ديوان للشَّاعر الكردي خمكين رمّو: خليط من الأحزان واليأس والعشق والعصيان والنقمة
التاريخ: الأحد 21 كانون الأول 2008
الموضوع: القسم الثقافي



  هوشنك أوسي

عن مؤسسة «سما كرد» للثقافة والفنّ، صدر للشَّاعر الكردي السُّوري خمكين رمّو، مجموعته الشعريَّة الجديدة «آيات الجبال في كهوفٍ منسيَّة» في 60 صفحة من القطع المتوسّط. طوى رمّو مجموعته على 19 قصيدة، مكتوبة في الفترة الواقعة بين 28/1/1998 ولغاية 15/11/1999. وقد قام الشَّاعر بتأريخ نصوصه، وذكر أماكن كتابتها للتوثيق وأغلبها (18 قصيدة) الدرباسيّة، المدينة التي أقام فيها الشَّاعر طويلاً، بعد مجيئه من قريته التابعة لها، بقصد العمل، وقصيدة وحيدة مكتوبة في بلدة «تل تمر»، وهي بلدة آشوريَّة، تضمّ مزيجاً من الآشوريين والأكراد والعرب.


يُعتبر خمكين رمّو واحداً، ممن اتجهوا نحو قصيدة النثر الكرديَّة في منتصف التسعينات، وقد أصدر مجموعة شعريَّة بعنوان «الاخضرار المحترق» سنة 1996. وآثر الكتابة بلغته الأمّ، منذ مطالع تجربته وبدء علاقته مع الكلمة في منتصف الثمانينات. في حين، كان غالبية أقرانه من الشُّعراء الأكراد السُّوريين، يكتبون بالعربيَّة، بداعي؛ «إنَّ اللغة الأمّ، تضيق بجموح مخيالهم الخصيب»!. وأولى بواكير تجربة خمكين رمّو كانت مجموعة من القصائد الغنائيَّة الموزونة بالكرديَّة للأطفال، أصدرها بالاشتراك مع الكاتب محمد حمو. ثم أصدر مجموعته الشعريَّة الأولى، مطلع التسعينات، وطواها على قصائده الموزونة، العموديَّة، المقفَّاة. وعليه، بعد أن زاول رمّو كتابة القصيدة الكلاسيكيَّة الكرديَّة، اتّجه نحو الحداثة. وبذا، غدت محاولاته في القصيدة الكرديَّة الحرّة، او قصيدة النثر الكرديَّة، ترتكز على أرضيَّة ودراية ومراس لا بأس به في حقل النص الشِّعري الكلاسيكي الكردي. إلى أن استطاع رمّو أن يثبت لنفسه حضوراً وإسماً معروفاً، بين حشد الشُّعراء الكرد السُّوريين الذين يكتبون قصيدة النثر. يضاف إلى ذلك نتاجه القصصي الذي صدر في مجموعتين.
يفتتح خمكين رمّو مجموعته الشعريَّة الجديدة، بنفس النصّ الذي انتقى عنوانه ليكون عنواناً للمجموعة. وهذه القصيدة، هي وحدها التي كانت طويلة نسبيّاً، حملت بعض مقاطعها عناوين فرعيَّة كـ»رسالة إلى الله» و»بعض العتب على الطبيعة» و»نداء للعالم» و»نشيد عشقٍ للجبال». ولكنها لم تكن تلك القصيدة الملحميَّة كما يوحي عنوانها. وهذه القصيدة، يحاول فيها الشَّاعر استحضار التراكم التاريخي للمأساة الكرديّة، ويناجي الآلهة والحياة وضمير العالم والطبيعة، مستفسراً عن أسباب هذه المأساة، إذ يقول في هذه القصيدة: «آهٍ يا أمَّاه.../ كم مضى علينا ونحن نرتشف عشق الجبال؟/ دوماً نرتشف هذا الحُلم الطاهر./ هل ثمَّة عشٌّ يؤوينا على هذه الأرض؟./ لماذا خلقنا الله؟./ ولماذا مهدورٌ دمنا؟». وفي مكان آخر يقول: «يا إلهي../ قبل الجميع آمنَّا بوحدانيتك./ وأنَّك إله الجنَّة والجحيم./ وجعلناك آهورا مزدا./ وبنيران المعرفة ألقينا بالشَّياطين من على الأرض إلى الظلمات./ لكن، يبدو أن الشَّياطين التهمتك. ويبدو أنَّك، أصمّ وأبكم وأعمى./ آن لك أن تنام./ فسأناجي أختنا الطبيعة». ويصل حنق وغضب الشَّاعر على الطبيعة لدرجة يتهمها بالعُهر، إذ يقول في نقس القصيدة: «أيَّتها الطبيعة، أنت عاهرة، وأمُّ اللقطاء وأولاد الزنا».
لغة خمكين رمّو، تفيض بالغضب والقلق والعتب والمناجاة والسُّخط والرَّفض، حين يعالج مواضيع سياسيَّة، مستوحاة من معاناة شعبه. وتركن للهدوء والهمس والرومانس، حين يكون فحوى النص، هو بوح العاشق وتوقه لملاقاة الحبيب، أو آناء استحضار الذكريات. وشأن خمكين رمّو، شأن الكثير من أقرانه من الشَّعراء الكرد، يتغنَّى بالماضي والمآثر الكرديَّة، ويوظِّف المثيولوجيا الكرديَّة والموروث الشعبي الكردي في قصائده، ويتغزَّل بالوطن، عبر تصويره على أنه الحبيبة الفاتنة، وفاطرةُ القلوب على الهوى والهيام الدافق. ورغم أن قصيدة النثر، تتسمّ بتلك الحمولة من التورية والإلغاز والمجاز، إلاّ أن نصوص خمكين رمّو، وتورياتها، ليست بذلك القدر من الإيحاءات المبهمة التي تستنهض طاقات التأويل وقراءاته. ورغم أن رمّو، عاش وترعرع في بيئة كرديّة سوريّة، سهليَّة، وقضّى جلَّ شبابه في مدينة الدرباسيّة التي شطرتها الحدود التركيَّة السوريَّة إلى نصفين، كباقي المدن على امتداد هذه الحدود، إلاّ أن قاموس رمّو من المفردات، زاخر بتضاريس كردستان من أنهار وجبال ووديان. فضلاً عن الطيور والنباتات والأزهار. وعليه، فخيال الشَّاعر كان دائم السَّوحان خارج المكان، ضمن الذاكرة الفرديَّة والجمعيَّة للمكان الكردي الأوسع. لكن الشَّاعر في نهاية قصيدته «آيات الجبال...»، وكي يبعث في النفوس الأمل، ينزلق للوعظ التقليدي، إذ يقول: «مهما طال الليل، فالشَّفق سيبدده./ وغداة الشِّتاء، ربيعٌ يانعٌ زاهٍ...»
تبدو ملامح الكآبة والضَّجر والوحشة والهمّ والحزن طاغيّة في بعض نصوص الشَّاعر، ما أسقطه في بعض التكرار، ليس على صعيد توظيف المفردة وحسب، وبل على صعيد التراكيب. حيث كرَّر عبارة «ليس ليّ خلٌّ وفيّ، ولا حبيب»، حرفيَّاً، ثلاث مرَّات، في قصيدتين، دون أن يخدم التكرار فنيَّة النصَّ، هي: «سِهام الزَّمن» و»الهزيمة وحكَّة النهود». كما أنَّ صوره الشِّعريَّة، سقطت أحياناً في النمطيَّة، وبدت غير باعثة على الدهشة، كقوله: «نهاية المساء بداية الليل»، وهو يفتتح قصيدة «من ظلال الكأس». وبدت نبرة سخطه وغضبه على القيادات السِّياسيَّة الكرديَّة جد عاليَّة ومتوتِّرة، بخاصَّة، في نقده للاقتتال الكردي _ الكردي، الذي دار رحاه في كردستان العراق، إذ يقول: «قادة القوافل، لا يستفيقون./ هؤلاء الديكة العمياء./ كل ديكٍ في قِنِّه، وبين دجاجاته ديك./ وآناء الفجر، يتبادلون الصِّياح./ وإذا ما تلاقوا، تحلُّ الكارثة، وتسفك الدماء». وينهي خمكين رمّو قصيدته الأخيرة في هذه المجموعة «من بين الضَّباب»، بهمس خفيض، بعد عباراتٍ مجلجلة، مادحاً ذاته، إذ يقول: «يا فتاتي.../ الآن، إنِّي راغبٌ في أغنية عشق./ لابتسامتك النَّرجسيَّة.. ابتسامتك الدَّافئة.. كابتسامة قلبٍ منبعث».
لقد كانت أجواء «آيات الجبال في كهوفٍ منسيَّة» كرديَّة صرفة. إذ لم نلمح فيها أيّة إشارة إلى تواصل الشَّاعر وعلاقاته الإنسانيَّة مع العرب أو الأرمن أو السِّريان أو الآشوريين في الدرباسيَّة!؟. وكأنَّ موروث هذه المكوِّنات الإثنيَّة، مشطوب من ذاكرة المكان لدى الشَّاعر؟!. وهنا، نحن أمام إشكاليّة انحياز الشَّاعر المفرط لذاته، ما يكون على حساب الدَّفق الإنساني في الشِّعر، خارج الدَّوائر القوميَّة والدينيَّة الممسكة بخناق مخيال الشَّاعر. وهي مثلب، لا يعاني منه بعض الشُّعراء الكرد وحسب، بل يشاطرهم في ذلك العرب والسِّريان والأرمن وباقي المكوّنات الاجتماعيَّة السُّوريَّة. وثمّة ملحوظة يمكن تسجيلها لقصائد خمكين رمّو، اثناء تناوله لمعاناة الكرد السُّوريين في المناطق الشَّماليَّة لسورية، من إهمال وإقصاء وتعريب وتجريد من الجنسيَّة، ونقده لهذه الحال المزريَّة، بشكلٍ واضح. لكن النقطة التي تسجَّل عليه، هي نقده للاقتتال الكردي في قصيدته المذكورة أعلاه، في زمن، كانت فيه صفحة الاقتتال المقيت ذاك، قد طويت. وأقصد سنة 1998، كما أرَّخ هو قصيدته. كما كان تفاعل رمّو مع قضايا وهموم شعبه الكردي عموماً واضحة لا لبس فيها. في حين هذا التفاعل، خضع لاعتبارات ومواقف مسبقة حيال أحد الزَّعامات الكرديّة البارزة. حيث لم نجد رمّو يشير ولو بكلمة للنكبة التي طالت الكرد، وحجم الهيجان الذي عمَّ العالم الكردي، حين تمّ اختطاف واعتقال أحد الزعامات الكرديَّة. إذ اكتفى رمّو بنقد ذلك الزَّعيم، في عداد من انتقدهم، وهذا حقُّه، لكنَّه، أيّ رمّو، لم يتعاط مع محنة ذلك الزَّعيم في أيٍّ من قصيده، ولو حتّى على مستوى التفاعل مع قضيَّة إنسان، أسير لدى طغمة فاشيَّة!. وعليه، فحساسيَّة الشَّاعر، ينبغي أن تنأى بنفسها عن مِغزل أو نول الخصام أو الوئام السِّياسي والأيديولوجي، إذا اتفقنا مع خمكين رمّو، أن تفاعل الشَّاعر مع معاناة الآخر، كائناً من كان، هي كلٌّ لا يتجرَّأ، سواء أكان الآخر كرديَّاً أو من أيَّة ملَّة أخرى

المستقبل - الاحد 21 كانون الأول 2008 - العدد 3170 - نوافذ - صفحة 14







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=2071