لقمان ديركي في ( لا غبار عليك ):سرد الأحاسيس الشخصية
التاريخ: السبت 20 ايلول 2008
الموضوع: القسم الثقافي



  إبراهيم حسو

يواصل لقمان ديركي سيرته الشعرية مع الأنثى في كتابه الجديد (لا غبار عليك)عن« دار ممدوح عدوان» في رحلة هي أشبه بمغامرات شاعر عاشق أدمن قصص الحب و الفراق و الكره و ما شابه.
سيرة شعرية ذات خصوصية شديدة، تبدأ بالتوصيفات الجسمية للأنثى و تنتهي بمناجاة و مناداة العالم ليكون شاهدا على الحب و مشاركا في تنقيح مساره و قد تتخلله نرجسية الشاعر العارمة، أنثى الشاعر هي تلك التي تشاطره نجاحه و فشله، نزقه و عنفوانه، بساطته و نرجسيته، شاعريته و حنقه، خلاصة حياة مقسمة بين مناداة الأنثى و التقرب منها و بين رفضه لها و الابتعاد عنها، يحبها و يكرهها بنفس ذلك القلب الذي لا يأنس أبدا من الإلحاح و الاستفهام إذا برحت أو حضرت، إذا انتظرته على الباب أو انتظرها على النافذة كي تمر و تلقي بظلالها على زهرية موضوعة على الشرفة:


كل يوم
 

و أنا اصعد الدرج ‏
أجدك لاهثة تنتظرينني أمام الباب ‏
بعينيك السوداوين حينا و الزرقاوين حينا آخر ‏
نحضر الطعام معا ‏
و تنهرينني كي آكل أكثر ‏
و في المساء أجدك بجانبي على السرير ‏
ألاعب شعرك الأسود حينا و الأشقر بعد حين ‏
و أنام مطمئنا على صدرك صباحا ‏
أجدك ما زلت بجانبي بيضاء حينا و سمراء حينا آخر ‏

(لا غبار عليك ) للقمان ديركي تجاوز النص الشرعي لقصيدة النثر ، وذلك للسردية الفاضحة التي سيّرت النص من أول مقطع في الكتاب إلى آخر الصفحات« 145 صفحة»، تجاوز يتخلله برنامج منظم و مرسوم له ان يكون لقصيدة النثر التي يكتبها لقمان أكثر من منحى و مسار و تكون لها القدرة في قيادة نص يتحكم فيه الانسلال( الصوري ) الذي في الأخير يجرف كل التعاريف و التصانيف لهذه القصيدة : ‏

«هو يشتاق إليك ‏
يترك الدنيا من اجل أن يراك ‏
يقطع إجازاته ‏
أما أنا... ‏
فلا أشتاق إليك ‏
لأنك في كل اللحظات ‏
حتى لو كنت معه.. معي ». ‏
يأتي اغلب نصوص لقمان الصغيرة جدا ( جملة أو أقل من جملة) على شكل مواضيع شخصية مؤرشفة على شكل مذكرات أو تدوين تجربة ذات حساسية مركبة تبدأ بالحب و الكره و الحضور و الغياب، الألم و السعادة، البعد و اللقاء، الدوام و التهلكة .. وهي مواضيع تتكاتف على شكل رسائل قصيرة جدا تتوجه إلى الأنثى تعاتبها حينا و تقاضيها حينا آخر: ‏
(لم اقصد النظر إليك ‏
كنت ارفع رأسي فقط. ) ‏
( تمرين أمامنا فنبتسم) ‏
( دونك لا استطيع أن أبقى) ‏
( أنت تنسين دائما، لذلك ارتكب بحقك كل الأخطاء) ‏
( لاغبار عليك) ‏

لغة لقمان في ( لا غبار عليك) بسيطة جدا هادئة و مسترخية تصل إلى حد الكسل و التململ، و أحيانا تصل اللغة بمفرداتها إلى العادي جدا و المرتجل الذي لا تجد فيه حتى ( جملة مفيدة ) و أحيانا ترتفع اللغة في مكان ما إلى العمق عبر توغلاته بسرد الأحاسيس الشخصية و بكائيات قد تصل إلى حد الانتحار والزوال: ‏
«قبل أن امضي واتتني فكرة ‏
خفت أن أنساها ‏
و كنت بلا أوراق ‏
فكتبتها ‏
على كفي اليسرى ‏
احبك». ‏
و المعروف عن لقمان انه يسّمي الأشياء بأسمائها مستفيدا من ملفات تعبيرية حسية أخرى كالسينما في تتالي صورها و المسرح في تعاقب شخصياته و التشكيل في تضارب ألوانه ، مستفيدا من سيرته الذاتية و اختزال هذه التجربة باليوميات و التفاصيل المهملة لحياته المكركبة . ‏
فهو لا يأبه بالترف البلاغي و الرؤيوية الحالمة ، يحتج على الإيماءات المغموزة التي تثقل المغزى و تسطحه أو توهمه في ظاهره و ماورائيته، كتابة لقمان مفتوحة على كل المعاني، حتى تلك التي يقصدها أو يتقصدها، المعمولة من هذر الكلام و شوائبه ، كتابة لقمان تكشف المعنى لحظة قراءته و تعريه من هيبته و هيلمانه ، لتصير شعرية الكلام هي التي تعطي المعنى فضاءه و خيلاءه أرحب، صوته و صورته و تصير اللغة هي التي تعدد المعاني، ترفعها و تخفضها ، تولدها و تنسل منها الكلام الشعري ، بنفس ذلك العمق و ذلك الخفاء ، كتابة لا تبتكر إلا ما هو منبلج على سطحها ، على هامشها (الغامض)، مفتوحة على آخرها كوجه البحر ، تنتظر الضوء من كل ما تراها تحت الشمس ، تسرد لحظيتها و آنيتها دون ان تمرّغ لغتها بأسئلة أو محاكمة أو عقل يسأل و لا يكف عن السؤال ، فهي بقدر ما هي بسيطة و متوترة ، فهي متحركة في كل الاتجاهات بسهولة( الواقعي المحكي) المحيط بها ، بيقظة العناصر و الأشياء و الأشخاص التي تكون كيانها و أسئلتها الأبدية.
-------
صحيفة تشرين-    ملف الاسبوع الثقافي   -السبت 20 ايلول 2008








أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=1903