كيفَ نفهمُ الحرّية مع نظرةِ الكاتب والمثقفِ الكردي إلى المرأة الكردية الكاتبة والمثقفة؟؟!! الحلقة (22)
التاريخ: الأحد 09 كانون الأول 2007
الموضوع: القسم الثقافي



نارين عمر

لماذا هذا الهجومُ العنيفُ على المرأةِ الكرديةِ التي تلجُ عالم الكتابةِ والأدبِ والثقافةِ, وفي هذه المرحلةِ الزّمنيةِ بالذات من قِبَلِ الكاتبِ والمثقفِ الكردي؟!
لِماذا تُحاكُ حولها ومن حولها وحولَ كتابتها, ومن ثمّ حولَ أخلاقها وشخصها عشراتُ الإشاعاتِ والشّائعاتِ والأكاذيبِ الملفقة والمختلقة؟!
لماذا يُنفَجَرُ هذا الغضبُ المتشابكِ, الشّائكِ, المندفعِ, الصّلْبِ, الهادرِ, الثائر على المرأةِ الكرديةِ عموماً, والكاتبةِ والمثقفةِ بشكلٍ خاصّ محاولة سحقها بين شظاياه وحممه البركانية؟؟!!
أسئلةٌ, استفساراتٌ, آراءٌ وتكهّناتٌ, تلقيتها من الأخوةِ والأخواتِ القرّاء, يلحونَ عليّ ومنذ فترةٍ أن أخصّصَ لها هذه الحلقة, سواء باتصالٍ تلفوني أو برسائلَ أو بمشاهدة شخصية, والعديدُ منهم من كاتباتنا وكتّابنا الأعزاءِ .
 بعدَ أن طرحوا الأسئلة التي عرضتها في المقدّمة, أضافوا:


منذ عدّةِ سنواتٍ لاحتْ في أفقِ الكتابةِ والأدبِ الكرديين اتجاهاتٌ تعاكسُ ولوجَ المرأةِ رحابَ الأدبِ والكتابةِ والثقافة ِعموماً. فتتهمُ أسلوبها بالضّعفِ والرّكاكةِ والسّطحيةِ حيناً, ويتهمونها شخصيا ًبالخارجةِ عن أعرافِ المجتمع وقوانينه, والمتمرّدةِ على الأصول والأنسابِ المتوارثةِ في غالبِ الأحيان. ولكنّ هذه الاتجاهات في
مجملها كانت هادئة وخجولة, لم تصل إلى درجةِ الإيذاءِ واللّسعِ القاتلِ كما هو عليه الأمرُ في الآونةِ الأخيرةِ وتحديداً مع بدايةِ القرن الواحدِ والعشرين.
حيثُ اشتدت واحتدتْ معركةٌ من طرفٍ واحدٍ, وعلى جبهةٍ واحدةٍ على هذه المرأة التي حاولتْ أن تستفيدَ من هامشِ الحرّيةِ الذي تظنّ أنّه باتَ في متناولها, وتستفيدَ من هذه الثورةِ العلميةِ والثقافيةِ والإعلاميةِ التي خيّمتْ بظلالها على أرجاءِ المعمورةِ. فأرادت أن تدلو بدلوها أيضاً, وتترجمَ خفايا ومكامنَ خيالها وفكرها
وهواجسَ وهمساتِ قلبها ووجدانها, إلى أرضِ الواقعِ, كما يفعلُ كلّ مَنْ يلامسُ لديه القدرة على التّعبير, وسبر أغوار الفكر والنّفسِ, ولكنّها فوجِئتْ بحربٍ عاتيةٍ تُشنّ عليها محاولة حرقها جملة وتفصيلاً, قلباً وقالباً, لئلا تقومَ لها قائمة فيما بعد.
بصراحةٍ أعادتني عباراتهم واستفساراتهم عدّة آلافِ سنين إلى الوراءِ, وتحديداً إلى التّاريخ, حين أفلحَ الرّجلُ ونتيجة محاولاتٍ عديدةٍ ومديدةٍ, ولقرونٍ متتاليةٍ ومضنيةٍ أن يقضيَ على عصرِ الأمومةِ الذي يوصفُ بالخصبِ والوفرِ والأمانِ, فكانَ له ما شاء وما أرادَ, فبدأ بسحقِ ذاك العصرِ سحقاً مدروساً ومنتظماً, حتى صار مجرّدَ ذكرى يذكره التّاريخُ ذكراً خجولاً في قليلٍ من الأحيان أو لا يذكره أصلاً. وليحلّ محلّه عصره (عصرُ البابويةِ) منذ الألفِ الثاني قبل الميلاد حتى لحظة كتابتي لهذه المقالةِ.
تكادُ كلّ الملاحظاتُ والاستفساراتُ تؤكّدُ على بعضِ الوسائل والطّرقِ غير الصّحيّةِ وغير اللائقةِ بالمجتمعِ الكرديّ عموماً والرّجلِ الكرديّ على وجه الخصوص والتي يمارسها بعضُ كتّابنا ومثقفينا مع الفتاة والمرأةِ الكرديةِ, وسعيه الدّؤوبِ للوصولِ إليها وكسبِ صداقتها بل زمالتها والتي ترى فيها هذه المسكينة صداقة
وزمالة مهنةٍ واحدةٍ, مقدّسة ليها كثيراً (مهنة الكتابةِ والأدبِ) ويظلّ هو يؤكّدُ على هذه الزّمالة القائمةِ على الأخوّةِ الصّادقةِ والصّداقةِ الصّادقةِ, بينما يضمرُ لها وفي عمق أعماقه ما هو نقيضُ ذلك تماماً, وبعدَ أن يربّي ما أضمره, يعلنه على الملأ مظهراً نفسه المنتصرَ والمقدامَ وهي السّاذجة والبسيطة والرّخيصة,.. و..
بعدَ أن أفرغوا بعضَ ما في مداركهم الفكريةِ والحسّيةِ أجبتهم:
أرى أنّ المجتمعَ الكرديّ كغيره من الشّعوبِ الأخرى, وتحديداً الشّرقيةِ منها يمرّ الآن بنقلةٍ نوعيةٍ فريدةٍ وحرجةٍ في نفسِ الوقتِ في حياته, وطرقِ معيشته وتعامله وعلى مختلفِ الأصعدةِ والاتجاهاتِ, ممّا شكّلَ لديه نوعاً من الإرباكِ والاضطرابِ في فكره وذاته, وجعله يفقدُ الكثيرَ من توازنه النّفسيّ والفكريّ, ولأنّ الكاتبَ والمثقفَ الكرديّ يُعتبَرُ جزءاً لا يتجزّأ من هذا المجتمعِ, فإنّه بدورهِ تأثر بما حوله تأثّراً كبيراً ومباشراً.
فوسائلُ الإعلامِ الحديثة والتّقنياتُ المبتكرة جديدة كلّ الجدّةِ على المجتمعِ الكرديّ كغيره من المجتمعاتِ الشّرقيةِ والشّرق أوسطيةِ, فلم يتعرّف عمومُ مجتمعنا على الكمبيوتر والانترنيتِ إلا مع بدايةِ هذا القرن وعلى المحطاتِ الفضائيةِ إلا خلال الـ(10-15) سنة الماضية, وهذه الفترة قصيرة جدّاً حتى تتمكّنَ من خلقِ جيلٍ كرديّ واعٍ لهذه الأمورِ ومتفهّماً لها, وهذا الوعي والتقبّلُ يتطلّبُ سنواتٍ وسنوات من السّعي والعمل والجهدِ. وطبيعيّ أن نفتقرَ إلى طرقِ وأساليبِ التّعامل الأدبيّ والثقافيّ أيضاً مع بعضنا البعض عن طريقِ هذه الوسائل والتقنياتِ الحديثةِ والدّخيلة على مجمل نواحي حياتنا.
السّببُ الآخر أظنّه يكمنُ في ماهيةِ وتفكيرِ الرّجلِ الكرديّ الذي يُعْتبَرُ جزءاً لا يتجزّأ من المجتمع الشّرقيّ. فهو بحكمِ شعوره بالسّيادةِ والرّيادةِ في كلّ أمورِ الحياةِ وعلى مرّ العصورِ وبحكمِ احتكاره لكلّ مكامنِ النّفسِ والحسّ والفكرِ, يرى صعوبة بالغة في تقبّلِ فكرةِ أن تشاركه المرأة في الميادين التي يظنّ أنّها كانت ومن ثمّ باتتْ حكراً عليه وحْده كميدانِ العمَل والسّياسةِ والثقافةِ والكتابةِ, وحتى الاختراع والابتكارِ.
وهو يظنّ أنّ المرأة حينما تدخلُ هذه الميادينِ فإنّها تفعلُ ذلك لكي تنافسه, أو تقلّلَ من شأنهِ, أو تعانده وتغيظه.
في حين أنّ المرأة لا تفكّرُ بذلك إطلاقاً, وإنّما تحاولُ بدخولها أن تمارسَ حقها كإنسانٍ منحتها الحياة الفكر والإدراك, والخيال والحسّ.
فحتى الأمسِ القريبِ كان محراب الكتابةِ والثقافةِ لا يُفتحُ إلا للرّجل وحده, والتّاريخُ الكرديّ وغير الكرديّ لا يحفظ إلا أسماءَ قليلة ومتعدّدة لنساءٍ برزن في تلك الميادين, ونستطيع أن نؤكد على أنّ معظمهنّ كنّ ينتمينَ إلى الطبقةِ العليا من المجتمع أيّ الطبقة المقتدرة. البعضُ يقول ربّما كان عددهنّ أكبر ولكنّ التاريخَ وكونه كُتِبَ بقلمٍ مذكّر قد تناسى بعضها, أو لنقل سقطت منه سهْواً.
وقد أكّدَ البعضُ منهم على أمرٍ هامّ جدّاً يتعلّقُ بما تتعرّضُ له شخصاً وأخلاقياً من اتهاماتٍ وشائعاتٍ حتى يرونَ المرأة الكاتبة شاذة عن مبادئ المجتمع وأعرافه ومتحرّرة إلى درجة الجرأةِ الزّائدةِ عن حدّها وتساءلوا:
لماذا لايعارضُ الرّجلُ على دخول المرأةِ  ميدان العمل؟ ألا تختلطُ العاملة بالرّجال العاملينَ معها؟! ألا تنشأ بينها وبينهم وبحكم عملهم المشترك علاقاتُ صداقةٍ وزمالة؟؟! وطبقاً لهذا المفهوم هل يحقّ لنا أن نتهمّ المرأة العاملة في شخصها وفي عملها, ونلصق تهمة الخلقِ السّيءِ بها؟؟!!
ثمّ أجابوا هم أنفسهم:
من الواضح أنّ الرّجل لاينظرُ –وفي الوقتِ الحالي تحديداً- إلى المرأةِ العاملةِ من الزّاوية التي ينظرُ من خلالها إلى المرأة الكاتبة والمثقفة, لأنّ العاملة تسهّلُ له طرق معيشته وتجلبُ له المال الذي يعينه على العيش بهدوءٍ وأمان, بينما الأخرى فلا فائدة مالية تُرْجى منها. ثمّ أضافوا:
نعلمُ أنّنا أمامَ مرحلةٍ جديدةٍ ومغايرة عن كلّ المراحل التي سبقتْ, وأنّ الرّجل الحالي مازالَ يجدُ صعوبة بالغة في تقبّل فكرةِ أن تقاسمه المرأة ما كان يظنّ حتى الأمس القريبِ حكراً عليه وحده. وهذه المرحلة عاشها الرّجل الشّرقي قبل ذلك وفي عددٍ من البلدان والدّول, حتى توصلّ شيئاً فشيئاً إلى حقيقةِ قبول المرأة كائناً عاقلاً قائماً بذاته.
فكيفَ نفهمُ الحرّية مع هذه النّظرةِ الغريبة للرّجل الكرديّ إلى المرأة الكردية؟! علماً أنّ المرأة حينما تتعاملُ مع الرّجل فإنّها تتعاملُ معه كأديبٍ وكاتبٍ ومثقف, وليس كرجلٍ ذكر فحسب- وإن وُجدت امرأة هنا وفتاة هناك تحاولُ أن تصلَ إلى الشّهرة التي تنشدها وبطرقٍ نراها نحن بأنّها غير شرعية, فإنّ هذا لايبرّرُ لهم أن يعمّموا آراءهم على جميعهنّ. فالذي أو التي يحاولُ أن يعيشَ حياة مناقضة للآخرين كثر وهم متواجدون في كلّ مجالاتِ الحياة- لذلك عليه أن يتداركَ هذا الأمرَ بسرعةٍ لامتناهيةٍ, ويتوقفَ بشكلٍ جدّي وإنسانيّ وحضاري على كلّ الأفكار والتّخمينات المظلمة والظالمة التي تعارك فكره وحسّه لينصفَ المرأة أخلاقياً وفكرياً ومعرفياً, وإلا سنتحوّلُ إلى مجتمع ٍسيّءٍ وشرّيرٍ يمارسُ فيه بعضنا شرائع الغابِ وقوانينه ولانستطيعُ أن نقوّمَ الإنسانَ من خلال عمله ومهنته, بل نعامله بحسبِ سلوكه الذي يبديه لنا ويظهره
وحتى هذا السّلوك علينا أن نتوقفَ عليه لنتعرّفَ إلى مسبّباته ودوافعه لئلا نظلمه ونسيء الظنّ به.
وأملنا كبيرٌ في الجيل القادمِ والذي يليه بأن يتوصّلَ إلى هذه الحقائق ويقرّ بقدرةِ المرأة على الإبداع والخلق المستمرّ, ورغبتها في أن تشاركه في كلّ ميادين الحياةِ على اعتبارها منبعُ خصبٍ وعطاءٍ لاينضب.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=1198