعية عليا ، أو مجرد مدرس بسيط بمدرسة ابتدائية ... المهم أن يكون جادا ومجدا في البحث والإبداع ...
س6- الحالة الأدبية للشعر تختلف عن الرواية والقصة، ولذلك فان نقد وتقييم الاعمال الشعرية تتطلب شروط خاصة تختلف عن ادوات النقد للاجناس الادبية الاخرى ,فالشعر كائن ادبي قلق ومتحرك له خصوصية ذاتية تفرض على الناقد حالة خاصة حتى ينجح في نقد القصيدة ، في هذه الحالة تحديدا بمعنى ادق ، كيف يتعامل " محمد الكلاف " نقدياً مع الحالة الشعرية كناقد ادبي ..؟!
محمد الكلاف : تنميط النصوص الأدبية يرتكز على أسس جوهرية لا مجهرية ، مثلها في ذلك مثل التنويع أو الانتماء والتجنيس الأدبي ...فالشعر لا يختلف في عالمنا الراهن عن أي ممارسة إبداعية أخرى ( كالقصة والرواية والمسرحية)... ولذلك لا أرى اختلافا في التناول النقدي للشعر عن غيره من الأجناس الأدبية ، إلا ما كان إنصاتا للملاءمة النقدية ، وأعني احترام خصوصية كل جنس أدبي ، وعند تناولي للشعر أجدني أكثر حبورا ، لأنه يحملني على أجنحة مخملية ، ويطير بي في الآفاق الرحبة ...
س 7 - ما راي الكاتب والناقد " محمد الكلاف" في الادب الملتزم اليس من المفروض ان يكون الادب حراً والاديب حراً فيما يكتب ..؟!
محمد الكلاف : ننخدع كثيرا بالتسميات ، ونغفل أو نتغافل عن قصد أو عن غير قصد جوهر الحقائق و الأشياء ...لقد ساد الأدب الملتزم فترة (جان بول سارتر) كما يقولون أو يتوهمون ، وبدا كما لو أنه مات بموته، لكنه مجرد افتراء ...
الأدب الملتزم كان حاضرا قبل (جان بول سارتر) وبعده...وما هو مختلف هو مفهومنا للمصطلح " الالتزام" ، هذا المفهوم بطبيعته متغير تغير الحياة الإنسانية ، وباق بقاءها ...ا.ا.
س8- بعد كل هذه الاسئلة ما هي وظيفة النقد برأيك ..؟؟
محمد الكلاف : وظيفة النقد في رأيي ، هي تمكين المتلقي من الاقتراب من النص الأدبي ، وربط علاقة معه ...فالنقد هو الذي يدل القارئ على جمالية النص ، ليقوم بدوره بإعادة بنائه وكتابته كتابة إبداعية ثانية ، بلغة وأسلوب ثان ... فالنقد لم يكن أبدا مشروع هدم بالكلام الجارح ، بل إنه إعادة بناء دؤوبة ومحافظة على التراث ، في إطار من التلذذ ... وقد لا نكون في هذا القول قد ابتعدنا عما كان يفهمه (أناتول فرانس) من النقد ، حين كان يعتبره:" فن التمتع بالكتب" ...لكن الشيء الأكيد هو أن النقد الأدبي أصبح اليوم في موضع تساؤل ...إن ماهية النقد تكمن في وظائفه الأربع، وهي :" الوصف"، "المعرفة" ،" الحكم" و" الفهم" ، وهذه الوظائف تشكل في مجملها لحظات مهمة في تاريخ النقد الأدبي ، وهي ثوابت ومفاهيم تختلف أهمية كل منها مع اختلاف الزمن ، بينما لا يتعطل دور أي منها في الآلية الضخمة لذهن الإنسان ...