إعدامات رمزية في وداع سنة ثقيلة, محاولة فاشلة في إعداد وإخراج مسرحية ساخرة
التاريخ: الجمعة 04 كانون الثاني 2008
الموضوع: القسم الثقافي



إبراهيم اليوسف

ثمّة خبر طريف ، تناقلته وكالات الأنباء العالمية عشية رأس السنة الجديدة ، وهو إن سكان نيويورك راحوا " يفرمون ذكرياتهم السيئة"، ومنهم من راح يفرم "هاتفه النقال"، ومنهم من راح يتخلّص من "وثائق وملفات مصرفية"، ومنهم من راح يتخلّص رمزياً إمّا من خطيبته (وهو ابن الأربعة والسبعين عاماً –فقط- بعد خمس سنوات من الحبّ لأنه رآها في يوم عطلته برفقة آخر) بل إن امرأة تخلصت – رمزياً- من ربّ عملها، كي تنال الجائزة الأولى بين عشرات المواطنين الذين توجهوا إلى "نصب جهاز الفرم" في تايم سكوير في قلب ما نهاتن


في ذلك اليوم من الأسبوع الأخير، من نهاية العام2007، الذي ولى بلا رجعة، بعد أن كاد يسدل أجنحته تدريجياً على مأساة الكردي في كردستان تحت قصف الطائرات التركية ، ناهيك عن استفحال الإرهاب وقوى الشر والاستبداد في كل مكان، وكان آخر ما بكينا فيه (بعد البكاء المرير من قبل على د عصام الزعيم ، أحد أشرف، وأنزه، وأطهر مثقفي سوريا) هو تلك المرأة العملاقة – بونظير بوتو- التي كان اسم أبيها- كما أتذكر وكما سأتذكرها دوماً - من الأسماء التي استظهرناها في طفولتنا، ببّبغاوية ، لتكراره- حينئذ- مع أسماء قليلة من شخصيات تلك المرحلة ، في نشرات الأخبار التي كان يسمعها الكبار، وكانت تتصادى في نفوسنا، وآذاننا، دون أن نعرفها، و لقد قدمت - عصرونية انصعاقي بالخبرمن أحد القنوات التلفزيونية - دون جدوى، "نذراً" إلى الله، لو أن هذه السيدة تنجو من المصيدة التي نصبها لها الإرهابيون، لكن كلّ ذلك  لم يكتب لي، كي  يموت برحيلها شيء ثمين آخر في أعماقي، وأن ألقى تهافت تلفزيونات العالم على نقل الخبر، لنيل قصب السبق في نقل تفاصيل الخبر الأليم،كآخر إنجازاتها الإعلامية لسنة فائتة ، وليبقى اسمها ورسمها في بؤبؤ العين، يتصاديان في الرّوح مع الأسماء العذبة التي تركت بصماتها الجميلة، هناك ، عميقاً........ عميقاً ، وأنّى للأشياء العذبة أن تبقى، ولا تعذّب..........!
 
      وما إن فرغت من قراءة هذا الخبر، الذي أطلعني عليه أحد أبنائي (والذي نشر في إحدى صفحات جريدة محلية بتّ أنساها ومثيلاتها منذ استسلامي الذّريع أمام جبروت وقداسة الألكترون) حتى تذكّرت – فوراً- الفنان الكردي الرّاحل محمد شيخو حين افتتح محلاً  في غاية التواضع، لبيع أشرطة الكاسيت، في مدينته "قامشلي" وكان في هذا المحل-آنذاك - و كغيره من المحال المماثلة حرفياً – آلة صغيرة لمسح محتويات الأشرطة – حيث كان الشريط يدخل في فتحة مخصصة من أحد أطراف هذه الآلة، كي يخرج بعد ثوان من الطرف الآخر، فارغاً، نظيفاً ، من كلّ ما سجّل عليه ، وعلّق به ، من صوت لم يعد مرغوباً، لدى صاحبه، كي يسجل عليه ما يشاء ، في ما بعد.....!
     أجل، هنا تذكرت المرحوم محمد شيخو، حين علّق - ذات مرّة - وبسخريته اللاذعة التي كان يستخدمها حين يريد ،على هذه الآلة السحرية الغريبة، وهو يتخلّص من محتويات أحد الأشرطة التي كانت بين يديه التي خلقتا لاحتضان آلته الموسيقية والعزف عليها، لا العمل كبائع أشرطة كاسيت، تلك المهنة التي راحت تستنفد وقت فناننا- ولو إلى حين - وهو يهرول من أجل أطفال" زغب الحواصل لا ماء ولاشجر"، وكنّا في لحظات ظمئنا المديدة ، أحوج إلى الرّذاذ الذي  توزعه أصابع هاتيك اليدين الملكيتين المباركتين والبارعتين:
     ليت هناك آلة مماثلة ، تدخل فيها الرؤوس، لتتطهّر ممّا يعلق بها، و لا يريده أصحابها، طبعاً ، في هذه الفترة ، لم تكن أجهزة الكمبيوتر منتشرة ،كما هو الآن ، ولم نكن نعرف - الفرمتة – التي قد نلجأ إليها ، أنّى تفيرست حواسيبنا، وقد تقضي – لاكما نشتهي -على أجزاء غالية من أراشيفنا، و رغماً عن أنوفنا، وإن كان واحد مثلي قد – يخرب أكثر من جهاز حاسوب عنده ، خلال أسابيع فحسب، نتيجة الهجمات الفيروسية المقيتة التي يتعرض لها بريده.........!
    والرّاحل الكبير أبو فلك، وبعيداً عن التقويل عليه ، كان يتحدّث على نحو تهكمي مرير- كما كان يعرفه كل من حوله- عن سوء علاقة الآخرين بالفنان- أقول هذا كخط عريض- ولن أتحدّث عن تفاصيل ذلك ، هنا، وإن كان كلّ من بكاه – بعد غيابه- لو اهتمّ به، بصدق، ربّما إنه لم  يكن ليلاقي تلك النهاية الأليمة ، ويقضي في المشفى الوطني بمدينته، في ليلة آذارية سوداء من سنة 1989 ، كنت خلالها أخدم العسكرية، وكان محلّه ذاك ، قد أغلق (بالشمع الأحمر) وتم ّاعتقال شقيقه الفنان بهاء، وتعرّض هو للتوقيف والضغوط  ، ضمن حملة محاربته في لقمته، وهو ما قد يتكرّ ر مع كل فنان ومثقف شريف .........!.
    عموماً، كلّ هذا تذكرته، وأنا أودّع الساعات الأخيرة من سنة 2007، الرّتيبة بآلامها، وأوجاعها، وانكسارات الأحلام فيها، وحاولت أن أستفيد من الخبر الذي قرأته- رغم كرهي ما استطعت لكلّ  شيء تقليدي - في الإعداد لمسرحية ارتجالية، حاولت أن أخرجها في تلك الليلة ،مسترجعاً بعض روح الشباب، وطموحه الهائل، لأسلي بها عن أفراد الأسرة، عبر ليلة استثنائية،خارج قبضة القهر، و بعد أكثر من ستة وعشرين سنة على تركي خشبة المسرح، فعليّاً ، وتحديداً منذ تلك الليلة المؤلمة التي تمّ فيها توقيف كامل أعضاء فرقتي المسرحية في مخفر الحي الغربي بقامشلي، وكان من أعضائها كثيرون - من بينهم الفنان المعروف كانيوار (والذي غنّى  قصيدة كتبتها له قبل حوالي ثلاثة عقود) بعد أن تم ضربه بعنف وأدخل المشفى ، و منهم من غدا معروفاً في عالم الفنّ والأدب، وشرحت لهم الفكرة، ليتمّ تقبّلها من قبلهم جميعاً،  والموافقة عليها بالإجماع، دون ممارسة استبدادي، وتتلخّص في أن –يفرم- كل منهم ما يريد التخلص منه.........؟
وبصراحة، أعرف أن دكتاتوريتي العارمة التي ألجأ إليها عادةً ، وليس في حالات الطوارىء ، فحسب ، منذ أن صرت ربّ أسرة، أنقذتني تماماً من أن يجاهر أحد أبناء رعيتي بالفكرة التي كنت أقرؤها في عيونهم ، ومخيلاتهم ، وتدور في نفوسهم الأمّارة بالتآمر علي، وهي التخلص مني، كطاغية حقيقيّ ، سببت في جرّ الويلات والنكبات إليهم، ناهيك عن الكوارث الاقتصادية، والعيش تحت  وحل خط الفقر، والتصرّف بكل ميراث العائلة، و واردات الأسرة، وخيراتها، كما يحلو لمزاجي الحاد، مطلقاً أحكامي الرّعناء بحقهم  دون وجه حق – وهو ما أقوله الآن في لحظة فرم الخطايا أو الفرمتة - لدرجة إنّني لجأت - ذات مرة- إلى إدارة السجل المدني في المدينة، لأشطب على اسم كل يحتجّ منهم على سلوكي ، وفردانيتي، و لايرعوي تحت سلطاني، ويخفض لي جناح الذل، كي أتبرّأ منهم ما شئت، بل وصلت الأمور بي أن أحدد في كل يوم ولي عهد ينوب عني، من بعدي ، بحسب حالة مزاجي الشخصي......!
 حقيقة ، أشياء كثيرة، أخرى ألقى بها كل فرد من أسرتي في – المفرمة التي أعددناها على عجل - ومنها:
-  الديون الهائلة- العوز -  الحاجة- الاضطهاد-  الظلم- بعض قطع الأثاث- الغلاء المعيشي-  الفشل- الخسارات- بعض مسوداتي و أرشيفي الذي لا يلزم، كي تترك خشبة المسرح الوهمية لي، وأبدأ بفرم صور من آذوني، واحداً واحداً، وأنا أستعرض أسماءهم، بل وصور بعضهم، و أتحدّث عن مسوغاتي في كلّ مرة، كي  تطفأ الكهرباء، في النقطة الفارقة بين عامين جديدين، كما هي العادة، وتشعل من جديد – على أصوات المفرقعات والطلقات النارية التي باتت تزين سماء المدينة وتكاد تحولها إلى نهار- طالباً من جميعهم عدم إعطاء أي تصريح صحفي - تحت طائلة المسؤولية الشديدة جداً...جداً...... جداً- لأي صحفي فضولي، متطفل،ابن حرام، بل ولأي وكالة أنباء، محلية أو إقليمية أو عالمية ، بخصوص تفاصيل السهرة الأخيرة من ذيل العام الماضي، ما خلا ما تمّ نشره على لسان "الناطق الرسميّ" للعائلة الكريمة، أي "أنا " شخصياً، مؤكّداً لهم – مرّةً أخرى- أن الفرم الذي قمت به هو رمزي –والمصطلح هنا : أقلّ من معنوي، لأنّني غير قادر في الحقيقة على إيذاء حتّى نملة، بل وعقرب ، أو أفعى ، أو حتّى كاتب تقارير كاذبة.........!  
 
1-1-2008
 
سوريا- قامشلي
 
هوامش لن تفيد أي شخص لا أنصحه بالتورّط في إخراج النص:
المكان : منزل الكاتب
الزّمان: الآن..... وبعد قليل أيضاً........
شخصيات المسرحية: أفراد الأسرة –فقط- بملابسهم كما يريدون
البطولة : توزّع بين كلّ الشخوص بالقسطاس
الجمهور : ممنوع الدخول
  الموسيقى التصويرية: بعض ألحان الفنان محمد شيخو، ومن ثم ّ يطلق العنان للجميع للاتّفاق معاً و- بكل شفافية – وديمقراطية- على تخيّر ما يناسب أذواقهم، من أغان، وموسيقا، أو أفلام، ومسرحيات ، ومسلسلات-  أو" تنكيت" مع التشديد على منع  متابعة نشرات الأخبار، في اللحظات التي تتبع ساعة الصفر، إلى إشعار آخر  ...............!







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=1261