من نوادر المرحوم (حسن مصروع)
التاريخ: الجمعة 15 شباط 2008
الموضوع: القسم الثقافي



     بقلم: علي الجزيري 

   من منا لم يسمع بـ (حسن مصروع) ، الذي ما زال يتردد صدى نوادره وطُرفه (أو مُلحه) في العديد من مجالس الأنس في القامشلي ، ليس من باب التفكه فحسب ، بل للإعتكاز عليها والتعبير عن مكنونات النفس أوتوظيفها في أغراض شتى ، بغية نقض منظومة القيم الايديولوجية المروجة للفساد أو تلك التي تدعو الى رفض الآخر ـ المختلف (أي الكردي) وتهميشه ، والتي  يُراد ترسيخها بأي ثمن.
   ولا بأس من العودة الى إرث المذكور ، وإقتطاف واحدة من طرفه التي ما زال الرواة يتناقلونها بشغف منقطع النظير ، لأنها لا تخلو من سرعة البداهة والذهن المتوقد والدلالات الموحية .


   يُحكى أن أحد الطلبة كاد أن يفصل من المدرسة لغيابه المتكرر عنها ، فأبلغه المدير بضرورة إحضار ولي الأمر في أسرع وقت للتباحث في أمره ، وحين تعذر على المسكين إبلاغ والده ، حيث كان يسكن في قرية نائية ، فاتح أحد زملائه بورطته تلك ، والتي لا تُحمد عقباها ، خصوصاً إذا ما تناهى الى مسامع الأب تلك الحكاية ، فأشار اليه زميله بضرورة الاستنجاد بحسن مصروع ، فهو بمثابة الدواء لكل داء  . عزم الصديقان على مفاتحته ومصاحبته الى إدارة المدرسة وتقديمه كولي للأمر ، وفوجئا بموافقته وطيبة قلبه ، ولما قابل حسن مصروع مدير المدرسة وسمع منه ما سمع ، وأبدى له المدير عن الغيظ الذي يكابده نتيجة تسلل الطالب خلسة من فوق سور المدرسة ، ردَ حسن مصروع بلهجة الواثق : الحق عليكم يا أستاذ .... فصعق المدير لإجابته ، وتساءل : وكيف يا عمي ؟.

   حينئذ أجابه حسن مصروع بكل هدوء : لأنكم تغلقون الأبواب ، فلا تستغربوا أن يتسلق الطلاب الأسوار ! ..
   ما من شك أن دلالة المروية السالفة الذكر ، توحي لكل ذي بصيرة ـ في ظل الوضع السائد ـ بوجود أزمة خانقة على أكثر من صعيد في واقعنا ، بحيث لا ينفع في ظلها لا الترقيع ولا الحلول الجزئية ، وبات الأمر يستدعي التخلي عن سياسة الاملاءات والتهميش ، التي تمارسها أجهزة الدولة الأمنية بحق المواطن ، وفي مقدمتهم أبناء شعبنا الكردي ، على الطالع والنازل .
   من هنا يمكن أن نفهم لماذا كانت النوادر أكثر حضوراً في الوعي الجمالي لعامة الناس وأكثر قدرة كجنس أدبي شفاهي في تصوير الواقع المزري ، فهي الوسيلة المثلى للتنفيس عن هموم الناس المقموعين وأوجاعهم ، في ظل الأنظمة الشمولية .
   أجل ، فإن ما لايمكن قوله علانية : [هو ما تتولى الحكاية التعامل معه ، ومن ثم فإن الحكايات مخزن نسقي مهم ، نجد فيها المضمر والمجاز الكلي ، لا الفردي ، ونجد فيها الخلاصة الثقافية بما في الثقافة من هواجس وما فيها من رغبات مقموعة] ( النقد الثقافي / قراءة في الأنساق الثقافية العربية ـ عبدالله الغذًامي ـ المركز الثقافي العربي ـ ط (1) عام 2000 م ـ المملكة المغربية / الدار البيضاء  و لبنان / بيروت ـ الصفحة 207) .
   قد يخطر ببال أحدهم تلك المقولة التي يرددها كالببغاء أصحاب الإمتيازات اليوم ، أعني :( ضرورة إحترام القانون ) ، لكن ليس من شيم الرجال الخضوع للقوانين الجائرة كما يقول البارزاني الخالد . فأي قانون ذاك الذي يمنع أبناء شعبنا الكردي مثلاً أن يقرأوا أو يكتبوا بلغتهم الأم ، ثم يراد منهم أن يحتكموا بموجبه ، في حين ترى أقليات (كالسريان والأرمن) يُسمح لها بفتح مدارس بلغاتها القومية وإقامة مهرجانات أغانيها وأسابيعها الثقافية في المراكزالرسمية ، ناهيك عن فرقها ونواديها ومنتدياتها وصالاتها الرياضية ؟ .
   وأي منطق يقبل بأن يقوم (د . صلاح كناج) محافظ ريف دمشق بإفتتاح مركز تعليم اللغة الآرامية في معلولا  عام 2004 م ، ويمنع الكرد من مركز مماثل ؟ (جدير ذكره أن الآرامية لغة محكية في ثلاث قرى في ريف دمشق هي : معلولا وجبعدين والصرخة ، يقطنها ما يزيد عن 16 ألف نسمة) .
   أرجو ألا يفهم من كلامي بأنني ضد حقوق أخوتنا السريان والأرمن أو ضاق بي الصدر لإفتتاح المركز المذكور ، فقد عانى أولئك المسيحيون من محيطهم ما عانوه ، إنما المقصود مما ورد آنفاً أن ينال الكرد في سوريا حقوقهم القومية ، بما في ذلك الثقافية ، أسوة بالآخرين ، سيما وأن الكرد يشكلون القومية الثانية في البلاد ، وعددهم لا يقل عن ثلاثة ملايين على أقل تقدير .
   وأيَُ هراء هذا الذي يسمح بتدريس ( العبرية والتركية والفارسية والانكليزية والفرنسية والروسية والألمانية ... الخ ) في الجامعات والمعاهد والمدارس ، ويمنع تدريس الكردية فيها ؟ .
   فالمقهورون الكرد ، من الصعوبة بمكان أن يستمروا في العيش على هذا النحو ، من هنا تراهم يخرقون تلك القوانين (أو القيود) البالية التي أكل عليها الدهر وشرب ، فيعقدون ندواتهم في الأقبية ، متحدين في ذلك حرمة القوانين الجائرة التي تحد من حريتهم ، وينكبون على دراسة تاريخهم ، ويتابعون القنوات الفضائية التي تتلمس معاناتهم بكل حرص ، ويكتبون في مواقع الإنترنيت حيث يتسنى لهم الوقت ، ويصدرون دورياتهم من جرائد ومجلات ، في ظل الحصار الذي تفرضه السلطة وفي ظل الصمت المزري للرأي العام العربي ، ولسان حالهم يقول : لا ، لن نقبر ولن نستكين لسياسة الأمر الواقع ، التي لا تنصاع لحقائق التاريخ ولا تتخذ منها العبر .
   أقول لكل من آثر الصمت أو إنساق وراء ايديولوجيا الوهم التي أسست لسلوك غير إنساني أو ديمقراطي  تجاه الكرد في سوريا ، إن حناجركم التي تهدر في الدفاع عن قضايا شعوب في مجاهل إفريقيا وآسيا وأمريكا اللآتينية ومآقيكم التي تذرف الدموع على إمرىء قضى نحبه في غابات الأمازون ، لن تشفع لكم حرصكم على إبداء هذا الصمت إزاء مأساة شعب عانى شظف العيش معكم على مدى قرون ! ...      
15-2-2008
ciziri@gmail.com







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=1366