طرائف من عيادتي
التاريخ: الثلاثاء 20 كانون الثاني 2009
الموضوع: القسم الثقافي



  آلان كيكاني

المس الشرجي تعبير طبي يقصد به فحص الإست . حيت يتكور المريض بوضعية السجود في الصلاة ويكشف عن منطقة الدبر ويقوم الطبيب  بلبس قفاز ويدهن سبابته بقليل من الجيل ويدخلها إلى داخل الشرج , وهو إجراء لا بد منه في حالة وجود شكاية في تلك المنطقة. إجراء بسيط وسهل ومفيد لأنه يشخص الكثير من آفات الشرج .
من الناس من يشمئز من هذا الفحص ويقرفه , ومنهم من يعاني سنوات ولا يراجع طبيبا كيلا يعرض عليه عورته. ومنهم من  يعتبر, مبالغة , أن هذا الفحص مس  للشرف وهتك للعرض.
خلال ممارستي الطبية شاهدت الكثير من المواقف الطريفة التي تتعلق بهذا الفحص , سأنقل لكم اثنين منهما.


صلاة على السرير الطبي

دخل عيادتي رجل قروي في الخامسة والستين من العمر , طويل اللحية, يرتدي فستانا, ألقى التحية ثم جلس يسحب حبات سبحته ذات التسع والتسعين خرزة , كان يسبح ويحمد ويكبر ولكن كل هذا لم يخفي علامات الإرباك على وجهه , قال أنه يشكو من ألم في منطقة الدبر ويترافق مع نزيف أحيانا.
بعد استجوابه بعدة أسئلة طلبت منه أن يهيئ نفسه للفحص قائلا :
- من فضلك يا عم اصعد السرير وخذ وضعية السجود في الصلاة . أنت تعرف ماذا أعني أليس كذلك ؟
فقام غاضبا وتوجه نحو السرير وهو يقول :
- أتريد أن تعلمني السجود والصلاة ؟؟ أنا عندما بدأت بالصلاة لم يكن الله قد خلق أباك.
لم أرد عليه تماشيا مع حالته النفسية وكي لا أزيد من توتره .
صعد إلى السرير بعصبية ووقف عليه ورتب الشرشف فوقه وهو يهمهم بالآذان ثم توجه نحو القبلة ورفع يديه إلى محاذاة رأسه لامسا شحمتي أذنيه بإبهاميه قائلا بصوت جهوري :
- اللاااااااااااااااااااه أكبر
وعقد يديه على بطنه.
في البداية خلته يمزح ولكن الرجل قرأ الفاتحة حتى انتهى منها ثم بدأ بقراءة سورة طويلة من القرآن الكريم . قلت له: يا عمي الحاج طلبت منك أن تأخذ وضعية السجود لأفحصك , لا لكي تصلي , هذا السرير ليس مكانا للصلاة .
لم يعرني الحاج أدنى اهتمام بل تابع صلاته, انتابتني نوبة ضحك فتمالكت نفسي , دخلت السكرتيرة وانفجرت بالضحك. لكن الحاج لم يأبه لقهقهتها وإنما تحولت قراءته من همس إلى جهر .
مسكت حاشية ثوبه وسحبته قليلا مكررا طلبي بالكف عن الصلاة دون أي استجابة, أنهى سورة وبدأ بصورة ياسين . عبثا حاولت إيقافه عن إتمام صلاته في مكان لا يمكن أن يتصور المرء أنه صلي مرة فيه, كان شكله لا ينبأ أنه من يحفظ القرآن غيبا .
الوقت عشاء وصلاة العشاء طويلة , فرض وسنة ووتر , لذلك قررت أن أمنعه من إتمامها بعد سلامه في نهاية السنة القبلية.
قرأ الرجل على مسامعي كامل سورة ياسين وبها أنهى ركعاته الأربع , لا شك أنه كان يقصد إظهار بطولاته في فنون العبادة بعد أن فهمني خطأ أنني أشك بمعرفته تأدية الصلاة , وأعتقد أن عقله الباطني هو ما دفعه إلى هذا التصرف ليتهرب بطريقة التوائية من كسف عورته علي لأقوم بفحصها.
بعدما سلم يمينا ويسارا هم للنهوض ليصلي الفرض , مسكته من كلتا كتفيه بشيء من العنف وطلبت منه أن يأخذ الوضعية المناسبة للفحص ثم يتابع صلاته فيما بعد. اقتنع الحاج  بتردد , فحصته على مضض ووصفت له العلاج المناسب فقال ملتقطا الوصفة من يدي :
- والله لو لا أنك أفسدت وضوئي لأتممت صلاتي هنا ولختمت المصحف تجويدا .
ثم سار باتجاه الباب وهو يتمتم : قال تعرف تسجد قال , قال تعرف تسجد قال ......

أبو عنود يذكرني بالملكة اليزابيث

دلف إلى باب العيادة قبل حواشي عباءته التي علق بها بعض نتف القش وأعقاب السكائر بمتر, يتدلى من خاصرته قرب مسدس من عيار تسعة ملم , سلم أبو عنود سلاما حارا وصافحني ثم جلس يشرح لي عن شكايته ب " تلك المنطقة " على حد تعبيره, بداية رفض الرجل تقبل إجراء المس الشرجي له رفضا باتا, ولكن بعد جهد كبير أقنعته بحيلة أنه قد يكون في الأمر ما لا يحمد عقباه فخاف ووافق.
نهض أبو عنود ونظر إلى السرير الطبي الذي أشرت إليه طالبا منه أن يصعده ويأخذ وضعية السجود.
تقدم خطوة وعاد أخرى مترددا , خلع عباءته وعلقها على الحائط , اكفهر وجهه وتقطبت ملامح وجهه واحمرت وجنتاه وهو يتقدم نحو السرير خطوة ثم يتقهقر أخرى.
شجعته بمزاح ومسكته من يده وسحبته باتجاه السرير, ارتقى أبو عنود المسكين المنحوس السرير ولم يكمل سجوده بعد عندما خرج من إسته ريحا ذات نغمة عالية , فانتصب جالسا كالملسوع , وشحب وجه أبو عنود واستقرت عيناه في الفراغ وتخشب جسمه ولم يتحرك ثم تغير لونه إلى الأصفر , لو أن أحدا طعنه في تلك اللحظة لما خرج من جرحه قطرة دم .
بصراحة خفت أن يموت الرجل على السرير فأبتلي به , أو أن يطلق النار على نفسه فأتهم بقتله , ناديته:
- أبو عنود , أبو عنود .
فلم يبدي أي حركة ولم ينبس ببنت شفة , تحول المسكين إلى قطعة من الخشب أو دمية تجلس دون حراك على السرير , ربتت على كتفه فلم يستجيب , سحبته من ثوبه فلم يستجيب , لم يبق أمامي إلا أن أرشه بماء بارد , فتناولت الإبريق وكان فيه ماء مثلج ورششت قليلا على وجهه .
تحرك أبو عنود , نزل من السرير وسار حافيا نحو الباب وخرج منه متجاوزا نداءاتي , خرجت إلى شرفة عيادتي أرقبه وأساعده إذا حصل له أي طارئ من ذبحة في القلب أو محاولة انتحار فالتراث الشرقي لا يخلو من حوادث أقدم فيها أناس على الانتحار بعد ضرطة خرجت منهم دون إرادتهم بحضور أناس آخرين .
خرج أبو عنود من باب البناية حافيا يترنح , سار على الرصيف خمسين مترا ووقف لدقيقة في زاوية شارد الذهن ثم مد يده على خاصرته , خلته سيخرج المسدس من قربه لينتحر ولكن , والحمدلله , أخرج علبة تبغ من جيبه وأشعل سيكارة وزفر سحابة من الدخان  ظننته احترق .
عدت إلى مكتبي أنتظره , راود فكري سؤال لم أجد له جوابا حتى الآن السؤال هو التالي : إن الفم هو بداية أنبوب الهضم والشرج هو نهايته , فلماذا لا يؤخذ على الفم عندما يصرخ ويتكلم ويكذب وينم ويوشي بالناس ويوقع بينهم ...... بينما يؤخذ على الآخر لمجرد همسة !!!!!! مفارقة عجيبة لم أجد لها سببا.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد ذكرتني قصة أبي عنود  بقصة عن الملكة  اليزابيث قرأتها مرة في إحدى المجلات الأجنبية فحواها أن الملكة استقبلت زعيما إفريقيا في قصرها بعد نجاحه في الانقلاب الذي باركته اليزابيث , استعرض الزعيمان الجمهور بعربة يجرها أحصنة , وبينما هما يلوحان أيديهما للجمهور أطلق أحد الخيول ضرطة , فخجلت اليزابيث ونظرت إلى ضيفها وقالت : أأسف على ما حدث .
وبعد برهة من الصمت رد الضيف مبتسما : في الحقيقة اعتقدت أن الحصان عملها وليس أنت .
ضحكت اليزابيث ولم ترد عليه , وكان من حسن حظ الرئيس أن اليزابيث لم تكن بدوية فلو كانت كذلك لاستجمعت رجال القبيلة ولأخبرتهم بتهمة الرئيس لها , ولانهالت الأحذية على رأس الرئيس حتى الموت  !!!!

بعد ثلاث سنوات من الحادثة لا زلت انتظر أبا عنود . عباءته وحذاءه لا يزالان في خزانة في مكتبي






أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2137